مسيحيو الموصل محمد سعيد الصكار هل تحتاج الموصل، لؤلؤة الشمال العراقي، إلى من يرسم حدودها الجغرافية ويحشر في إطارها ذلك المزيج المتنوّع الخلاق من أبنائها، والثراء الثقافي في تاريخها الطويل، ليدلنا على أننا في (الموصل) العراقية ذات القلادة الماسية التي تزيّن تاريخها بالمآثر التاريخية والثقافية والطبيعية والبشرية!
وهل يحتاج مسيحيو العراق إلى من يدافع عنهم ويؤكد وطنيتهم ورسوخ قاماتهم في الوطن العراقي الذي من مآثره أن يحتضن هذه الكوكبة الشريفة من الأعراق والأديان والمذاهب والتيارات السياسية والرؤى الفلسفية والقوى الفكرية والطقوس التي تأصلت في التاريخ والسلوك الاجتماعي.
لست من الضالعين في التحليل السياسي لتفسير ما يجري في العراق من وضع (سريالي) يتعذر فيه الوقوف على ملامح الحقيقة الواضحة، ويتعقّد فيه الوضع وتلتبس الرؤية بحيث تظل غمامة اختلاط الأمور تلاحقنا فلا نحسن الرؤية الصافية والتقدير السليم، بل ولا فهم ما يجري فعلا أمام أعيننا، ونسمعه من هنا وهناك. لاحظوا توالي الأحداث الآنية:
«قرر مجلس الوزراء العراقي إرسال وفد وزاري عالي المستوى إلى مدينة الموصل الشمالية للوقوف على الوضع العام واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف عمليات التهجير التي يتعرض لها المسيحيون والبدء بعمليات إغاثة فورية من خلال معونات ومساعدات للعوائل النازحة... ». ثمّ: «وكشفت السفارة الأميركية في بغداد عن وجود ممثلين من الولاياتالمتحدة على اتصال منتظم مع المجموعات المختلفة في الموصل، مشيرة إلى أن تقديمها ومنظمات إنسانية دولية مساعدات عاجلة للعائلات النازحة».
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ إن مجلس الوزراء قد استعرض في جلسته الاعتيادية هذا اليوم الأوضاع المؤلمة في مدينة الموصل وما يتعرض له المواطنون المسيحيون من تهديد وتهجير لدفعهم للنزوح من مناطقهم من خلال أعمال إجرامية وإرهابية».
تصوّروا: (الأوضاع المؤلمة)! بهذا الوصف توصف عمليات التهجير للعوائل المسيحية!
قالت السفارة في بيان لها إنها: تستنكر الاعتداءات الأخيرة على المواطنين العراقيين في كل من بغداد ونينوى مؤكدة أن ؟قوات التحالف ستعمل على دعم قوات الأمن العراقية حيث أنهم يعملون معًا لحماية العراقيين الأبرياء من هؤلاء الراغبين في إيذائهم. واثنت السفارة على؟
«الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية لرفع المستوى الأمني في نينوى». وأوضحت أن: «إرسال قوة شرطة إضافية تم تدريب بعض عناصرها من قبل القوة المتعددة الجنسيات بالعراق، سيساعد على عودة الأمن لمواطني نينوى المضطربة». أين هو أمن المواطنين الهاربين في كل اتجاه تاركين بيوتهم وأثاثهم وذكرياتهم ومكتباتهم، ملتمسين النجاة من هذه الهجمة الهمجية التي ما مرّت بتاريخ العراق.
وفي بيان آخر: «قوات الأمن ستقوم بحماية جميع المواطنين العراقيين دون أي تفرقة». وكشفت عن وجود ممثلين من الولاياتالمتحدة على اتصال منتظم مع عدد من المجموعات المختلفة في نينوى مشيرة إلى أن المنظمات الإنسانية الدولية قد استجابت للحاجات العاجلة للعائلات النازحة مستخدمة أموال من الولاياتالمتحدة ومتبرعين دوليين.
وفي مدينة النجف أعلن مصدر في مكتب المرجع الشيعي الكبير آية الله علي السيستاني أن المرجعية الدينية العليا (تشجب وتستنكر) عمليات التهجير التي يتعرض لها المسيحيون في مدينة الموصل. وقال المصدر «كون المرجعية تمثل حالة أبوية لكافة الطوائف العراقية، فهي تعرب عن شجبها واستنكارها للممارسات اللا إنسانية التي يتعرض لها المسيحيون في الموصل، وأضاف أن المرجعية «تطالب الحكومة باتخاذ إجراءات للحد من الاعتداءات ومنعها والعمل على عودة المهجرين إلى مناطقه».
ها نحن أمام المحنة، والحالة السريالية: الحكومة تستنكر وتدين.. والمرجعية تشجب وتستنكر.. والسفارة الأميركية تستنكر.. والمواطنون يستنكرون.
وقيامة الناس قائمة بانتظار أن تحيل الدولة هذه الاستنكارات إلى احتجاج جماعي تتأمله بوعي، وتتعامل معه بحكمة، و تبني سياستها على أساسه، وتكشف العناصر العابثة بمصائر الناس الآمنين، وتأخذ للقانون حقه منهم، وتعفينا من هذه التصريحات والشجب والاستنكار، فما عاد في وسعنا تصديقها . عن صحيفة البيان الاماراتية 19/10/2008