أمريكا وإيران.. حالة اللا حرب واللاسلم أحمد سيد أحمد بعد انتهاء الحرب الباردة لم تعد الايديولوجيا هي المحرك الاساسي في ادارة العلاقات الدولية أو المحدد الرئيسي في صناعة السياسة الخارجية للدول, بقدر ما أضحت المصلحة وحسابات المكسب والخسارة وراء اتخاذ القرارات الكبري كقرار الحرب بماله من تكلفة باهظة وتداعيات خطيرة, وفي هذا السياق يبدو الجدل الدائر منذ شهور وبلغ ذروته في الفترة الاخيرة حول احتمالات المواجهة المسلحة بين الولاياتالمتحدةوايران, يفتقد الي الفهم السليم والتي جعلت البعض يري وكأن الحرب باتت وشيكة, فالتصعيد الاخير في لغة الخطاب السياسي الامريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام تجاه ايران يرافقه تصعيد اعلامي وتسريبات صحفية لسيناريوهات الضربة المتوقعة, هو إحدي أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية من خلال أسلوب الردع والتهديد بالحرب وهو أسلوب قد ينجح في بعض الحالات لكنه في حالات أخري يؤدي لنتائج عكسية وكارثية. واذا كانت خبرة السنوات الست السابقة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الارهابية, تشير الي أن غالبية قرارات السياسة الخارجية الامريكية في عهد المحافظين الجدد قد افتقدت للرشادة ولحسابات التكلفة والمنفعة جسدتها حربا أفغانستان والعراق في إطار الحرب العالمية علي الارهاب وأدت لعواقب وخيمة متمثلة في تعقد مأزقها في هاتين البلدين, إضافة الي فشل الحرب علي الارهاب وتزايد التوتر والعنف في العالم, فإن الحالة الايرانية تبدو مختلفة, حتي وان ظل المحافظون الجدد في الادارة الأمريكية علي منطقهم في سياسة الحرب الاستباقية وتحدي ارادة المجتمع الدولي. فخيار الحرب علي الأقل في المديين القريب والمتوسط مستبعد لعوامل عديدة أولها أن عهد هؤلاء المحافظين الجدد أنفسهم علي وشك الأفول بعد أن انقلب الرأي العام الأمريكي عليهم في انتخابات الكونجرس الأخيرة وفوز الديمقراطيين بحيث أصبح الرئيس بوش كالبطة العرجاء غير قادر علي انتزاع تأييد الكونجرس لقرار الحرب المحتمل ضد ايران, خاصة في ظل الضغوط والعقبات من جانب الديمقراطيين علي تمويل الحرب في أفغانستان والعراق واشتراطهم وضع جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية, كما تشير كل استطلاعات الرأي الي خسارة الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي ظروف كهذه لا يستطيع رئيس أمريكي اتخاذ قرار منفرد بالحرب مع انتهاء ولايته, وثانيها أنه من الناحية العسكرية والاستراتيجية مهما كانت قوة الولاياتالمتحدة كقوة عظمي تقف علي رأس النظام الدولي, فإنها لا تستطيع أن تخوض ثلاث حروب في ذات الوقت, خاصة أنها لم تحسم حربها في العراق وأفغانستان وتواجه مأزقا حقيقيا يتزايد يوما بعد الآخر سواء في تكلفته المادية الباهظة التي وصلت لاكثر من400 مليار دولار, أو البشرية بعد مقتل ما يقارب الأربعة آلاف جندي أمريكي واصابة الآلاف, بل ان اندلاع حرب أمريكية ايرانية يعني أن القوات الأمريكية في العراق والتي تصل إلي168 ألف جندي ستكون في مرمي النيران الايرانية, أي المزيد من الخسائر البشرية, وثالثها ان ايران في هذه الحالة ليست دولة رخوة كنظام طالبان الهش الذي عاني العزلة الدولية. وليست العراق الذي أنهكته العقوبات الدولية وأغرت الادارة الامريكية بغزوهما, فهي قوة سياسية واقليمية مهمة لديها العديد من التحالفات الدولية خاصة مع روسيا, وهي قوة عسكرية لا يستهان بها استطاعت ان تطور ترسانة عسكرية هائلة وشبكة فعالة من الصواريخ أبرزها الصاروخ شهاب2 الذي يصل مداه الي ألفي كيلو متر, وبالتالي حتي وان شنت أمريكا ضربة استباقية جزئية ضد المنشآت النووية الايرانية كما تشير تسريبات الصحف الغربية, فإنها ستتحول الي حرب شاملة في ظل القدرات الايرانية لا يمكن السيطرة علي نهايتها, ورابعها صعوبة ان تقوم الادارة الأمريكية ببناء تحالف دولي ضد ايران علي غرار ما حدث في العراق وأفغانستان الذي انهار بعدما انقلبت شعوب الدول التي شاركت في الغزو علي أنظمتها. وتكمن الصعوبة في ضعف المنطق الامريكي في تبرير الحرب خاصة أنه لم يثبت أن ايران تمتلك أسلحة دمار شامل او تقوم بتطويرها, يدعمها في ذلك تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية, ومنطق ايران بتطوير برنامج نووي للاغراض السلمية تجيزه معاهدة حظر الانتشار النووي ذاتها وهي احدي الدول الموقعة عليها, في مقابل ضعف المنطق الامريكي الذي يحاسب طهران علي نواياها في امتلاك السلاح النووي دون وجود أدلة حقيقية اضافة الي اثبات زيف مبرر غزو العراق في امتلاك أسلحة الدمار الشامل. وان كانت الشرعية الدولية والاجماع الدولي لا يمثل إلا عاملا ثانويا, خاصة أنه يعارض الحرب لكنه غير قادر علي منعها, فإن اتخاذ قرار الحرب منفردا من جانب الادارة الأمريكية وتنحية الشرعية الدولية يواجه صعوبات حقيقية. في المقابل فإن خيار التقارب أو التطبيع مستبعد هو الآخر لعوامل موضوعية أبرزها التباين الأيديولوجي والعداء التاريخي بين النظامين الأمريكي والايراني اضافة للعامل الاسرائيلي واللوبي اليهودي في أمريكا الذي يحرض ضد ايران ويجهض أية محاولات للتقارب. ويبقي الخيار الثالث هو استمرار حالة اللاحرب واللاسلم والمنطق البرجماتي في ادارة علاقاتهما, الذي يحكمه بالاساس المصلحة القومية, والتي دفعت الجانبين للتعاون في إسقاط نظام طالبان السني المعادي لطهران, وإسقاط نظام صدام حسين المعيق لتطلعات ايران الاقليمية وحرص طهران علي عدم تحريض شيعة العراق لانخراطهم في المقاومة المسلحة ضد القوات الأمريكية, إضافة إلي مرونة السياسة الايرانية في إدارة تفاعلات الملف النووي والتي تبدي التراخي حينما تزداد الضغوط الدولية, ثم تصعد من لهجتها السياسية وخطابها الاعلامي لتقوية موقفها ودعم مطالبها, وفي مقابل مراوحة أمريكا بين سياسة الجزرة في تقديم الحوافز عبر الطرف الأوروبي والعصا في فرض المزيد من العقوبات الدولية تمهيدا لشن الحرب في المدي البعيد. ومع استمرار حالة اللاسلم واللاحرب بين أمريكا وايران تبرز ضرورة التحرك العربي الفعال للانتقال من موقع المفعول به الي موقع الفاعل والمؤثر في هذه التفاعلات الاقليمية وتوجيهها في المسار الذي يعظم المصالح العربية من ناحية ويجنب المنطقة ويلات حرب جديدة والي اشتعال المنطقة الملتهبة أساسا. عن صحيفة الاهرام المصرية 25/10/2007