في مجملها تشكل الأعمال الإرهابية أيا كان هدفها والحجج التي تساق لتبريرها أعمالا مدانة ومرفوضة كونها تمثل خطرا حقيقيا على السلم الأهلي وتسيء إلى المسيرة الوطنية السلمية والتطور الاجتماعي والسياسي في البلاد، وبغض النظر عما إذا كانت وراء هذه الأعمال أهداف سياسية أو غير ذلك من المبررات التي عادة ما تروج لجعلها (الأعمال الإرهابية) في نظر البعض أعمالا مقبولة، فإن الوقوف في وجهها وعدم قبول أي حجة لتبريرها إنما هما مطلبان وطنيان يجب أن يكونا شاملين وأن تصطف جميع قوى المجتمع الأهلية إلى جانب الجهود القانونية والأمنية التي تستهدف استئصال الإرهاب ومسبباته وعدم تركه ينمو في المجتمع كما هو الحال في الكثير من الدول بما في ذلك بعض دول الجوار العربية. صبيحة أيام عيد الفطر، أي قبل عدة أيام فقط استيقظنا على نبأ يتحدث عن عمل إرهابي خطر
وشكل نقلة نوعية في الأعمال الإرهابية التي وقعت في بلادنا في السنوات الأخيرة، حين اعترض ملثمون ومتنكرون في ألبسة نسائية طريق سيارة مدنية وهاجموا ركابها الثلاثة بقنابلهم الحارقة (المولوتوف)، وهو عمل لا يمكن البحث له عن أي مبرر البتة سوى أنه تصعيد خطر في لغة وممارسة الإرهابيين، فاستهداف المدنيين يشكل سابقة خطرة لم تشهدها بلادنا من قبل ويهيئ لمرحلة جديدة من الأعمال الإرهابية التي تستوجب مواجهتها بحزم وقوة القانون مع التركيز في فضح وكشف الإرهابيين والذين يقفون وراءهم أو يقدمون لهم العون المادي أو السياسي والمعنوي. صحيح أن الإدانات مطلوبة ورفض مختلف قوى المجتمع مثل هذه الأعمال الخطرة والإرهابية يمثل ما يشبه العزل السياسي والمجتمعي للمتطرفين والإرهابيين، إلا أنها - أي الإدانات - وحدها لن تكون كفيلة باستئصال العنف والإرهاب، وإنما نحن بحاجة إلى عمل سياسي منظم ومتواصل لتطهير العقول والقلوب من نوازع هذه الأعمال وهذا السلوك الدخيل على مجتمعنا الذي لم يكن في يوم من الأيام جزءا من الممارسة العملية لأبناء البحرين حتى خلال أحلك سنوات الوضع السياسي قبل انطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك ودخول بلادنا مرحلة جديدة من مراحل تطورها السياسي تمثل في فتح الطريق أمام الجميع لممارسة عمله السياسي العلني تحت قبة القانون والنظام.
فما حدث قبل عدة أيام في منطقة كرزكان ودمستان إنما هو جريمة خطرة تفوق في خطورتها الجرائم التي شهدناها من قبل، إذ ان استهداف المدنيين يعني أن هناك فريقا وضع نصب أعين أعضائه هدف تفجير الوضع الأمني في البلاد وتعريض حياة ومصالح المواطنين لخطر مستمر، فاستهداف سيارة مدنية بقنابل حارقة من شأنه أن يعرض أرواحهم للموت يجب عدم النظر إليه على أنه مجرد جريمة عابرة، فهو عمل منظم ومخطط له مسبقا، ربما ليس الضحايا هم أنفسهم المطلوبة أرواحهم، وإنما المطلوب هو السلم الأهلي ممثلا في هؤلاء الضحايا، ومثل هذه الجريمة قد تقع وتنفذ ضد أناس آخرين وفي أماكن أخرى إن لم يسارع الجميع إلى تشخيص هذا الوضع الخطر واستئصاله قبل أن يستفحل. ما يؤكد وجود تخطيط مسبق لجر البلاد نحو حالة أمنية غير مسبوقة أن العمل لم يكن فرديا البتة بل جماعيا حيث شارك في ارتكابه أكثر من عشرين فردا مجهزين بأدوات الجريمة (القنابل الحارقة) ومتنكرين في أزياء نسائية كي يصعب التعرف إليهم من قبل الضحايا أو غيرهم من المواطنين الرافضين مثل هذه الأعمال الإجرامية، من هنا نعتقد أن معالجة هذه المستجدات تحتاج إلى بعد نظر يتخطى مجرد العلاجات الأمنية، فنحن لا نتعامل مع جرائم عادية حتى إن كانت عنيفة، وإنما مع عمل منظم يرقى إلى مصاف الأعمال الإرهابية التي ينفذها بعض الجماعات في العديد من الدول بغض النظر عن النتيجة التي أسفرت عنها عملية كرزكان - دمستان مؤخرا.
نحن بحاجة ليس فقط إلى التفاف قوى المجتمع المدني بكاملها وشجبها ورفضها هذه الأعمال الخطيرة، وإنما بحاجة إلى معالجة بعيدة المدى لا تستهدف فقط وضع اليد على الفاعلين أو الواقفين وراءهم وكل من يقدم لهم أي شكل من أشكال الدعم المادي أو المعنوي، وإنما إلى اجتثاث البذور التي تنبت مثل هذه العناصر المستعدة للإقدام على مثل هذه الأعمال الخطيرة المتنافية مع الشرائع السماوية والإنسانية كافة كونها تعرض حياة الإنسان للتهلكة، ناهيك عما تسببه من تدمير للوطن ومستقبل أجياله، فمن دون عمل يؤدي هذا الهدف فإن العناصر الإرهابية وأفكارها سوف تتوالد وتتكاثر كما تتكاثر الكائنات الحية المختلفة.