ليفني والتسوية أحمد المرشد أحدث انتخاب وزيرة الخارجية "الإسرائيلية" تسيبي ليفني رئيساً لحزب كاديما ومن ثم تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لإيهود أولمرت، حالة جدلية بين المثقفين العرب، وتركز النقاش حول مستقبل عملية السلام في عهد ليفني، هل ستظل مجمدة؟ أم تتقدم إلى الأمام ولو بخطوات محسوبة؟ هذه هي الأسئلة الرئيسية التي تمخضت عنها المناقشات التي أفرزتها مناسبة صعود ليفني إلى سدة الحكم في "إسرائيل". بداية، فإن ليفني نفسها في مهب الريح، لأنها ليست مغيبة عن المؤامرات الحزبية التي تحاكي ضدها وخاصة من العمل (إيهود باراك) والليكود (بنيامين نتنياهو). هذه المؤامرات تستهدف تقديم موعد الانتخابات والإجهاز على حزب كاديما الجديد، وتغييبه عن الساحة السياسية في "إسرائيل" إلى الأبد مثل بقية الأحزاب التي تقوم وتموت في هذا الكيان الذي لا تعيش فيه حكومة لفترتها القانونية. فباراك يرى أن خيار الانتخابات العامة أفضل لحزب العمل كي يفوت الفرصة على ليفني لتعزيز مكانتها كرئيسة للوزراء؟ ودعونا ننحي الشق السياسي "الإسرائيلي" جانباً، رغم أن تغيير الحكومات "الإسرائيلية" منذ تدشين مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991 يرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذه العملية ومجرياتها. ولننتقل بسرعة إلى محاولة سبر أغوار عقل تسيبي ليفني بشأن رؤيتها لإنهاء الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" بأبعاده المتشعبة من الحدود والقدس واللاجئين والمستوطنات والدولة ومستقبل شعب يعاني الحصار والعذاب منذ نكبته عام 1948. فرئيسة الوزراء "الإسرائيلية" أو كما يلقبونها هناك ب"جولدا مائير الجديدة" تعارض تقديم ما تسميه ب"تنازلات" للفلسطينيين تحت ضغط المقاومة. فهي ترى أن عملية السلام يمكن تحريكها بقرار سياسي من الطرفين وليس تحت ضغط هذه المقاومة أو العمليات العسكرية للفصائل الفلسطينية. بيد أن ليفني وهذا يحسب لها، ترى أن حل الصراع لن يتأتى عبر عمليات عسكرية "إسرائيلية"، وأنه يجب عدم منح الجيش "الإسرائيلي" اليد الطولى في اتخاذ مثل هذه القرارات. فالقرار هنا يجب أن يكون سياسياً وليس عسكرياً، أي بيد الحكومة أو مجلس الوزراء المصغر المعني بالشؤون الأمنية. يتعين لنا أن نفهم ونحن نبحث مستقبل الصراع في عهد ليفني، أنها لن تحيد عن الفكر "الإسرائيلي" الاستراتيجي حيال مسألة الدولة العنصرية. ف"إسرائيل" من وجهة نظرها بيت قومي للشعب اليهودي، على أن يستوعب هذا "البيت الدولة" كل يهود العالم بطموحاتهم ومشكلاتهم وأموالهم، وهكذا تكون الدولة الفلسطينية، البيت القومي للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، ويوفر هذا البيت الحل الشامل والكامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. أي أنها بجرة قلم ألغت حق حوالي 5.4 مليون لاجئ فلسطيني في العودة إلى أراضيهم التي هجروا منها منذ النكبة عام ،1948 وشطبت القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين، وقررت بنفسها عودة هؤلاء إلى حدود الدولة الفلسطينية الجديدة التي لم تصل بعد إلى 22% من أراضي الرابع من يونيو/ حزيران 1967. وإذا انتقلنا إلى مسألة الحدود، فقد أثارت ليفني وهي تقود فريق التفاوض "الإسرائيلي" خلافاً مع الفلسطينيين، فهي تعتبر مسار جدار الفصل العنصري حدوداً ثابتة ل"إسرائيل"، رغم أن هذا الجدار يبتلع عمق الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وأقيم بغير حق وبالمخالفة للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف الرابعة، لأنه يغير الأوضاع على الأرض وقت الاحتلال. لا نبالغ إذا قلنا إن عقلية القادة "الإسرائيليين" لا يمكن أن تتغير بمجرد تغيير المواقع والأسماء، فهذه العقلية تعتمد القوة المفرطة ودعم الولاياتالمتحدة. ويكفي أن ليفني لم تعترف حتى الآن بمبادرة السلام العربية، وبالتالي فإن التوقع هو عدم تقدمها قيد أنملة في اتجاه إحياء عملية السلام، ليبقى الحال كما هو عليه من مزايدات حزبية. ولينتهي الأمر من دون حل وتستمر حركة البناء وتوسيع المستوطنات وتهويد القدس والتهرب من تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة. علينا ألا ننخدع بتصريح ليفني بأنها لن تتحالف مع الأحزاب التي تريد تجميد عملية السلام، فهي نفسها لم تتعهد بتحريك هذه العملية ولم تفعل ذلك طوال فترة توليها إدارة ملف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. ويكفي أن ليفني تتحفظ على التوصل إلى اتفاق إعلان مبادئ للتسوية الدائمة للصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني. فهي ترى أن الظروف الداخلية الصعبة لحكومتها لا تتيح لها التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، كونه سيتطرق إلى قضايا تتعلق بلب الصراع، مثل القدسالشرقية وقضية اللاجئين وقضية الحدود وما يرتبط بها من إزالة مستوطنات. فالمعارضة لهذه القضايا لا تقتصر على أحزاب اليمين المعارض، إنما هناك معارضة في الحكومة نفسها وفي حزب كاديما الحاكم نفسه. عن صحيفة الخليج الاماراتية 27/9/2008