اعتذار غريب احمد عمرابي أجل.. الشعب اللبناني منقسم إلى طوائف ومذاهب دينية حتى داخل ديانة واحدة . هذا واقع مرئي وملموس يفرض نفسه مما يتطلب صيغة حكم مبنية على توازن طائفي، لكن من يستطيع أن يغطي عين الشمس بغربال فينكر عروبة الشعب اللبناني؟
هذا الأسبوع أعلن زعيم مسيحي لبناني من لوردات الحرب الأهلية (1975 1990) «اعتذاراً» عن دوره في الحرب.
قال سمير جعجع قائد ميلشيا «القوات اللبنانية» المسيحية أثناء الحرب: «لقد أخطأنا بعض الأوقات». واستناداً إلى هذا الاعتراف، وقد كان يخطب في جمع من أنصاره المسيحيين، أضاف قائلاً: إنه «باسمي واسم أجيال المقاومين جميعاً أتقدم باعتذار عميق وصادق وكامل عن كل جرح أو أذى أو خسارة أو ضرر غير مبرر تسببنا فيه خلال أدائنا لواجباتنا الوطنية طوال مرحلة الحرب».
كلمات عاطفية قوية الرنين. لكن من الواضح أن هذا الزعيم الميلشياوي المسيحي حرص على انتقاء ألفاظه بعناية. فهو رغم اعترافه بارتكاب خطأ و«مخالفات شنيعة مؤذية» فإنه لم يسم بصورة محددة الجهة أو الجهات التي وجه إليها اعتذاره. كما أنه يلغي عملياً اعترافه واعتذاره بتسمية الجرائم العظمى التي ارتكبتها الميلشيات المسيحية أثناء الحرب «واجبات وطنية».
ربما تكون مذبحة الفلسطينيين التي نفذتها ميلشيا مسيحية في مخيم صبرا وشاتيلا عام 1982 الجريمة الأكثر دراماتيكية في مسار الحرب. لكنها ليست «الجريمة الأم».
في إطارها الأكبر كانت الحرب الأهلية اللبنانية فصلاً من صراع دموي بين تيار القومية العربية من ناحية وإسرائيل والغرب من ناحية أخرى. ومن هذا المنظور يطرح التساؤل التاريخي: ماذا كانت طبيعة دور الميلشيا المسيحية اللبنانية على اعتبار أن لبنان عربي وأن المسيحيين اللبنانيين لا يقلون عروبة عن إخوتهم في الطوائف الأخرى؟
كانت الميلشيات المسيحية تقاتل في اصطفاف تحالف كامل مع إسرائيل من أجل الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي الأعظم لخلق دولة لبنانية معادية للعرب والعروبة ومتحالفة إلى الأبد مع الدولة اليهودية، وبلغ الأمر بالرئيس الماروني أمين الجميل أنه عقد أثناء الحرب معاهدة رسمية لتعاون مسيحي مع إسرائيل.
استناداً إلى هذا الواقع التاريخ كان على جعجع أن يتقدم باعتذار محدد وواضح إلى لبنان العربي وإلى العروبة والعرب جميعاً.. وأن يشفع اعتذاره بإعلان تعهد بأنه سيفتح صفحة جديدة من النضال السياسي من أجل المحافظة على عروبة شعب لبنان. عن صحيفة البيان الاماراتية 25/9/2008