مجدي الشرقاوي يدعونا القرآن الكريم للبحث في كيفية خلق الكون قال تعالي: " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) سورة العنكبوت 20
تساؤلات في خلق الكون :
قال تعالي: " عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) سورة النبأ من آية 1-4
لقد كان هذا الكون الواسع الهائل الذي لا تحده حدود موضوع فضول الإنسان في كل عهد وعصر فكل منا يريد أن يعرف أين أتينا. وأين نحن من هذا الكون الهائل وإلي أين نحن ذاهبون؟
كانت الفكرة السائدة في القرن التاسع عشر بأن الكون سرمدي أي لا نهائي بوجوده في الأزل وسيبقي للأبد فهذه هي الفلسفة المادية التي تنكر وجود الخالق وتعتبر أن المادة هي الوجود المطلق وهذه الفلسفة سادت منذ أيام الأغريق إلي كارل ماركوس.
فهذه الفلسفة قائمة علي المادة ويقول الفليسوف المادي جورج بلويتزر بأن الكون ليس شيئاً مخلوقاً ولو كان مخلوقاً لخلق في لحظة واحدة من قبل الله.
وفي إحدي أعظم مغامرات الفكر الإنساني مع بداية الألفية الجديدة فقد كاد العلماء أن يصلوا إلي الفهم الصحيح لكيفية نشأة هذا الكون وكيف سينفي؟
التكنولوجيا والعلم في القرن ال21 وهدم الفلسفة الإلحادية:
أكدت الفيزياء الحديثة من خلال تجارب ومشاهدات عديدة أن النموذج الساكن في هذا الكون غير مقبول من جميع الأوساط العلمية بناءاً علي تجارب ومشاهدات عديدة قامت بهدم هذا النموذج.وإقتلاعه من جذوره، وقد توصل العلم إلي حقائق مهمة تعد بمثابة انقلاب في عالم العلم بدأ علي يد علماء غير مسلمين.
القسيس البلجيكي جيورجيس لومتيرعالم في الفلك هو أول من تحدث عن الفتق والرتق وأن الكون قد بدأ بانفجارعام حيث اكتشف ادرين هابل Edrin Hubble عام 1929 ذلك من خلال التلسكوب الضخم.
فالمعلوم أن الطيف عندما يتحلل ينحاز نحو اللون البنفسجي عند اقتراب النجوم والأحمر عند ابتعادها وهو أهم اكتشاف وأكد أن النجوم تبعث لوناً أحمراً مما يدل علي أنها تتباعد فيما بينهما في كون يتباعد بعضه عن بعض، أي أن الحقيقة العلمية تؤكد بأن الكون يتوسع ويتمدد.
وهذا ما أكد ما توصلت إليه الحسابات بالفيزياء الكونية النظرية وهو ما توصل إليه ألبرت إينشتاين أكبر علماء القرن العشرين والذي تكتم هذا العلم حتي لا يصطدم مع الفكرة السائدة عن مادة الكون وأزليته واعترف بأن هذا أكبر خطأ ارتكبه في حياته.
ومن هنا فإن الحقائق العلمية تؤكد بأن الكون يبدأ من نقطة واحدة كانت تملك حجماً يساوي الصفر وأن الكون يتشكل ونشأ في انفجار هذه النقطة وهو ما يسمي بالانفجار الكبير Big Pan أي أن هذا الكون خلق من العدم .
وهذه الحقيقة العلمية تؤكد أيضاً بأن مادة الكون الأول كانت متجمعة ثم انفصلت وهذه حقيقة أخبر بها القرآن منذ أكثر من 1400 عام في قوله تعالي:
" أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) سورة الأنبياء الآية 30 ، أي أن السماء والأرض كانت مادة واحدة فرقناها وفصلناها حتي وصل الكون لحاله الحاضر.
اعترافات العلماء الملحدين بأن الكون خلق من عدم :
توسع الكون وتمدده هو أقوي دليل علي خلق الكون من العدم وقد اعترف كل من:
1.آرثر ادنجتون حيث قال بأن فكرة أن الطبيعة ظهرت فجأة تبدو لي محرجة.
2. الانجليزي فريد هويل الذي تضرر من نظرية الانفجار الكبير واعترف بأن تمسكه بنظرية الكون اللانهائي الساكن المستقر من ناحية الزمان والمكان كانت للابتعاد عن الفلسفة المادية أي حتي لا يهدم النظرية الشيوعية الملحدة.
3. وفي عام 1984 قال العالم جورج كامو بأنه لو كان هناك انفجار كبير فلابد أن يخلف وراءه إشاعاً وإن مثل هذا الإشعاع لابد أن يكون متساوي في جميع أرجاء الكون.
أكبر اكتشاف فلكي عن الدخان وبدء خلق الكون من العدم:
وفي عام 1964 اكتشف العلماء توب ويلسون وأرنو بانزياس بوجود هذا الاشعاع الكوني المنتشر في الكون بأجمعه وحصل علي جائزة نوبل عام 1987.
وفي عام 1989 أرسلت وكالة ناسا للفضاء القمر الصناعي (كوبا) يجمع المعلومات عن الإشعاع لكوني وهذا القمر مزود بأجهزة حساسة ومتقدمة والذي توصل إلي أكبر اكتشاف فلكي لكل العصور خلال 8 دقائق من إطلاقه
وأكدت أبحاث بانزياس و ويلسن ببرهان ودليل واضح، كما أثبت العلم الحديث أن مقادير الهيدروجين والهيليوم الموجودة في الكون تنطبق مع النسب النظرية الموجودة في الانفجار الكبير منذ أكثر من 15 مليار سنة حتي الآن. وهذا دليل أخر عن أن للكون بداية و إلا لأحترق جميع الهيدروجين الموجود وتحول إلي غاز الهيليوم.
ومن هنا أصبح هناك قبول عام وتسليم تام من جميع الأوساط العلمية بأن هذا الكون نشأ من العدم وله بداية
الانتصار العلمي علي نظرية الكون المستقر (الأزلي):
1. وقد اعترف فريد هويل المدافع عن نظرية الكون المستقر بأن اللعبة قد انتهت ويجب ترك نظرية الكون المستقر جانباً.
2. كما اعترف البروفيسور الأمريكي جورج أيبل من جامعة كاليفورنيا بأن الأدلة العلمية الموجودة حالياً لتشير أن الكون نشأ قبل ملايين السنين في انفجار كبير.
وبهذا الانتصار العلمي الذي يؤكد إنهاء مفهوم المادة الأزلية والذي كان يشكل قاعدة الفلسفة المادية الإلحادية أصبح في ذمة التاريخ.
ولكن ما الذي كان موجوداً قبل الانفجار الكبير ومن الذي أوجد هذا الكون من العدم؟
وهذا هو السؤال الهام المحرج للملحدين.
1. وبهذا الانفجار يجيب آرثر ادنجتون أن الانفجار العظيم حقيقة محرجة لأنصار الفلسفة المادية لأنها تشير إلي وجود خالق لهذا الكون.
2. أما الفليسوف الملحد المعروف انتوني بلو فقد أدلي بإعتراف هام قائلاً بأن الاعتراف يفيد الإنسان نفسياً وأن الفكرة التي أخبرت عنها الكتب الدينية أثبتها العلم الحديث وأن نموذج الإنفجار الكبير شئ محرج بالنسبة للملحدين.
وأن العلماء يقبلون الآن وجود خالق للكون ذي قدرة لانهائية خلق المادة والزمان أيضاً وهو منزه عن الزمان والمكان خلق كل شئ بتصميم ونظام رائع.
3. أما هوك روز الفيزيائي الفلكي الأمريكي فقد قال إن كانت المادة والزمان قد ظهرتا معاً نتيجة الانفجار الكبير كان لزاما علي موحد الزمان والمادة في الكون أن يكون مستقلاً عنهما وهذا يظهر لنا بأن الخالق فوق جميع الأبعاد والمقاييس سبحانه وتعالي القائل " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ"- سورة الشوري 11
ومن هنا فقد أكدت الاكتشافات العلمية في عالم الفلك والفيزياء الكونية الحقائق الآتية:
1. خلق الكون بنظام وتصميم وتناغم رائع أيضاً من العدم " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ "سورة القمر 49- 50
2. تحقق هذا الخلق بإنفجار النقطة التي تركزت فيها المادة بأبعادها ثم انتشارها بسرعة رهيبة في كل مكان. " أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) سورة الأنبياء 30
3. ثم تم تشكيل المجرات والنجوم والشمس والدنيا وجميع الأجرام السماوية ضمن نظام وتوازن رائع في 15 بليون سنة حتي الآن.
4. تشكلت القوانين الفيزيائة السائدة في جميع أنحاء الكون منذ بداية الخلق ولم تتغير حتي الآن بنظام رائع ودقيق.
كما أكد العلم الحديث بتوازن الكون من خلال الحقائق الآتية:
1. لو تغير ملليمتر واحد من هذا النظام لأختل توازن كل شئ في الكون وهذا يدل علي أن هناك نظاماً رائعاً تشكل بعد الانفجار العظيم.
2. الانفجارات المعروفة لا تخلف إلا الفوضي والتخريب كما هو معروف ومن هنا تبين خطأ تسمية الانفجار العظيم
3.ان التسمية الاصح هي الخلق وليس الانفجار
وان هذا الخلق هو الذي يخلف وراءه نظاماً دقيقاً رائعاً يدل علي أن وراءه تدخل غير اعتيادي وفوق الطبيعة جمع جميع قطع المادة المتناثرة وأجزائها تحت سيطرة رائعة وضمن نظام متوازن ورائع.
ومن هنا نسمع قول علماء الفيزياء ومعارضي فكرة خلق الكون بإعترافاتهم :
فريد هويل:
الذي كان من المعارضين ل نظرية "الانفجار الكبير" يعترف بأن الكون نشأ نتيجة انفجار فكل انفجار يشتت المادة ويبعثرها دون نظام ولكن الانفجار الكبير عمل عكس هذا بشكل محفوف بالأسرار إذا عمل علي جمع المادة معاً لتشكيل المجرات.
وويواصل اعترافه: و لا شك إنه نتج نظام دقيق عن انفجار كبير فلابد من وجود تدخل إلهي في كل لحظة من لحظات هذا الانفجار.وفي الجانب الأخر من نشوء موضوع نظام دقيق في الكون، هو ظهور كوكب صالح لنشوء الحياة فيها ويتمتع بالشروط التي يجب توفرها لمثل هذا الكوكب الصالح للحياة كثيرة ومتعددة وويستحيل توفرها عن طريق الصدف العشوائية.
بول ديفيد 1984:
وهو عالم الفيزياء النظرية الذي قام بأبحاث عن سرعة توسع الكون لدرجة دقيقة لا يصدقها عقل. أثبت في دراسات له أن سرعة توسع الكون تسير في مجال حرج للغاية فلو توسع بشكل أبطأ بقليل جداً عن السرعة الحالية لتوجه إلي الانهيار الداخلي بسبب قوة الجاذبية.
ويقول في تلك الدراسات انه لو كانت هذه السرعة أكثر بقليل عن السرعة الحالية لتناثرت مادة الكون وتشتت الكون ولو كانت سرعة الانفجار تختلف عن السرعة الحالية بمقدار جزء من مليار جزء لكان هذا كافياً للإخلال بالتوازن الضروري لهذا الكون.
ويعترف اخيرا: لذا فالانفجار الكبير ليس انفجاراً اعتيادياً. بل عملية محسوبة جيداً من جميع الأوجه وعملية منظمة جداً.
ويشرح النتيجة الضرورية لهذا التوازن المذهل فيقول:
إن من الصعب جداً إنكار أن قوة عاقلة مدركة قامت بإنشاء بنية هذا الكون المستندة إلي حسابات حساسة جداً كما إن التغييرات الرقمية الحساسة جداً والموجودة في أسس الموزانات الحسابية في الكون دليل قوي جداً علي وجود تصميم علي نطاق الكون.
ستيفن هوكن:
يقول بأن التوازنات الموجودة في قائمة علي حسابات دقيقة تفوق قدراتنا علي استيعابها.
ويقول عن توسع الكون: إن سرعة توسع الكون سرعة حرجة جداً إلي درجة أنها لو كانت في الثانية الأولي من الانفجار أقل من جزء من مليون في المليار جزء من الثانية لأنهار الكون حول نفسه قبل أن يصل إلي وضعه الحالي.
جورج جرينتشن :
وهو عالم الفلك الأمريكيالذي قال في كتابه " الكون التكافلي" والذي صدر عام 1988 ، كلما دققنا الأدلة واجهتنا علي الدوام الحقيقة نفسها وهي أن هناك قوة عاقلة فوق الطبيعة تدخلت في نشوء الكون.
الخلاصة:
إننا لو قمنا بتأمل النظام الدقيق والحساس الموجود في الكون نري أن نشوء الكون والتوازن الموجود فيه وعمله المنظم أمر في غاية التعقيد بحيث لا يمكن تفسيره بعوامل الصدف العشوائية إذ يستحيل تماماً نشوء هذا النظام الدقيق والتوازن الحساس في أعقاب انفجار هائل نتيجة صدف عمياء.
ولا يمكن نشوء مثل هذا النظام بعد انفجار ك "الانفجار الكبير" إلا نتيجة خلق قامت به قوة خارقة فوق الطبيعة.
إن هذا النظام الموجود في الكون والذي لا مثيل له يدل علي وجود خالق ذي علم وقدرة لانهائيتين. خلق هذا الكون من العدم ونظم عمله بكل دقة وهو الله رب العالمين.