يتساءل الكثير من المراقبين للشأن الأفغاني عن طبيعة الدور الأمريكي في المصالحة الأفغانية التي كثر الحديث عنها مؤخرا بين طالبان وكرا زاي؟
من الوهلة الأولى تبدو صورة السياسة الأمريكية، والتي تتبناها الإدارة الأمريكية في المحادثات بين كابول وحركة طالبان، صورة مرتبكة وغير واضحة المعالم.
تماماً كالإستراتيجية التي تتبناها إدارة أوباما في مكافحة ما تسميه امريكا ب التمرد الطالباني الذي هو في الحقيقة مقاومة مسلحة للاحتلال الغربي لهذا البلد المسلم.
فالمراقبون يرون أن السياسة الامريكية ليس لها إطار ملموس وثابت، فلا هي تقوم بالتركيز على محاربة المجاهدين في معاقلهم، ولا هي تسعى فعلياً لإدماج أعضاء الحركة في الحياة السياسية الأفغانية.
ولا هي قادرة على أن تجبر الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الموالي للاحتلال علي محاربة الفساد المستشري في حكومته حتى وصل لأعلى مستوياته، بمشاركة أفراد من عائلته.
صحيح أن الأنباء القادمة من واشنطن تقول بأن إدارة أوباما تقوم "بكل ما هو لازم" لدعم جهود الرئيس الأفغاني للمصالحة مع بعض عناصر حركة طالبان، انطلاقا من أن تلك المصالحة هي الأساس لحل الصراع في أفغانستان، كما صرح بذلك المبعوث الخاص للبيت الأبيض الى أفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك.
بيد أن مسئولين أمريكيين آخرين يرون غير ذلك، وهنا تكمن المشكلة، فكلا من وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون يريان في جهود المصالحة الأفغانية بأنها جهود معقدة قد لا تؤتي بثمارها.
فالخارجية الأمريكية ترى أن أعضاء بارزين في حركة طالبان لن يكون لهم دور في بناء أفغانستان، كزعيم الحركة الملا عمر، لأنه وبحسب الخارجية من المستبعد أن ينبذ التطرف، وأنه سيظل وثيق الصلة بزعيم القاعدة أسامة بن لادن.
ومن هنا يمكننا أن نفهم جيداً طبيعة الدور الأمريكي في المصالحة الأفغانية، فالإدارة الأمريكية تسعى من خلال دعايتها وإيحائها بدعم المحادثات بين كابول والحركة، إلى هدف استراتيجي وسياسي، مفعوله قصير المدى.
فهي تريد من خلال الإدعاء بترحيبها للمباحثات إلى بث الفوضى في صفوف المتمردين، وتثبيط عزيمة المقاتلين في ميدان القتال، خاصة مع ارتفاع الخسائر البشرية في صفوف القوات الأجنبية وتراجع الدعم في البلدان الغربية للحرب التي تدخل عامها العاشر.
كما تحاول إدارة اوباما الحصول على مكاسب سياسية داخلية من وراء ذلك، خاصة وأن الديمقراطيين مقبلون على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر القادم، وسط أنباء عن خسارة متوقعة للحزب الحاكم.
وكما قلنا تبدو مكاسب إدارة اوباما الإستراتيجية والسياسية تلك ذات مدى قصير المفعول، فأنباء فتح قنوات حوار مع أعضاء من حركة طالبان دون غيرهم لم تؤثر على النشاط الميداني للحركة.
بل بالعكس ازدادت هجمات المتمردين منذ الإعلان عن المحادثات، حتى وصلت إلى الهجوم على مقر بعثة الأممالمتحدة في هرات غرب أفغانستان!
كما لم تؤثر دعاية إدارة اوباما بالمشاركة في المحادثات على شعبية الديمقراطيين داخل أمريكا ، فالشعب الأمريكي مشغول الآن في حرب أكثر أهمية بالنسبة له من حرب أفغانستان.
وبحسب استطلاع مسحي للرأي أجرته رويترز بالاشتراك مع مؤسسة ابسوس صنف الأمريكيون حرب أفغانستان في ذيل قائمة من سبع قضايا يجب أن يتعامل الكونغرس معها عام 2011.
حيث أكدت الدراسة انه اذا ماخسر الديمقراطيون السيطرة على مجلس من مجلسي الكونغرس او الاثنين معا في الانتخابات المقبلة وهو احتمال متوقع وحقيقي فان السبب على الأرجح سيكون غضب الناخبين من الوضع الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة وفشل خطة إنقاذ بورصة وول ستريت الهائلة التي وضعتها الحكومة.
صورة سياسة أوباما في كيفية التعامل مع مشروع المصالحة الأفغانية تبدو كنموذج مصغر لإستراتيجية أوباما في ذلك البلد، فهي إستراتيجية تبدو حتى الآن فاشلة واكتسبت ذلك الوصف منذ الإعلان عنها.
فقد صاحب المناقشات المطولة لتلك الإستراتيجية ارتباكا في رؤى المشاركين وهو ما يظهر جيداً من خلال التعقيدات التي تحتويها.
وبحسب ما جاء في كتاب "حروب أوباما" للصحفي المخضرم "بوب وودوارد" المتخصص في متابعة وتدقيق أعمال وسياسات عدد من الرؤساء الأمريكيين، كان هناك تضارب في الرؤى والمواقف عكست منافسات سياسية مريرة بين الشخصيات النافذة داخل الإدارة، مما جعل من الصعب على "أوباما" صياغة سياسة واضحة أو اتخاذ قرارات حاسمة بشأن أفغانستان.
ورطة الولاياتالأمريكية في أفغانستان، ليست مرتبطة فقط بالوضع الميداني والعسكري في ذلك البلد، بقدر ارتباطها بطريقة تفكير حكام البيت الأبيض، وبالعقول التي تحرك السياسة الأمريكية بصفة عامة.
حيث تبدو سياسة الإدارة الأمريكية بقيادة اوباما في جميع القضايا تقريباً، سياسة مرتبكة وغامضة، ولذلك علاقة وثيقة بالخلافات والصراعات الداخلية التي تشهدها تلك الإدارة، فهي ليست فقط قاصرة على ورطة أفغانستان، بل تعدتها لتشمل الكثير من القضايا والأزمات.
مثل الأوضاع الاقتصادية، حتى في عموم السياسة الخارجية الأمريكية، فالتناحر هو سيد نقاشات البيت الأبيض، ربما لذلك علاقة بالوضع الخطير الذي جاء بأوباما للبيت الأبيض، أو بالأحرى جئ به.
وأمام التحديات التي تواجه الولاياتالمتحدة ظهر الرئيس اوباما كشخص ضعيف ، فاقد للثقة، غير قادر على اتخاذ القرارات وحده، وإن اُتخذت شابهها العديد من التعقيد والارتباك.