لماذا "يخافون" من تسليح العراق؟ د. عادل البياتي اعلن وزير الدفاع العراقي عبد القادر العبيدي الاربعاء الماضي "عزم العراق شراء مقاتلات متطورة"، موضحا "ان الغرض منها تطوير قدرات الجيش مستقبلا وحماية جميع اجزاء البلاد وضمنها اقليم كردستان". وقال العبيدي في مؤتمر صحفي ان "هذه الطائرات لتطوير قدرات الجيش العراقي المستقبلية". وحول قلق المسؤولين الاكراد، قال ان "الجيش مكون من جميع القوميات ومسؤوليته حماية كافة اراضيه من التدخلات الخارجية حتي اقليم كردستان لان جيشنا فدرالي". واضاف ان "الجيش العراقي بحاجة الي اسلحة متطورة اكثر وتكنولوجيا ومنظومة دفاع جوي وكل هذا يحتاج الي وقت للاستيراد فضلا عن الاموال الكثيرة". مشيرا الي ان "عقيدة الجيش الجديد دفاعية ولن تستخدم باي شكل من الاشكال ضد شعب كردستان والشعوب الاخري". واكد العبيدي ان العراق سيكون قادرا علي بناء جيش قوي يحمي الحدود عام 2018. مؤكداً ان "القوات العراقية ستكون قادرة علي حماية الامن الداخلية وتسلم المهام الامنية في جميع البلاد في 2011". من جانبها تساءلت مجلة "التايم" الامريكية في عددها الاخير عن سر الاندفاع العراقي نحو التسلح بطائرات نفاثة معقدة من طراز "إف 16" الأمريكية الصنع، في ظل التباطؤ الامريكي عنالانسحاب من العراق. وقالت التايم ان فك الارتباط في الشؤون الامنية والدفاع بين الولاياتالمتحدة والحكومة العراقية تبلور عندما اوضح بوش انه غير متحمس للانسحاب السريع من العراق، في وقت اوضحت حكومة بغداد انها عازمة علي شراء مقاتلات اف16 بتكلفة اربع مليارات دولار. وتري التايم ان حذر امريكا من الانسحاب السريع وتعريض ما حققته من مكاسب امنية ربما يكون مفهوما.. لكن ماهو غير مفهوم هو سعي حكومة بغداد للحصول علي اسطول معقد من الطائرات الحربية المتطورة! ويبدو ان لا تفسير له سوي ان بغداد تريد ان تكون قادرة علي الدفاع عن نفسها دون تدخل امريكي . وتعليقا علي ما وصفته المجلة بالغموض ما بين التسلح العراقي والتباطؤ الأمريكي في الانسحاب، قال مسؤولون في البنتاغون "ان وجود القوات يهدف إلي استقرار العراق علي المدي القصير، أما إف 16 فهي مخصصة للمدي الطويل"! لكن اعلان بغداد سعيها للمباشرة ببناء ترسانتها الحربية، بطائرات الاف 16، يبدو مبررا، من قبلها علي الاقل، لاسباب عديدة، فمن المعلوم أن العراق لم يشتر اي اسلحة حديثة متطورة منذ حرب 1991، ومنذ تدمير ترسانته الحربية علي يد التحالف الانغلوامريكي 2003، لذل فان بغداد في سعيها للتسلح فانها تبدأ من الصفر، ولا شك ان قوام اي سيادة حقيقية، هي "القوة العسكرية الردعية" بحدها الادني القادر علي الدفاع عن الاوطان! غير أن غياب التقدم السياسي في البلاد-كما يقول مسؤولون في البنتاغون- ربما يذكي الصراعات، ويخل بالموازين والضمانات. الغريب في الأمر أنّ أطرافاً إقليمية عديدة سارعت لإعلان تحفظها بل وتخوفها من "تسليح العراق"، وكانت تحديدا صادرة عن (إسرائيل، وإيران، والأكراد، وأصوات عربية غير رسمية!) ومنها التصريحات المثيرة للجدل الصادرة عن النائب الكويتي في مجلس الامة السيد ناصر الدويلة عن ضرورة ضمان عدم تسليح الولاياتالمتحدة الجيش العراقي بأسلحة حديثة لخطر ذلك علي توازن القوي الإقليمية وعلي أمن الخليج - وبخاصة الكويت!.. أما رئيس تحرير جريدة "الشرق الأوسط" (طارق الحميد) فقد كتب فيها تحت عنوان (لا لتسليح العراق!) يقول: الحديث عن رغبة الحكومة العراقية في شراء أسلحة متطورة، من طائرات ومروحيات حربية، أمر يجب أن يكون مثيرا لأبناء الشعب العراقي، ومكوناته السياسية، قبل أن يصبح مثيرا للدول العربية، وتحديدا دول الجوار. فقد يكون من السهل تقبل وتبرير رغبة حكومة السيد نوري المالكي في شراء الأسلحة من واشنطن لو كانت من أجل تدعيم قوات سلاح الحدود العراقي ومساعدته في تأمين حدود بلاده ضد المتسللين من الإرهابيين، أو تجار المخدرات. والأمر نفسه سيكون مقبولا في حال كانت الأسلحة المرغوب في شرائها متعلقة بتأهيل الأمن الداخلي العراقي، يصاحبه تنقية تلك الأجهزة من الميليشيات التي تخترق الأمن في العراق. أما تزويد حكومة بغداد بأسلحة عسكرية قتالية متطورة بمليارات الدولارات، فهو أمر مريب، ومحير؛ فكيف، وأين ستستخدمها القوات العراقية؟ فدول الخليج لا تشكل تهديدا للعراق، ولن تقوم بغزو بغداد، ولا أعتقد أن لدي السوريين نية لاحتلال العراق. كما أن حكومة بغداد لن تستخدم هذه الأسلحة ضد إيران بالطبع، وتساءل الكاتب: "إذاً ما هو مبرر الأسلحة القتالية المتطورة!". الأكراد وعلي لسان عدد من مسؤوليهم منهم رئيس البرلمان الكردي، ومن خلال صحفهم أيضا، أعلنوا صراحة تخوفهم ومعارضتهم لتسليح الجيش العراقي بأسلحة متطورة!!، خشية أن تستخدم من جديد ضد الأكراد! إلا أن عبد الكريم السامرائي نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب عن جبهة التوافق قال: "ان لجنة الأمن والدفاع متفقة علي وجوب الوصول بالقوات الأمنية العراقية والجيش العراقي بشكل خاص إلي مستويات تمكنه من أن يدافع عن العراق وان يحميه من أي خطر وهذا الأمر لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال توفير كل الإمكانات العسكرية من تجهيز وتدريب وتسليح"مشيرا إلي أن المخاوف التي يبديها الإخوة الأكراد من امتلاك الجيش العراق لأسلحة متطورة ليس له أي مبرر. كما بَيّنَ السامرائي أن مطالبة القادة الأكراد بضمانات من الدول المصدرة للسلاح أمر غير منطقي،مؤكدا أن الدول المصدرة أيضا لا تملك القدرة علي فرض مثل هذه شروط علي الدول المستوردة للسلاح. مشيرا إلي أن عملية تسليح الجيش العراق لا تزال غير مقنعة علي الرغم من الفترة الطويلة التي مرت بها عملية التسليح والسبب في ذلك يعود لان العراق كان مقيدا باستيراد كل الأسلحة عن طريق نظامFMS والذي قيد الجيش العراقي طوال الفترة الماضية ومنعه من أن يتسلح بأسلحة متطورة،مبينا أن هناك رغبة لدي لجنة الأمن والدفاع في السعي للتحرر من هذه القيود. هذا وأوضح السامرائي أن المخاوف الكردية غير مبررة لأنهم يشاركون الحكومة المركزية بكل قراراتها التشريعية والتنفيذية فهم مشتركين في مجلس النواب ورئاسة أركان الجيش ولجنة الأمن والدفاع وكل المفاصل الأخري في الدولة العراقية فعلام الخوف إذن..؟!. ولاشك أن القلق الذي أبداه قادة أكراد من مسألة سعي حكومة بغداد لتسليح الجيش العراقي بأسلحة متطورة، مطالبين بضمانات بعدم استخدامها ضد الأكراد مستقبلاً، يعتبر تطورًا لافتًا في مسار العلاقة بين إقليم كردستان الذي هو جزء من العراق وبين بغداد، والقائمة حاليًّا علي المشاركة في تشكيلة الحكومة العراقية، حيث يتولي الأكراد مناصب رئيس الجمهورية، ونائب رئيس الوزراء، ووزارة الخارجية إضافة إلي (6) وزارات أخري، ومنصب رئيس أركان الجيش العراقي، واكثر من ستين برلمانياً، وهو أمر لا يبرر هذا القلق، بل ينم عن وجود نوايا ذات نزعة انفصالية عن الوطن الأم، ولا سيما أن هناك عدة ملفات يسعي الأكراد إلي توظيفها من خلال محاولاتهم تأجيجها. ولعل أزمة كركوك التي يطالب الأكراد بضمها إلي إقليم كردستان، رافضين مساعي الحل الدولية بقيادة الأممالمتحدة، هي احدي الدلائل علي وجود النزعة الانفصالية، بالإضافة إلي توتير العلاقة بين الجيش العراقي والميليشيات الكردية (البشمركة) علي خلفية مطالبة الجيش للميليشيات بالانسحاب من قضاء (خانقين) التابع لمحافظة ديالي خصوصًا أن هناك اتهامات بعمليات تطهير عرقي مارستها البشمركة في المناطق التي أخضعتها تحت سيطرتها، وقد رفع سكان تلك المناطق شكاوي للحكومة العراقية حول ما يتعرضون إليه من مضايقات وطرد من قبل البشمركة. نعم إن العراقيين هم اليوم بحاجة ماسة إلي تأهيل سياسي ديمقراطي حقيقي، يجعل مواطنيه قبل جيرانه يشعرون بالأمان، والثقة، في أنهم يتعاملون مع حكومة ناضجة تخدم مصالحهم جميعا، وليست حكومة مخترقة بشكل فاضح من الايرانيين، وأجهزتها الأمنية تعج بالميليشيات الطائفية، وما زالت شرائح واسعة من الشعب العراقي تحس بالإقصاء، والمصالحة الوطنية الحقيقية ما زالت بعيدة المنال. أما جيشها فما زال غير محسوم الولاء، وطالما أن حكومة بغداد تهدف إلي شراء طائرات حربية فمن أولي- وهذا حق لكل أبناء العراق- أن تشرع في استعادة الطائرات الحربية العراقية المحتجزة لدي إيران منذ 1990 كما يفترض أن تشرع في التحقيق بموجة الاغتيالات التي طالت عددا كبيراً من الطيارين العراقيين ممن سبق ان شاركوا في الحرب العراقية الايرانية. نعم، إن تقوية الجيش العراقي مهمة مقدسة وضرورية للغاية لبناء عراق قوي ومزدهر يسمو علي أي وضع طائفي وتمزيقي. ومن المؤسف أن العراق اليوم يدفع ضرائب باهضة ومتعسفة عن خطايا لادخل له بها، وسط جو إقليمي جواري متشابك متناقض، يبدو انه لايريد العافية والقوة للعراق، ولا يريد أن يري عراقا آمناً قوياً منيعاً... عن صحيفة الراية القطرية 13/9/2008