الدائرة الفلسطينية المميتة محمد فاضل فيما تستمر «فتح» و«حماس» في استنزاف نفسيهما والفلسطينيين في لعبة التنازع المميتة، يستهل الكاتب الإسرائيلي «مناحيم بن» مقالا له في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية بالقول: «يهدد إيهود باراك بأننا على أبواب شن عملية برية واسعة في القطاع، والسؤال الذي يُطرح: ما هو الهدف الأعلى لعملية كهذه؟
هل هو وقف إطلاق صواريخ القسام؟ أم منع عمليات تهريب السلاح؟ أم إعادة احتلال القطاع كي نعيد تسليمه إلى أبو مازن على طبقٍ فضي من الضحايا الإسرائيليين». (مناحيم بن، «دولة حماس جيدة لإسرائيل» المستقبل اللبنانية مترجما عن معاريف، 3 أكتوبر 2007).
الكاتب يخلص بعد عرض طويل من الحجج والتحريض أن استمرار الانقسام الفلسطيني في صالح إسرائيل. مناحيم بن لا يعدم الحجج واليكم أكثرها صدقا «إذا كان الهدف الأعلى لإسرائيل إعادة تسليم القطاع إلى أبو مازن وإرسال خيرة شباننا ليُجرحوا أو ليقتلوا من اجله أو من اجل السلطة الفلسطينية الموحدة التي قد تصبح بعد قليل دولة.
فإن هذه فكرة لا مثيل لها في القباحة، ليس لأن أبو مازن أشد خطرا علينا من هنية بسبب اعتداله المتلون فقط بل لأنه لا يوجد أي سبب يجعل إسرائيل تفضل وحدة السلطة الفلسطينية على تقسيمها إلى قسمين. على العكس. إن الفصل بين دولة حماس في غزة ودولة فتح في الضفة مصلحة إسرائيلية عليا. يحسن دائما التفريق بين الأعداء، وإضعافهم بذلك. وحده الغبي أو الأعمى لا يدرك أن الكيانين الفلسطينيين يريدان إسرائيل كلها وأنهما يختلفان بينهما على كيفية التصرف معها فقط».
لم اقرأ حججا بمثل هذه القوة، وأكثر من يجدر به قراءة هذا المقال هم قادة حماس. اقرأوا أيضاً «في الإجمال، إن إعادة توحيد الكيانين سيميزهما من جديد على أنهما (فلسطين) التي تهدد جوهر وجودنا وتعمل لترثنا في كل لحظة.
في حين أن التفريق بينهما سيضمن استمرار وجودهما كسلطتين ذاتيتين ضعيفتين، مفرقتين إلى طوائف وأقل فلسطينية وقومية، وهكذا ستؤجل أيضاً مشكلة اللاجئين كلها إلى الجيل القادم إلى أن لا يبقى لاجئ أصيل واحد، يتضح من جميع هذه الأسباب انه من الأفضل أن تتيح إسرائيل قدر المستطاع، بقاء سلطة حماس ونموها في قطاع غزة طالما ضمنت المصلحة الأمنية الإسرائيلية بدءا بمنع صواريخ القسام وانتهاء بمنع تهريب السلاح». (المصدر السابق).
أما صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فتتساءل في افتتاحيتها يوم الأربعاء 3 أكتوبر «أين الاحتلال ؟». (المستقبل اللبنانية مترجما عن هآرتس 4 أكتوبر).
وحسب «هآرتس» فإن «الأراضي المحتلةوالفلسطينيين الذين يعيشون فيها تتحول شيئا فشيئا إلى موضوع نظري» وفق الصحيفة التي تخلص للقول إن «عملية الفصل بحكم الأمر الواقع تشبه اليوم نظام أبارتهايد سياسيا أكثر مما تشبه سلطة احتلال، وذلك بسبب ديمومتها».
هكذا فإن الفارق بين الانفصال المكرس من قبل إسرائيل والانفصال المفتعل فلسطينيا فارق تاريخي ومفصلي في مسار نضال الشعب الفلسطيني. إنهما مساران متضادان تماما. فأحد أهم الأهداف الإسرائيلية المبكرة كان على الدوام منع قيام دولة فلسطينية ذات وحدة جغرافية عبر تفتيت هذه الوحدة الجغرافية.
المستوطنات كانت وما تزال احد هذه الوسائل والطرق الدائرية التي جعلت المستوطنين لا يحتكون بالفلسطينيين حسب «هآرتس» والجدار الفاصل وقبل ذلك كله رفض مستمر للمطلب الفلسطيني بممر يربط الضفة الغربية بقطاع غزة. انسوا حدود 1967 فالإسرائيليون لا يريدون سماع هذه العبارة، وبدلا من ذلك فإن أقصى ما كانوا يحلمون به هو مناطق فلسطينية معزولة ومفتتة. الساذج وحده من يتصور ان أي عدو سيقبل بأن يعطى أعداؤه دولة مكتملة وقابلة للحياة.
لكن على من فات هذا؟ لقد سقطت كل هذه الخلفيات من الذاكرة والحسابات الفلسطينية وأكثر من نساها للأسف هم قادة «حماس» وكانت النتيجة التي لم تكن في الحسبان ان انفصال قطاع غزة بكل هذا العناد لم يفعل من زاوية الفعل التاريخي سوى ان شكل خدمة عظيمة للهدف الإسرائيلي الأبعد والأهم: منع قيام الدولة الفلسطينية.
لقد فات هذا قادة حماس الذين غرقوا في الخلافات مع فتح والسلطة الفلسطينية. ان السلطة ليست معفية من سجل طويل من الشكوى، لكن عندما يغيب الحد الأدنى من الاتفاق على أهداف بعيدة المدى بين الفرقاء، فإن الغرق في النزاع الداخلي لن يثمر سوى إضرارا لا حد له بإمكانيات الوصول إلى الأهداف البعيدة.
الحد الأدنى فلسطينيا من وجهة تاريخية الآن هو قيام الدولة. ومن السذاجة ان نسدي النصيحة هنا بالقول ان ذلك يتطلب وحدة فلسطينية، لكن لا بأس من التذكير بأمر مهم حول تحقيق هذا الهدف.
لن تمنح إسرائيل أو الولاياتالمتحدة أو المجتمع الدولي الفلسطينيين الدولة التي يريدون، وحدهم الفلسطينيون من يفرض حدود هذه الدولة وشكلها ووحدهم من يقرر ما إذا كانت تملك القابلية للحياة والنمو. لكن من المؤكد ان ذلك لن يتم بمثل هذا الإخفاق المريع الذي اندفعوا له بعماء وبتصعيد الخلافات إلى احتراب أهلي.
لقد استنزف الفلسطينيون أنفسهم ما فيه الكفاية وأكثر منذ منتصف التسعينات التي أوصلتهم إلى لحظة ضعف غير مسبوقة في تاريخهم. لقد آن الأوان لكي يتوقفوا مليا (لن يترك لهم الإسرائيليون هذه الفرصة لالتقاط الأنفاس والتفكير السوي) للخروج من هذه الدائرة المميتة من الاقتتال الداخلي.
ليس هناك من برهان يمكن تقديمه لهذا الإخفاق التاريخي أكثر من هذه النتيجة: لقد توحد مسار الحركة الفلسطينية مع المسار الإسرائيلي لكن في الاتجاه الخطأ تماما: «تحقيق الهدف الإسرائيلي بتقسيم الأرض المحتلة» وهو مصلحة إسرائيلية عليا مثلما قال محقا مناحيم بن في مقاله ذاك. فما هي المصلحة الفلسطينية العليا بالمقابل؟ عن صحيفة البيان الاماراتية 6/10/2007