ساركوزي السوري زهير ماجد رب قائل، بعد اليوم لن تتعثر العلاقات الفرنسية السورية، لكنها لن تبلغ مرحلة الود الاستثنائي. لعل فرنسا بتاريخها الحاضر في الشرق الأوسط وتحديدا في عقدته السورية قد قل لديها فكر الهيمنة بعدما استنتج قادتها الجدد صعوبة التأثير الحصاري على دمشق، وصعوبة مداواة الجروح اللبنانية دون اللجوء الى دمشق ، بل والصعوبة الأكبر تظل في الارجل المتعثرة للمباحثات السورية الاسرائيلية التي تقفز مرة الى الامام ثم تتراجع خطوات الى الوراء ، لكن البديل لفهمها يظل مصحوبا بالرغبة الاكيدة لدى الطرف الاسرائيلي وبالعزيمة الممكنة للطرف السوري. لعل الرئيس الفرنسي ساركوزي قد وضع في مكتبه تلك الخريطة العالمية التي كانت الشغل الشاغل للجنرال الكبير الذي تفتقده فرنسا شارل ديجول ، ذاك الرئيس الذي كلما حاور في السياسة وضع امامه الخارطة كي يتوصل الى النتائج . ويكتشف ساركوزي انه ليس سهلا النظر الى خريطة الشرق الاوسط دون وضع علامات الاستحقاق على بلدانه حيث تحظى سوريا بنصيب الاسد، اجل " الاسد " .. فسوريا اول بلد عربي يحاذي اوروبا من خلال تركيا وهو لكل حد من حدوده معنى، فمع العراق لاعب ماهر، ومع فلسطين ضامن، ومع لبنان موجه وحاسم، ومع الاردن قابلية للتوازن، ومع تركيا اهداف بعيدة لاتشغلها احداث الماضي حين اعطت فرنسا لواء اسكتندرون الى تركيا بعدما اقتطعته من سوريا عام 1939، وهو ذكرى أليمة لايمكن تجاوزها الا اذا اتضحت عمق المصالح ، لكن مافي القلوب لاتمحيه الخطوب . لعل ساركوزي كسر بعض الآراء الداخلية الفرنسية التي اعربت عن دهشتها لزيارة دمشق ، لكن بعض العبقريات لامنطق لها سوى انها تعمل بالحنين ولا تمل مداواة الجراح بالجراح . ساركوزي يقفز الى العاصمة السورية التي شاء ان يخسرها سلفه جاك شيراك حين انتصرت مصالحه الخاصة على رؤيته السياسية بفعل اغتيال الحريري الذي كان أكثر من صديق له. اما ساركوزي فقرر ان يسامح دون ان ينسى كما كان يقول نلسون مانديلا ، لكن فعل السماح هذه المرة فاتحة لعلاقات تتجاوز حدود السياسة لتنشغل بالارقام والصفقات وبان يكون لها ظهيرفي الشرق الاوسط لايؤذيها كما هو الحال مع اسرائيل التي ترعب الجميع ان هم اقتربوا منها كثيرا او ابتعدوا عنها . لن يكون ساركوزي سوري الهوى ، فهو لم يكتشف دمشق بالمفاجأة بل بقراءته للحصون المشادة في منطقة الشرق الاوسط التي يصعب زعزعتها ، والتي دفعت جهابذة العداء لسوريا من اللبنانيين الى التقليل من التعاطي مع غلوائهم بعدما انقشع الغمام عن جهوزية جديدة لاوضاع مختلفة سوف يدفع ثمنها كل من لايراجع ملفاته او من لايحسن قراءة المستجدات ، وان بعض الرهان على الرهان يجعل من السياسي لعبة بين الشد والرخو ، وبين الحقيقة والخيال في عالم صعب المراس وصعب الاهداف المتغيرة. قبل مجيئه الى سوريا ، قال ساركوزي الكلام الطيب في رحلته الدمشقية فاتحا الابواب على مصراعيها هاتفا احد الاناشيد العربية التي مطلعها " بلاد العرب اوطاني " . عن صحيفة "الوطن" العمانية 4/9/2008