دور الجيش جورج علم ليس الحادث الأول، إنه الثاني، وربما الثالث بين الجيش اللبناني وحزب الله، وإن كان إسقاط المروحية العسكرية فوق تلال منطقة سجد في إقليم التفاح، ومقتل قائدها هو الأكثر رمزية وسط المناخ الأمني والسياسي المتوتر في لبنان. في المرة الأولي، كانت المواجهة تحت جسر الكولا في بيروت، وعلي خلفية تظاهرة مطلبية، حيث حصل اطلاق نار وسقط عدد من الاصابات في صفوف المتظاهرين بين قتيل وجريح، حصل ذلك قبل سنوات، واعتبر حزب الله ان الاصابات وقعت في صفوف أنصاره ومؤيديه، وبالتالي تعالي يومها فوق الجراح حرصا علي علاقته مع الجيش والمؤسسة العسكرية. وحصل الثاني في منطقة الشياح قبل أشهر عندما اندفع شبان الي الشارع احتجاجا علي انقطاع التيار الكهربائي، وحصلت مواجهات مع الجيش وسقطت اصابات، إلا ان الحزب لم يسكت، وهدد وتوعد وطالب بالتحقيق، وكان له ما أراد، وتم توقيف ضابطين من الجيش مع الأنفار، وكانت هذه أول ضربة معنوية الي المؤسسة العسكرية وتناول من هيبتها، ومن معنوياتها. والمرة الثالثة كانت قبل أيام عندما تصدت عناصر مسلحة تابعة لحزب الله في تلال منطقة عرمتي - سجد من إقليم التفاح، الي مروحية عسكرية لبنانية كانت تقوم بمهمة تدريبية، وأرغم الحادث الطائرة الي هبوط اضطراري، بعد مصرع قائدها، وإصابة معاونه بجروح بالغة؟! وأججت هذه الحادثة المشاعر الطائفية والفئوية خصوصا وان الضابط المغدور ينتمي الي بلدة تنورين المسيحية من قضاء البترون، وفاضت موجة عارمة من ردود الفعل الشاجبة والمستنكرة والمطالبة بوضع حد لفوضي السلاح، وخصوصا سلاح حزب الله، ورد الحزب ببيان مدروس يبدي فيه كل التعاون مع التحقيق الرسمي، وقدم مطلق النار الي الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة. وبانتظار ان يلفظ القضاء حكمه، فإن التداعيات لا تزال تتفاعل كون الحادثة أخذت أبعادا سياسية فورية، حيث نفخت بعض القيادات السياسية فورا بالبوق الطائفي لاستثارة المشاعر والحساسيات والغرائز خصوصا وان الاجواء في لبنان هي اجواء انتخابية بامتياز، وان قانون 1960، الذي يقسم الدوائر الانتخابية علي أساس القضاء بما يسمح ان تنتخب كل طائفة أو كل جماعة ممثيليها في المجلس النيابي، وفي هذه الحال يزدهر اسلوب التعبئة الطائفية والمذهبية لتحريك العصبية الانتخابية عند هذا الطرف أو ذاك لتأمين الاستقطاب حول صندوقه الاقتراع؟!. أما البعض الآخر فراح يحمل العماد ميشال عون وتياره السياسي المسؤولية لأنه يتحالف سياسيا مع حزب الله، وقد وقر هذا التحالف غطاء معنويا مسيحيا لهذا الحزب الشيعي المسلح، الأمر الذي مكنه من التورط أكثر فأكثر في المستنقع اللبناني، وهذا ما اثار عاصفة من الردود المطالبة بوضع حد لسلاحه عن طريق الاسراع في التفاهم علي الاستراتيجية الوطنية الدفاعية. وتزامن حادث المروحية، مع تعيين قائد جديد للجيش هو العميد الركن جان قهوجي، بعد تجاذب سياسي حاد بين قادة في الموالاة والمعارضة حول مجموعة من الاسماء التي كانت مطروحة علي بساط البحث، وسقطت كلها بفعل الفيتوات التي تبودلت حولها من الاطراف المتباعدين، حتي ان رئيس اللقاء النيابي الديمقراطي النائب وليد جنبلاط قد تحفظ علي تعيين القهوجي لسببين، حول الطريقة لتي اعتمدت اولا في التعيين، والوقوف علي خاطر البعض من الفاعليات السياسية، وتجاوز البعض الاخر. والثاني، ان قائد الجيش الجديد هو من بلدة بعذران الشوفية معقل الزعامة الجنبلاطية، وبالتالي فان جنبلاط يخشي ان يصبح العماد قهوجي منافسا سياسيا له مستقبلا في الشوف الذي يضم تنوعا مسيحيا درزيا، باعتبار ان من هو قائد للجيش اليوم قد يصبح غدا رئيسا الجمهورية، لذلك كان التحفظ حتي لا يتكرر في الشوف المشهد الذي كان ماثلا في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي بين كمال جنبلاط، والد وليد جنبلاط، وبين كميل شمعون؟!. وفي مطلق الاحوال، هناك الكثير من الاستحقاقات والتحديات التي تنتظر القائد الجديد للجيش، وعليه اولا ان يعيد اللحمة والفاعلية الي المؤسسة بعد الندوب الكثيرة التي لحقت بها منذ المواجهات العنيفة التي خاضتها ضد تنظيم فتح الاسلام في مخيم نهر البارد حتي اليوم، وعليه ان يحيد المؤسسة العسكرية عن الصراعات السياسية الداخلية المحتدمة علي خلفيات مذهبية وطائفية بحيث يستمر الجيش علي مسافة واحدة من الجميع وضامن السلم الاهلي، وعليه اعادة تسليحه وتدريبه لكي يصبح قادرا ومؤهلا علي مواجهة كل التحديات في الداخل والخارج، وهي كبيرة، وقبل هذا وذاك عليه ان يرسم الخط الاحمر مع المقاومة وسلاح حزب الله، بمعني هل الجيش في خدمة سلاح الحزب واهدافه؟، ام الاخير عليه ان يكون تحت راية الجيش وفي خدمة الدولة وخياراتها؟! ان النقاش الجدي يكمن هنا، بمعني هل يمكن ان يتحمل اللبنانيون هذه الازدواجية، جيش نظامي يحتاج الي دعم كل اللبنانيين وعن يمينه ويساره وفي المقدمة والمؤخرة مقاومة يحتضنها حزب مسلح مدرب منظم متمكن مدعوم من ايران، والي حد ما من سوريا، ويتصرف فوق الاراضي اللبنانية كما يحلو له باسم الدفاع عن لبنان في مواجهة الاطماع والاعتداءات الاسرائيلية، ويأخذ البلد الي الحرب ساعة يشاء، والي السلم ساعة يريد؟. ان هذه الازدواجية قد اتخذت منحي جديدا بعد حادثة الطوافة في تلال منطقة سجد، وعلي خلفية هل الجيش هو الهدف لتحييد دوره في المرحلة المقبلة حتي لا يبقي في الساح الا لسلاح اللاشرعي في يد حزب الله الشيعي، مقابل السلاح السلفي الاصولي السني من جهة اخري، وسلاح الميليشيات التابعة للاحزاب السياسية المتنوعة بهدف اغتيال مشروع الدولة، وتقسيم لبنان الي دويلات ومربعات امنية طائفية ومذهبية لاعادة تركيبه من جديد؟!. عن صحيفة الراية القطرية 3/9/2008