الديمقراطية الأميركية وتصرفات الإدارة الحالية د.نسرين مراد لا يخفى على أحد أن مجلسي الكونغرس والشيوخ الأميركيين كان لهما دور غير فعال، أو هكذا بدا، في كبح جماح غطرسة الإدارة الأميركية في الحرب على ما أطلقت عليه «الإرهاب». تمضي الأمور وكأن جل القرارات والصلاحيات باتت بيد طاقم الإدارة الأميركية.
وبالذات رئيسها جورج بوش بشكل لا يختلف كثيراً عن أمر أي نظام دكتاتوري متفرّد بالسلطة. في البداية أقنع الرئيس الأميركي بوش الكونغرس والشيوخ والشعب الأميركي وبعض حلفائه عبر العالم بأن الحرب الكونية على «الإرهاب» يجب أن تبدأ، وبأوامر خاصة مباشرة له من «الرب» حسبما يزعم.
بعد كشف زيف المبررات التي سيقت لكر سبحة حروب السيد بوش المتوالية كان لا بد من التراجع عن تلك الحروب ووقف الكوارث الناجمة وتشكيل لجان تقصي الحقائق ومعاقبة المسؤولين. لم يحدث ذلك حتى الآن
ولا توجد بوادر على نية للقيام بهذا التحرك؛ تقع مسؤولية هكذا تحرك على عاتق المؤسسات الديمقراطية الأميركية. بعبارة أخرى باستطاعة مجلسي الكونغرس والشيوخ فعل الكثير مقارنة بالحالة البائسة التي وُضعا فيها، عن رضاً أو إكراه!.
في حرب جورج بوش على الشعب العراقي ذهب أكثر من مليون ضحية بين قتيل وجريح إضافةً إلى ملايين المشردين والنازحين واللاجئين، والمرعوبين ممن تبقّى من العراقيين في بيوتهم. إذا لم يحرك الموقف المأساوي في العراق ضمائر أعضاء الكونغرس بشكل جماعي، ما الذي يمكن أن يحرك تلك الضمائر؟!.
لماذا يقف أعضاء الكونغرس مثل جسم واحد مفعم بالتوتر والتشنج والتصلب والوعيد والتهديد إذا ما كان الأمر يخص قضية يدخل فيها شأن إسرائيلي حتى لو كان ليس ذا قيمة فعلية بالمقارنة مع ما يجري في العراق؟!.
أين ديمقراطية الكونغرس والشيوخ والاحترام الأميركي لحقوق الإنسان العالمي في الوقت الذي فيه الإدارة الأميركية تعيث في أرض العراق حروباً وفساداً وإراقة دماء بريئة وإحداث فتن داخلية دموية وحروب أهلية بين الديانات والمذاهب والطوائف والأعراق؟!.
إذا ما كانت هنالك ديمقراطية حقيقية في واشنطن، ما الذي يمنع من تقديم الرئيس جورج بوش للمحاكمة أسوة بمفتعلي ومجرمي الحروب السابقة والحالية وفيما بعد؟!. لماذا يستمر الرئيس الأميركي في التمتع بحق الفيتو
بالإضافة إلى صلاحيات عادة ما تعطى لرئيس ذي مسلك سياسي بنّاء داخلياً وعلى المستوى الدولي الخارجي؟!. خلاصة القول فإن القلق والجهد الأميركي الفعلي الآن يجب أن يتركز أولاً على حال الديمقراطية في واشنطن نفسها وليس في أي مكان آخر، وليس في العراق بالذات لا قبل ولا بعد الاحتلال الأنجلو أميركي له.
لقد أضرت إدارة الرئيس بوش بسمعة الولاياتالمتحدة عبر العالم. حتى الشعوب التي زعم بوش وأركان إدارته أنهم ذهبوا هناك لتحريرهم ونسائهم! من الأنظمة المتسلطة باتوا أول الداعين للثورة والمقاومة ضد هذا الغزو الذي يتخذ الديمقراطية وحقوق الإنسان قناعاً شفافاً لوجهه المفعم بالتضحية بالآخرين مقابل الحفاظ على مصالحه.
الشعوب الغربية من جهتها تنظم المظاهرات الحاشدة ضد الحرب واستنكاراً للجرائم المتواصلة الناجمة عن مواصلة الاحتلال؛ أيقنت تلك الشعوب ومنذ البداية زيف الزعم الأميركي بأهداف الحروب الأميركية المعلنة.
بعد أكثر من ست سنوات على بدء حرب السيد جورج بوش على «الإرهاب» بات العالم بين فكي تمساح الإرهاب المتمثلين بالجماعات المتشددة من جهة، وهو الفك المفترض الأضعف، وبين فك الإدارة الأميركية الأكثر تشدداً وتشبثاً بالعنف وممارسة الإرهاب.
لم يتحرك مجلسا الكونغرس والشيوخ الأميركيين بما فيه الكفاية لوقف ذلك المنزلق الدموي وإرهاب الدولة الخطير الذي يهدد شعوباً وأمماً ودولاً وكياناتٍ، ومنها الكيان الأميركي نفسه، بالويلات والثبور. تسود العالم الإسلامي نقمة واسعة على تصرفات الإدارة الأميركية والتي تتطور إلى أشكال من العداء لكل ما يمت للولايات المتحدة الأميركية بصلة.
الرئيس الأميركي جورج بوش لا ينفك يعلن للشعوب المستهدَفة بالحرب والحصار والإرهاب والتخويف، يعلن أنه يمثل الشعب الأميركي وأنه يعمل لحفظ مصالحه داخل أميركا وعبر العالم. أكثر من مليار مسلماً تستهدفهم الحملات الأميركية بقيادة جورج بوش، حملات اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية تؤثر على قطاعات متباينة من البشر ومن كلا الجنسين.
برع السيد بوش في تضخيم الخطر الخارجي على أمن الولاياتالمتحدة من الدول والشعوب التي ذاقت وتذوق ويلات الحروب والأسلحة الفتاكة التي تجرب على أبدان البشر فيها. هذا مع استمرار زعم الرئيس بوش أن كل أعماله مبنية على أوامر خاصة تأتيه من «الرب»؛ هنالك خلط واضح بل فاضح بين السياسة والحرب والدين.
الخوف والرعب قادمان من الأمر «الرباني» الجديد! للسيد بوش بمهاجمة إيران وما سيجلبه للمنطقة والعالم من كوارث جديدة. أين دور الكونغرس والشيوخ الأميركيين الفاعل لوقف الرئيس بوش عن التمادي في نزعاته العدوانية المطعمة بالفكر العقائدي المتطرف البائد؟!
لا يزال الرئيس جورج بوش متمسكاً بنظريته القديمة المتأصلة من مجتمع رعاة الأبقار في الغرب الأميركي في التعاطي مع الشأن السياسي الدولي والمتمثل بمقولته الشهيرة «من ليس معنا فهو ضدنا». تقلص هذا المفهوم مؤخراً إلى حصر الذين ضد السيد بوش فيما بات يعرف كونياً بتنظيم «القاعدة».
في حربه على الشعوب والأمم الأخرى اخترع الرئيس بوش بوصلة اسمها «القاعدة» يزعم في كل جولة أو تحرك عسكري أو سياسي أنه يبحر خلف شبحها وحسب الاحتياجات. اللافت للانتباه على سذاجته هو أن هنالك أمماً وشعوباً بأكملها صُنفت على أساس أنها مع تنظيم أو ثلة «القاعدة» الذي يناصبه الرئيس بوش مطلق ومحكم العداء!.
يصل الأمر أنه نادراً ما يُذكر اسم بوش في موقع أو وسيلة إعلامية إلا ويكون للقاعدة أثر أو وجود في نفس ذلك الموقع!. إذا ما أرادت إدارة بوش التوجه لضرب منطقة آمنة ما عليها إلا أن توجه إصبع الاتهام إلى تلك الدولة أو رئيسها أو حكومتها أو شعبها بأنها تأوي أو تساعد أو تتعاطف مع تنظيم «القاعدة»، وأن عليها تحمل التبعات والنتائج.
ذلك أسلوب تخجل عصابات الشوارع والأزقة في الأحياء الشعبية من الاستمرار في التمنطق به. الحديث هنا يجري حيال رئيس أكبر تنوع عرقي وشكلي ولوني وديني في العالم. من غير المقنع أن مجلسي الشيوخ والكونغرس لا يستطيعان عمل أي شيء لوقف هذه المهزلة التراجيدية المستمرة منذ سنين طويلة.
لا يمكن تفسير التقصير من قبل المؤسسات الديمقراطية الأميركية هذه إلا بأنها تمارس نفاقاً سياسياً مقنّعاً في التعامل مع المشكلات الدولية التي تتسبب الإدارة الأميركية بافتعالها، في الدول النامية بشكل خاص.
إذا ما أرادت الولاياتالمتحدة الاحتفاظ بدور ريادي إنساني ديمقراطي عالمي بات على مجلسي الكونغرس والشيوخ وكما على الشعب الأميركي نفسه التحرك بجدية نحو تغيير أو إطاحة إدارة السيد جورج بوش وتقديمه لمحكمة جنائية خاصة عادلة ينال فيها جزاءه.
لقد تجمعت من العراق وأفغانستان وغوانتانامو وغيرها من أماكن مستندات ضخمة تدين جرائم بوش وإدارته وجيشه ضد الإنسانية تجعل من أمر إصدار حكم مناسب عليه من الأمور البديهية. إذا ما كان الرئيس الأميركي جورج بوش ينادي حقيقة بتحرير الشعوب والنساء ونشر العدالة وعولمة محاسبة المسؤولين عن الجرائم والفساد ما عليه الآن إلا أن يذهب بنفسه وأركان إدارته السابقين والحاليين، أو يُجلبوا، إلى قاعة محكمة خاصة في هذا المجال. عن صحيفة البيان الاماراتية 27/9/2007