عادت محاولات التوصل إلي تهدئة مع إسرائيل عبر الوسيط المصري من جديد إلى سطح الصراع , فهي القصة القديمة الجديدة التي لم تنجح حتى الآن و لم تصمد التهدئة وقت طويل ولعل السبب ليس فينا نحن الفلسطينيين فكل تهدئة تم التوصل إليها كانت تخترقها إسرائيل لتجر الفلسطينيين إلى الرد وبذالك تكون قد حصلت على ما تريد !. اليوم أعلن بالقاهرة البيان الختامي لاجتماعات الفصائل الفلسطينية الاثني عشر و أعلن عن قبولهم بتهدئة مع الكيان الصهيوني في غزة أولا على أن يشمل باقي الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية بعد ذلك .
الجهود المصرية التي بذلت في هذا السبيل جهود متواصلة من العمل مع الإخوة الفلسطينيين سعيا من القيادة المصرية عدم إطالة حالة التباعد بين شطري الوطن الفلسطيني و استمرار حالة الانقسام السائدة الآن و تفاديا لدخول مرحلة حصار غزة مرحلة لا يمكن معها درء اللوم عن مصر البوابة الجنوبية لقطاع غزة على الأقل بالتساوي مع بعض الأطراف الإقليمية.
لعل خطوة التهدئة الحالية خطوة أولية على طريق توفير المناخ اللازم أمام إعادة الحياة إلى طبيعتها في قطاع غزة و إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني بما يسمح معالجة كافة القضايا على الساحة الفلسطينية و إحداث توافق وطني حول جميع القضايا العالقة . إن شروط التهدئة للفصائل الفلسطينية واضحة ولا تعتبر شروط في وجهة نظري بحد ذاتها فهي حقوق سلبت من الفلسطينيين, فلكل شعب مهما بلغ تعداده الحق في العيش و السفر و الحماية و ممارسة حياته و حرية بما يكفل ا لحرية للجميع دون استثناء وعلى الفلسطينيين استعادتها.
إن الايجابيات التي يحققها الشعب الفلسطيني من وراء التوصل إلى تهدئة وبالأخص في ظل الظروف الحالية ايجابيات هامة على صعيد رفع الحصار الظالم عن غزة و فتح المعابر وعدم الاستمرار في فصل غزة عن الضفة الغربية , و هذا ثمن سياسي ليس بالبسيط ولكن قبول التهدئة بغزة أولا مدعاة لاختراق هذه الهدنة على الأرض سواء في الضفة الغربية أو بغزة وهذه قد تكون نقطة الضعف في التهدئة الحالية .
إن التوصل إلى تهدئة شاملة و متزامنة و متبادلة تحتاج إلى ضمانات ولعل الضمانات الحالية لم تتوفر بشكل كبير سوي الوساطة المصرية وهي في وجهة نظري غير كافية لان إسرائيل لا ضمانات لها ولا احد يضمن امتناع إسرائيل عن القتل و التجريف و الاغتيال و كافة الممارسات الاحتلالية بما فيها مسلسل تهويد القدس . إن إي تهدئة بدون وجود مراقبين دوليين على الأرض ضمن جملة من الاتفاقات السياسية تعمل على ضبط مسارات التهدئة و الشروع في حل كافة المسائل التي تعمل على خلق حالة من التوتر الدائم هي تهدئة مؤقتة قد لا تستمر لأيام .
إن الطرف الإسرائيلي هو المتروك بدون ضمانات في كل تهدئة و هذه التهدئة بالذات وهذا لن يعمل على استمرار التهدئة على الأقل في الظروف الحالية و نعرف أن إسرائيل لا يمكن لها احترام تعهد عبر وسيط حسب ما حدث خلال فترات التهدئة السابقة .
لعل الضمانات التي نحتاج إلى توافرها على الأرض هو إشراك لمجتمع الدولي في هذا الإطار لتوفير مراقبين دوليين على مناطق التماس بين غزة و أماكن تواجد الجيش الإسرائيلي لضمان عدم استفزاز إسرائيل المتكرر للمقاومة الفلسطينية و الذي قد يفسد ما تم التوصل إليه من توافق .
إن هذا الاستفزاز قد يستمر خلال المرحلة القادمة قبل و بعد سريان مفعول التهدئة لان إسرائيل تعتبر أن أيديها مطلوقه لتطال المقاومين الفلسطينيين في كل المناطق الفلسطينية على حد سواء و هذا بدورة سوف ينهي التهدئة كما كل مرة و الأخطر في عدم توفر ضمانات هو إن الكابينت الإسرائيلي المصغر لم يوافق على قبول التهدئة بعد وذلك لان وزير الحرب الصهيوني أهود باراك لم يحضر الاجتماع الأخير بدعوى الإشراف على بعض التدريبات العسكرية بهضبة الجولان المحتل و ما يلوح في الأفق أن انقساما إسرائيليا قد حدث عبر هذه القضية فان باراك و نائبة لشؤون الحرب و رئيس الشاباك قد شكلوا جبهة تحدي للساسة الإسرائيليين الذين قد يقبلوا بالتهدئة حتى قبل إطلاق سراح شاليط أو مبادلته .
إن المبرر الأخطر لعدم قبول ثالوث الحرب في القيادة الإسرائيلية هو إطالة حالة الانقسام الفلسطينية و إبقاء حالة التباعد بين الضفة و غزة حتى ما بعد نهاية العام 2008 لتكون حجة لإسرائيل تبرر لها عدم التوصل للاتفاق نهائي يضمن نهاية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي و بالتالي تكون مخرج مبرر أمام الأمريكان إلى أن تدخل الإدارة الأمريكيةالجديدة حلبة السياسة الدولية و تعيد دورة الاهتمام بقضايا المنطقة من جديد.
إن ما حدث من عمليات عسكرية إسرائيلية على الأرض بعد إعلان مبادرة التهدئة في القاهرة يؤكد أن ثالوث الحرب في إسرائيل يملك مفتاح الأزمة بيده ويتصرف بتعنت عسكري واضح و على ما يبدو أن لدية خططه العسكرية الخاصة مع الفلسطينيين و هنا يتضح أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ماضية في غيها العسكري.
اليوم فقط سقط ثلاث شهداء و العديد من الإصابات في أخر انتهاك للحقوق والأراضي الفلسطينية بشرق خان يونس ورفح وغدا لا نعرف كم شهيدا سيلحق بهم و المرحلة القادمة قد تكون مرحلة قاسية علينا نحن الفلسطينيين لان القضية أصلها أن إسرائيل ليست دولة سلام ولا تسعي لتحقيقه .