كفاية ضحك على الذقون بقلم : موسى راغب للمرة السادسة، تزور وزيرة خارجية أمريكا كوندا ليزا رايس المنطقة، على وهم أنها تحمل في جعبتها أفكاراً ومبادرات ومشاريع ناجعة لحل قضية شائكة مضى عليها أكثر من ستين عاما. وتجيء زيارتها هذه المرة للترويج للمؤتمر أو الاجتماع أو "البلا الأزرق" للسلام (بين الإسرائيليين والفلسطينيين)، الذي دعا لعقده بوش في نوفمبر القادم في واشنطن. وكما يقال: "الكتاب يُقرأ من عنوانه"، فقد صرحت كوندا بأن فكرة نجاح المؤتمر في حل مشكلات 60 عاما من الصراع لم تكن أبدا مطروحة، ما يعني أن تناول موضوع البحث في إيجاد حلول جذرية ونهائية وحاسمة للقضية الفلسطينية في ذلك المؤتمر أمر غير وارد. وإنما سيجري البحث (فقط) - على ما يبدو - عن وسائل أو مبادئ أو تفاهمات غير ملزمة لإسرائيل (كما اقترح أولمرت)، لإيجاد سلام بين الطرفين. لكن تصريحها بأن المؤتمر سوف يتناول "جميع القضايا الأساسية" للصراع بشكل "مصيري وجاد" (على حد وصفها)، يبدو مناقضاً لقولها السابق بأن طرح فكرة حل صراع دام 60 عاما على المؤتمر أمر غير وارد، اللهم إلا إذا كانت هناك أهداف خفية للمؤتمر عل غير ما تدعى واشنطن. وهذا يتوافق مع نبوءة المتنبئين، بأن التهدئة على الساحة الفلسطينية قبيل إقدام التحالف الصهيوأمريكي على توجيه ضربات قاصمة لإيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس، هو الهدف الغائي الحقيقي من الدعوة لعقد هذا المؤتمر. بدليل أن أمريكا ترفض توجيه الدعوة لسوريا لحضوره بهدف دحض ما يقال عن "أن السلام في المنطقة لا يتحقق بدون سوريا"من ناحية ، والإيحاء بأن دمشق قد تكون المستهدف الأول للحرب القادمة من ناحية أخرى. وبحسب مصادر مطلعة، سيقدِّم الإسرائيليون للوزيرة الأمريكية خطة لإزالة بعض حواجز الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية لتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، ما قد تعتبره كوندا مساهمة فاعلة للتعبير عن وصفها للمؤتمر بأنه "مصيري وجاد" !!!، ولربما يمثل السقف الأعلى لأهداف المؤتمر. فهذا الكرم الإسرائيلي على أهل الضفة، يكفل - في نظر كوندا- أن يكون سببا لتحقيق التهدئة المطلوبة على الساحة الفلسطينية، باعتبار أن الضفة الغربية التي تخضع لسيطرة "فتح أوسلو" بزعامة عباس، أصبحت في عرف الولاياتالمتحدة تمثل كافة الفلسطينيين. أما قطاع غزه، فتعتقد كوندا وسائر المتآمرين أن تشديد الحصار الخانق حوله، كفيل بتحجيمه وتعطيل دوره في التأثير على الأحداث المقبلة، وبخاصة أنه (أي قطاع غزه وحماس) يشكلان هدفا من أهداف الحرب التي يعد لها التحالف الصهيوأمريكي خلال الأشهر القليلة القادمة في المنطقة. واللافت أن واشنطن لم تحدد بعد الدول التي ستدعوها لحضور المؤتمر، كما رفضت كوندا الكشف عن جدول أعماله، واكتفت بالقول بأن جميع الأطراف المعنية بتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين سيتم دعوتها. وقد ترددت أنباء صحفية عن أن الهدف الرئيس لزيارة كوندا، هو حث أولمرت وعباس على التوصل لأسس اتفاق حول إقامة دولة فلسطينية (أي إطار اتفاق!!!). كما تستهدف الزيارة محاولة إقناع بعض الدول العربية للمشاركة في المؤتمر بعد إزالة تحفظها عليه، وبخاصة السعودية التي أعلن وزير خارجيتها سعود الفيصل بأن بلاده لن تشارك في هذا المؤتمر، إذا لم يتناول القضايا الأساسية للصراع. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تعتقد بأن إقامة الدولة الفلسطينية هي الورقة السحرية التي تستطيع بها الاستحواذ على تأييد الفلسطينيين والعرب لعقد هذا المؤتمر المشبوه، مثلما استحوذت على أرباب السلطة في رام الله التي يرئسها عباس. لكن بوش وعباس وغيرهما، يعلمون أن أكثر من عشرة ملايين فلسطيني متواجدون على أرض فلسطين التاريخية ومنتشرون في الشتات، يأبهون بقيام تلك الدولة المسخ، ولا يشاركونهم سياسة التنازلات التي درج عليها عباس ومن قبله الراحل عرفات. فمنذ شارك عباس بفعالية في صياغة اتفاق أوسلو وأسقط خيار المقاومة ضد الاحتلال، ووافق على الالتفاف حول حق العودة والاستمساك بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، أصبح خارجاً على الثوابت الفلسطينية. وسوف يأتي اليوم الذي يحاسب فيه هؤلاء على ما فعلوه، كما سيأتي اليوم الذي تتشكل فيه على يد الفلسطينيين أنفسهم حكومة قادرة فعلاً على البقاء والاستمرار، وليس على يد بوش وكوندا وغيرهما ممن يريدون إقامة كيان فلسطيني مسخ متقطع الأوصال (جغرافيا وديمغرافيا). فها هي كوندا تحث عباس وأولمرت على الإسراع في تشكيل تلك الدولة المسخ، حيث تذكرهم بأنه لا يكفي القول بضرورة أقامة دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، وإنما يتطلب الأمر منهما العمل الجاد للبحث عن سبل لإقامة تلك الدولة (المسخ) . 20/9/2007