من يحمي الموساد في العراق: التواطؤ وظهور جبل الذهب
*عبدالامير الركابي
من الذي يحمي الموساد في العراق ؟ كلنا نعرف انهم موجودون، وانهم رغم كثرتهم محيدون. ففي بلد شهد الفظائع، وعرف خلال خمس سنوات اكثر من 21 الف انفجار، بما يعادل كل ماعرفته الكرة الأرضية خلال نصف قرن. ومع احتساب فوارق المساحة، وعدد النفوس، قبل المقارنة الزمنية.
يمكن تصور الجحيم الذي نتحدث عنه، علما بان 17 الفا من تلك الانفجارات وقعت في المدنيين. ومع هذا فاننا لم نسمع ان عنصرا تابعا للموساد الاسرائيلي،او ضابطا، او اي منتسب لهذا الجهاز، قد أصيب بخدش ولو بالصدفة.
المشكلة اننا نتحدث عن بلاد، السلاح فيها مباح، والتنظيمات المسلحة متحررة الى ابعد حد، وظلت لفترة تزيد على عدة سنوات تتمتع بسطوة في مناطقها على الاقل.
هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، فان اغلب هذه القوى او المليشيات والتنظيمات، معادية الى اقصى حد لاسرائيل.
هذا مانعرفه مثلا، او مانسمعه عن مواقف 'القاعدة'. او عن 'حزب البعث'، الذي يقول ويكررمدعيا قيادته للمقاومة المسلحة، او لجناح من اجنحتها. ومن المؤكد الذي لايقبل الجدل، ان المقاومة العراقية، تناصب اسرائيل عداءا شديدا للغاية .
فلماذا لم نسمع عن هجوم قامت به هذه التنظيمات ضد اجهزة المخابرات الاسرائيلية المنتشرة في كل مكان من العراق؟ ليس هذا اتهاما او تشكيكا باحد، بل هو تقرير واقعة ملفتة، وتساؤل عن ظاهرة جديرة بالانتباه.
والامر هنا لايطرح على جهة من الجهات، بل على جهات مختلفة وفي خنادق متباينة. المخابرات الايرانية موجودة ومتغلغلة في العراق، منذ الغزو الامريكي عام 2003 حتى اليوم، مثلها مثل المخابرات الاسرائيلية.
والكثيرون يشيرون الى ذلك، لدرجة ان احد عتاة 'العملية السياسية الامريكية' ومستشار الامن القومي السابق، موفق الربيعي، هاجم الوجود الايراني،وسمى المسؤول عن المخابرات الايرانية، الضابط في جيش القدسالايراني قاسم سليماني علنا قبل ايام.
والبعثيون والقاعدة والمقاومة العراقية، يهاجمون بدرجات، ودائما، وبصوت عال، الوجود الايراني ويشيرون اليه، وكل هذا يجعل من التدخل الايراني مكشوفا ومراقبا من جهات عديدة. بينما يعمل الموساد الاسرائيلي مثل الشبح،ولايستهدف او يشار اليه من احد اطلاقا.
كأنما الكل في العراق بعد الغزو، يحرص على عدم ذكر اسرائيل والوجود الاسرائيلي. وعندما كانت اسرائيل تمارس القتل للعلماء العراقيين، وتطاردهم هي وايران،التي ركزت حملتها على الطيارين العراقيين، وبالذات من المشاركين السابقين في حرب الثماني سنوات بين العراق وايران.
ترددت اصوات خافته، ملمحة الى دور اسرائيلي في عمليات التصفية. مع ان حصة الموساد هي الأكبر، وتصل الى ثلاتة اضعاف حصة ايران.الشيء الذي تردد ايضا، في الفترة الأولى بعد الغزو مباشرة.
كان عن عمليات شراء املاك واراض عراقية من قبل اسرائيليين. الا ان احدا لم يسمع بعد ذلك، عن حجم تلك العمليات. وفي العراق الآن، اكثر من مئتي شركة اسرائيلية تعمل بغطاء اردني وتركي.
وهي تتكاثر بعد ان الغى رئيس الوزراء المالكي، شرط عدم التعامل مع اسرائيل، الذي كان مفروضا على الشركات الاجنبية وغيرها من تلك الراغبة بالعمل في العراق.والعمليات المخابراتية الإسرائيلي، تدار من موضع متقدم ،يتركز بالذات في مدينة كركوك.
فالموساد حذر وجبان، وهو اختار قاعدة عملياته في كركوك،لأسباب لوجستيه، ولكي يحفظ خط الرجعة الى السليمانية واربيل، حيث تنتظره حاضنة الامان التقليدية.
عموما فان الغزوات التي تنظم الى جنوب ووسط العراق مهولة النتائج ورهيبة. وقد تمكن الموساد من سرقة كنوز من التراث اليهودي العبري، من مناطق بابل القديمة.
بعضها يعود الى السبي البابلي، ومن بين ماتمت سرقته نسخة مكتوبة بالعبرية من التوراة، لاتقدر بثمن على الاطلاق. والمعلوم ان التوراة كتبت على يد النبي عزرا في بابل، في القرن السادس قبل الميلاد، وهي النسخة المعتمدة بعد ضياع نسخة النبي موسى.
ليس هذا الجانب،هو الاهم في عمل اجهزة المخابرات الاسرائيلية التي مسحت العراق،وقاست كل شبرفيه. ودور هذا الجهاز كما تشير وقائع كثيرة، رهيب، ويتعدى التصور.
فهو شامل، ولا يقف عند حدود، وتقدير أبعاده امر مستحيل، مادام يجري بهذا القدر من التغطية والصمت، والغريب على سبيل المثال، ان تكون ايران المهددة من اسرائيل، والمعرضة كما نسمع كل يوم، لاحتمالات هجوم عسكري اسرائيلي، بعيدة كليا عن الاستياء او التذمر الملموس والمجسد، من وجود الاسرائيليين على حدودها.
ولم يعرف حتى الان ان الايرانيين فكروا بخطة لاجلاء الاسرائيليين من العراق. الأكثر إثارة للاستغراب والدهشة هو موقف التيار الصدري، الذي هو فرع من فروع المقاومة المسلحة والسياسية. وهو مناهض للاحتلال الامريكي ومعاد لاسرائيل.
وهذا التيار الكبير، موجود في بغداد وكركوك، ولديه كل مايلزم من القدرات، لملاحقة الإسرائيليين والحد من خطر وجودهم في العراق. غير ان هؤلاء على ما نعرف، فعلوا كل شيء آخر، الا ان يراقبوا الإسرائيليين، او يفكروا بملاحقتهم واستهدافهم.
وهكذا يكتمل الاتفاق، ونصبح أمام قوى متعارضة ومتقاتلة حتى الموت. لكنها متفقة ومجمعة على نقطة، تكاد تكون نقطة الإجماع الوحيدة، بين القوى النافذة والمسيطرة على الأوضاع في عراق ما بعد الغزو.
الكل مجمعون في العراق، وحتى في خارجه، على ان إسرائيل قد لعبت دورا أساسيا في دفع الولاياتالمتحدة لغزو العراق واحتلاله . وقد حالفها الحظ، لدرجة ان جعلت المبررات التوراتية، محركا لسياسية رئيس الإمبراطورية الكبرى في العصر الراهن.
وقد كشف مؤخرا، كيف ان الرئيس بوش اتصل بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، يطلب منه العون على مقاتلة جيش 'يأجوج ومأجوج' الموجود قرب بابل في العراق.
الأمر الذي ا ذهل شيراك، والواقعة مثبتة بتأييد من الرئيس الفرنسي السابق، في كتاب صدر مؤخرا في فرنسا.
ومن 'ارمجدون' الى غيرها، أعيد مفعول المحركات التوراتية في قلب عصرنا الراهن. مثلما هو وجود اسرائيل نفسها على خارطة الدول العصرية و 'الديمقراطية'.
وحتى وان اقتضى الامر بعض التعديل، وتحول 'ظهور جبل الذهب عند الفرات' بعرف العالم الحاضر الى 'نفط'، فالمصادر تقول على تعددها، ان ثمة امر سيتصاعد ويعلو، بحيث يتحول العراق الى البلد الاول في الإنتاج النفطي خلال عشر سنوات، وهو ما يثير قلقا ومخاوف في ايران والسعودية وتركيا.
كل هذا سيجعل مسألة تصادمات مصالح الأمم، مثيرة وغير معهودة ولامسبوقة هنا.
ولننظر على سبيل الافتراض، الى الاسباب التي يمكن ان تكون وراء التغاضي عن وجود الموساد الإسرائيلي الذي يسرح ويمرح في العراق منذ سبع سنوات.
فايران مثلا لن تفكر بشن حملة على الإسرائيليين في العراق، لأنها بذلك ستفتح الباب امام مسلك يعزز الوطنية العراقية، ويفتح العيون على نفوذ آخر مرفوض، هو النفوذ الايراني نفسه.
وايران تستطيع ان تبعد التيار الصدري عن مثل هذا الهدف، كما ان البعثيين يعلمون حدود مايمكنهم القيام به، وهم بحاجة ماسة، الى قدر من القبول في المنطقة العربية وبعض انظمتها.
وحين يغضون الطرف عن الإسرائيليين، فان الولاياتالمتحدة لاتجد لديها دوافع قوية تحفزها لخنقهم عربيا وفي الشتات، عن طريق الضغط الأمريكي على الانظمة العربية.
وتبقى 'القاعدة' و'المقاومة العراقية'، وهاتان جهتان يصعب فهم دوافعهما، فمن البديهي بالنسبة للمقاومة يوم كانت فعالة، ان تنشيء جهازا خاصا بمتابعة الموساد، الا انها لم تفعل ربما بسبب الظروف غير العادية التي نشأت وسطها، او لأسباب اخرى، وهو ما لاينطبق على 'القاعدة'، التي يظل موقفها على هذا الصعيد غامضا، هل لتركيا دور ما في هذا المجال بالذات؟
والغريب ان هذا يحدث بينما تركيا تزداد حضورا، في القضايا العربية والفلسطينية بالذات. غير ان الوجه التركي في العراق، مناقض تماما لوجهها الجديد في المنطقة. فهي مثلا تحرم العراق من مياه دجلة والفرات، وتوغل بإصرار في هذه السياسة الكارثية والقاتلة.
بينما هي تتعاون كما أسلفنا مع الإسرائيليين، وتساعدهم في التغلغل في العراق، و تستسهل في الوقت نفسه شن الهجمات على حزب العمال الكردستاني، داخل الحدود العراقية، فتستبيح أراضي العراق وسيادته.
دعونا نفترض بان بوادر تجدد او يقظة وطنية عراقية، قد أخذت بالتبلور من جديد، بعد استيعاب المجتمع لفترة الغزو والفوضى، الناجمة عن انهيار الدولة خلال السنوات الست الأولى، هل سيكون استهداف التغلغل الإسرائيلي، عنصرا من عناصر ايقاظ الحماسة واللحمة الوطنية وتجديدها.
لابل وإعادة إنتاج وإذكاء عناصر وعي مفقود جرى تشتيته، هذه مجرد فرضية، نتلمسها اليوم مع بوادر أخرى وتحركات شعبية عفوية ناهضة، تتجه نحو التفلت من 'العملية السياسية الأمريكية' ومن قواها.
وهذا المسار الصاعد، يوازيه صعود آخر، يمكن ان تكون اثاره مناقضة لمنحى، أو روح التوافقات السرية السائد الان في العراق، رغم اتون احتراب الامم عند 'جبل الذهب'، وتشابك التناقضات الإقليمية التي تحمي وجود اسرائيل في العراق.
فالعراق الذي يغرق في الكارثة، ينتظرمن جهة أخرى، تصاعدا في وتائر إنتاجه للنفط، بحيث يصبح المصدر الاول في العالم، كما أشارت 'الاندبندنت' البريطانية مؤخرا.
ودرجة الاختلال المتوقع المرافق لهذا التطور، يصفها الخبير في مركز الدراسات الدولية للطاقة، ليودرو لاس فيشبهها ب'اعصار ماحق أشبه بتسونامي هي نفط العراق'، فهذا البلد يمكن ان يضاعف انتاجه ثلاث مرات.
واذا تحقق ذلك فانه سيزعزع اوبك ويعصف بالأسعار.
ومن مؤيدي هذا الرأي ايضا معلق وول ستريت جورنال الاقتصادي، ومن زاوية تبدو الان حثيثة الصعود ما بين الكارثة المفجعة والمفاجأة ، يطالعنا مشهد ينمو عن: 'عراق مابعد النهرين'، فمن جهة، تتبلور اليوم معالم صحوة وطنية عراقية جديدة، تضع وراءها اقسى واخطر تجربة فجائعية لشعب من شعوب المنطقة في التارخ الحديث.
ومن جهة هدير الاختلالات ا ستراتيجيا النفط، وما يترتب عليها من اضطراب وارتباك هائل في موازين عالمية وهزها، وهذا تطور، لابل منعطف إقليمي وعالمي، نحن لم نتعود على التعامل معه من قبل: وهو يأتي ايضا متزامنا مع تطورات استثنائية، في شكل ووزن القوى الدولية المؤثرة، وتعددها، ناهيك عن انتقالاتها المطردة من قارة بعينها نحو قارة اخرى.
يبدو ان حسابات الاجندة التوراتية، مصابة بخلل عميق، فجبل الذهب الذي ستقتتل حوله الأمم كما تقول تلك الحسابات، قبل ان نشهد بدايات نهاية العالم.
لم يظهر حتى الآن، عكس ماتصوره الحاخامات الاسرائيليون وتوهموه، الأمر الذي دفع بأحدهم ومن أهمهم " المقصود الحاخام اكرسون" لان يتلو الصلوات، شاكرا الرب على ماحققه للمستوطنين في القارة الأمريكية، ولما يرتجى تحقيقه لليهود في فلسطين و'ربما في العراق'؟
فجبل الذهب في طريقه للظهور من هنا فصاعدا، وهذا فأل غير حسن للإسرائيليين وشؤم للموساد الإسرائيلي في العراق.