الديموقراطية التوافقية خطر على وحدة لبنان حمد الطفيلي الديموقراطية التوافقية في لبنان وتطبيقاتها المعتمدة والمستندة الى نماذج انظمة سياسية في بعض الدول ذات المجتمعات المتعددة الاثنيات او اللغات او الاديان، كسويسرا وبلجيكا والنمسا وقبرص وماليزيا وسواها، ترتكز بحسب المنظرين لها على الأسس التالية: حكومة ائتلاف واسع تؤمن مشاركة المجموعات الاقلوية. حماية الاقلية ضد القرار الاكثري الذي قد يتعارض مع مصالحها الحيوية. نسبية في التمثيل السياسي وفي المراكز والوظائف العامة. ادارة لا مركزية او »ذاتية« لبعض الامور المعتبرة من اختصاص الوحدات المجتمعية المميزة. هل تؤدي هذه الديموقراطية التوافقية الى الاستقرار الذي تعد به في لبنان؟ ثبت عمليا ان لا استقرار لأي نظام سياسي من دون شرعية، ولا شرعية كاملة يمكن ان يمنحها غالبية المواطنين لأي نظام لا يرتكز على مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. وبديهي ان أي تفضيل لمواطن على آخر بسبب انتمائه الطائفي او المذهبي او المناطقي يشكل انتهاكاً لهذه المبادئ. وان التمييز في تصنيف المواطنين وفي تحديد الفرص المتاحة امامهم يولّد لديهم الشعور بالكبت والقهر وصولاً الى عدم الاستقرار السياسي المستمر، وسبباً لصراع اجتماعي دائم. ويكفي التذكير على سبيل المثال بان أبناء طائفة لبنانية واحدة من اصل سبع عشرة يمكنهم الوصول الى الرئاسة الاولى، وان ابناء ثلاث طوائف فقط يمكنهم الوصول الى احدى الرئاسات الثلاث، ويبقى أبناء الطوائف العشر الصغرى محرومين نهائيا من أي مركز حكومي او وظيفة كبرى في الدولة. وهذا ما يتناقض مع الطموح الى تحقيق المساواة والعدل وتكافؤ الفرص في المجتمع، ولا يمكن الاستناد اليه في تركيز شرعيته وان يكون أداة استقرار على المدى الطويل. وقد تحولت الطوائف اللبنانية الى شبه مؤسسات سياسية، وتحتاج الحلول السياسية للأزمات الحالية الى تسوية طائفية تقوم على توازن اكثر عدلا في توزيع السلطة عبر صيغة انتقالية تمهد للتخفيف من غلواء الطائفية السياسية وتوفير اسباب الاستقرار والأمن الاجتماعي، والحد من وطأة الكبت والقهر، ووقف حرب الطوائف والمذاهب، وصولا الى المواطنة وتكوين المجتمع المدني والذي يحول الاقلية العددية الى أقلية سياسية دائمة والأخذ بالمبدأ المزدوج: المشاركة حيث لا حكم لأكثرية عددية، والتناوب حيث لا امتياز لطائفة على أخرى. ونلاحظ ان الانموذج التوافقي الذي تم كدستور في الطائف وكاتفاق في الدوحة حاليا يغلب عليه الجمود ولا يتقبل التطوير وان عملية اتخاذ القرار فيه تتميز بالبطء وتفتقر الى الدينامية المطلوبة، ويبقى تاليا عاجزا عن التكيف مع تبدل موازين القوى الداخلية، وعن المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية السريعة التي شهدتها الألفية الثالثة. كما ان قاعدة التمثيل النسبي المعطلة منذ احصاء عام 1932 وقد أخذ بها مرة واحدة عند وضع قانون 26 نيسان 1960 المتعلق بالانتخابات النيابية، وقد رجع اليه اتفاق الدوحة مع بعض التعديلات الطفيفة ليكون قاعدة ومنطلقا لانتخابات ربيع 2009 اذا اخذت اقتراحات التعديل المقدم من لجنة الوزير فؤاد بطرس على صعيد الأخذ بمبدأ النسبية. وللقاعدة النسبية اهمية من خلال الأخذ بمبدأ التناوب عبر انشاء مجلس شيوخ يأخذ بالتمثيل الطائفي على قاعدة المناصفة واعتماد النظام الانتخابي الجديد قائما على النسبية لاختيار اعضاء المجلس النيابي الذي يكون متحرراً من أي قيد طائفي كريه. ان منطوق الديموقراطية التوافقية وآلية عملها في لبنان كما يروّج لها بعض الكتاب والقانونيين تعيد انتاج النخب السياسية الاكثر طائفية والاكثر تهديدا للاستقرار السياسي والسلم الاهلي. وقد ينتج نخباً حاكمة فئوية لا تتسع آفاقها لما يتعدى الجماعة التي تنتسب اليها. كما قد تؤدي ايضا الى ديكتاتورية النخب الاكثر طائفية على طوائفها. كما في نظام الحصص وعلى صعيد ادارات الدولة ومؤسساتها التي تعمل عليه النظرية التوافقية وتعتمده في توزيع المناصب، وانه يعطي الاولوية لانتساب الفرد الى طائفته على حساب الكفاءة والمؤهلات الشخصية، وهذا ما ينعكس سلباً على طبيعة عمل اي مؤسسة او ادارة من النمط الحديث، والتي يرتكز مبدأ نشاطها على العقلانية والتخطيط والفاعلية، بينما يقود نظام الحصص الى سيادة المحسوبية والهدر والتضخم. ان إلغاء الطائفية في كل مستويات الوظيفة الادارية واعتماد مبدأ الكفاءة وحدهما يوفران عناصر الاستقرار للمرحلة التوافقية من حياة لبنان السياسية التي نمر بها. وان نوفر شروط العدل والمساواة امام القوانين والأنظمة وهذا ما يزيل الكثير من أسباب الغبن الذي تشعر به اكثرية الطوائف المهمشة. أخيراً يمكن تخطي الديموقراطية التوافقية بتعزيز الولاءات الوطنية المشتركة بين اللبنانيين وتقديمهم المصالح والطموحات التي تجمع بينهم على تماثلهم مع طوائفهم. وليست الفوارق بين اللبنانيين اتنية او حضارية كما يروج البعض، فالى جانب اللغة تجمع بين اللبنانيين وحدة العادات والتقاليد ونمط الحياة والنظام العائلي والتربوي وعلاقات القربى والسلوكية الاجتماعية وينتمون من خلال تراثهم وثقافتهم الى عالم حضارة متقدم مُنفتح. بالرغم من كل هذه المعطيات لا يزال لبنان في قلب دائرة الخطر والتجاذبات الاقليمية والدولية مهدداً بوحدته وكيانه. عن صحيفة السفير اللبنانية 23/8/2008