الهند دولة صاعدة .. مقولة لاتعكس حقيقة الواقع البائس !
* سمير حسين زعقوق
سمير حسين هناك نغمة سائدة في وسائل الإعلام العالمية والهندية وفي رؤوس الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم تؤكد أن الهند دولة سريعة النمو ، وفي طريقها لتكون إحدى القوى الاقتصادية العظمى في المستقبل القريب.
وإذا كان كادر الصورة المرئية الداخلي يوحي بأن اقتصاد الهند يٌعتبر من أسرع الاقتصاديات نموًا في آسيا ، وأن الهند تمثل أكبر ديمقراطية في العالم بما تروجه وسائل الإعلام الهندية والعالمية.
فإننا نجد انفسنا وأمام هذه النغمة نطرح السؤال نفسه : هل بالفعل الهند دولة صاعدة ، أم أن هذا ليس له صلة بواقع الهند الداخلي؟
الإجابة عن السؤال سالف الذكر يظهر من خلال عرض هامش الصورة ، وحتى خلفيتها ومنها نرى صورة مختلفة تمامًا.
حيث يُظهر أن الهند التي تمثل ثاني أكبر عدد سكان العالم ، هي موطن نحو ثلث جميع الفقراء الذين يعيشون على هذه الأرض.
فالهند ، وفقا لتقديرات جديدة ، بها نحو 456 مليون نسمة بنسبة 42% من السكان يعيشون تحت خط الفقر الدولي الجديد وهو 1.25 دولار في اليوم الواحد.
وعدد الفقراء في الهند يشكل 33% من فقراء العالم ، وهو ما قُدِّر عدده ب 1.4 مليار نسمة. ولدى الهند أيضا 828 مليون شخص ، أو 75.6% من السكان يعيشون دون مستوى 2 دولار في اليوم.
أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي تعتبر المنطقة الأكثر فقرا في العالم ، أفضل من الهند حيث يسكنها 72.2% من السكان يعيشون على ما دون 2 دولار.
واليوم هناك الملايين من الهنود ما زالوا لا يستطيعون الحصول على كوب ماء شرب نظيف أو يتمتعون بسُبل العيش الكريم من السكن اللائق أو الحصول على طاقة الكهرباء التي تفتقدها معظم مناطق الهند.
وكذا تدهور الأمن الغذائي للفقراء في جميع أنحاء البلاد ، وهناك تقارير يومية عن حالات وفاة بسبب الجوع وأعداد متزايدة من حالات الانتحار من قبل المزارعين المدينين غير القادرين على سداد مديونياتهم.
وفي المناطق الريفية يعيش غالبية المواطنين الهنود ظروفًا صعبة ، حيث انعدام الأمن والظروف المادية الضيقة ، ويفتقد المواطنون لفرص عمل حقيقية تنتشلهم من حالة الفقر البادية عليهم ، وهذا الوضع أصاب الشباب بالاكتئاب وفقدان الأمل في المستقبل والدولة والمسئولين.
هذا عن وضع الفئات المهمشة في الهند التي تفتقر لأقل حق من حقوق الإنسان في دولة تعتبر نفسها راعية الديمقراطية والعلمانية بين دول العالم الثالث ، وعلى الرغم من أن دستورها ينص على حماية حقوق الإنسان إلا أن ذلك مسطور على الورق فقط .
حيث ما زال الداليت أو المنبوذين الهنود يعانون من النظام الطبقي في الهند والمطبق في البلاد منذ قرون طويلة ، فهم لا يُعتبرون أناس عاديين لهم حقوق وعليهم واجبات ، بل أن المنبوذ في عدد كبير من المناطق ما زال حبيس معتقدات بالية ولا يستطيع الخروج من قُمقُمِه من التاسعة صباحًا حتى الرابعة عصرًا خشية أن يقع ظله على رجل من الطبقات العليا فينجسه!
كما أن المنبوذ إذا جلس بجوار البرهمي (أعلى طبقات الهندوسية) فإنه يعاقب بالكي بالنار على مقعدته ، هكذا تُعامل هذه الطبقة معاملة لا إنسانية ، وتفرض الهند رقابة صارمة على وسائل الاعلام حتى لا تظهر الصورة الحقيقية ، وتظهر الصورة الأخرى الزائفة التي تحكي عن ديمقراطية وعلمانية وتقدُّم الهند تكنولوجيًا واقتصاديًا.
ليس هذا فقط بل لا يزال الاتجار بالبشر هو مصدر قلق كبير على حالة حقوق الإنسان في الهند حيث يتم تهريب ما يقرب من 25ألف من فتيات وأطفال بنجلاديش وعشرة آلاف من النساء من نيبال الى الهند لأغراض الاستغلال الجنسي التجاري.
والهند التي تدعي العلمانية ما زال المسلمون والسيخ والنصارى يتعرضون لأبشع أنواع الاضطهاد وما حدث للسيخ في عام 1984 ماهو إلا صورة من صور الحرب الدينية التي يقودها المتطرفون الهندوس تحت حماية الشرطة وقوات الأمن.
نفس الشئ حدث للمسلمين في عام 1992م عندما قام المتطرفون الهندوس باقتحام المسجد البابري وهدمه لبناء معبد الإله رام ، وأيضًا ما حدث للمسلمين في أحمد أباد بولاية جوجارات عام 2002م ، حيث أحرق الهندوس ثلاثة آلاف مسلم تحت سمع وبصر الشرطة الهندية التي باركت وتبارك هذه الأفعال العنصرية.
وبالنسبة للسلاح النووي الهندي فهو أيضًا يفتقر لأدنى مستوى من الحماية حيث أن تدابير السلامة التي اعتمدتها الإدارة النووية الهندية فقيرة ، هذا فضلا عن إمكانية وقوع هذه الترسانة النووية بأيدي المتطرفين الهندوس الأخطر في شبه قارة جنوب آسيا .
فالعالم كله لا يرى التطرف والإرهاب إلا في التيارات والحركات الإسلامية ، ويغض الطرف عن أشد أنواع التطرف الديني في العالم - إن جاز التعبير - وهو التطرف الهندوسي الذي يرفض الآخر ، سواء أكان هذا الآخر من المسلمين أو النصارى أو السيخ أو غيرهم.
وتواجه الهند حاليا حركات تمرد ومقاومة من النكساليين، والكشميريين ، ناجالاند ، والسيخ وغيرهم من الأقليات في جميع الأنحاء .
وهؤلاء يناضلون للتخلص من الشر الذي تفرضه عليهم نظرة الحكومة الهندية التي أدت سياساتها إلى توسيع الفوارق بين الأغنياء والفقراء ، وتردي حالة حقوق الإنسان بين الأقليات.
وبعد هذا الإيجاز الذي عرض الوجه الآخر للصورة يتبين لنا أن نسبة 10% من سكان الهند هم الذين يظهرون في الصورة المضيئة التي تتغنى بها الهند في وسائل الإعلام .
أما ال90% من السكان فهم محشورون في هامش الصورة ، أو الجزء المظلم من الصورة ، وهذا الوضع يجعل الطريق طويلا أمام الهند - قد يستغرق قرونًا - لتتطابق الصورة الظاهرة مع الهامش الغارق في وحل الظلم الهندوسي.