3 آلاف فرصة عمل جديدة ب14 محافظة| التخصصات وخطوات التقديم    المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية يصوت بالإجماع لصالح رفع عضوية فلسطين إلى دولة مراقب    أخبار الاقتصاد اليوم.. تراجع سعر جرام الذهب.. اللحم الكندوز يبدأ من 280 جنيهًا.. تفاصيل خدمة التحويل الديناميكي للعملة    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    مع قرب انتهاء أول أيام عيد الأضحى.. الغرف التجارية: لا داع للقلق السلع متوفرة.. شعبة الخضروات: انخفاض ملحوظ في الأسعار.. المخابز: لا توجد إجازة لتلبية احتياجات المواطنين    اليونيسف: استخدام الجوع سلاحا جريمة حرب    القنوات الناقلة لمباراة الأهلي وباتشوكا الودية قبل كأس العالم للأندية    بث مباشر مباراة تونس ضد المغرب وديًا    مانشستر سيتي يستهدف ضم نجم ميلان.. صفقة نارية تتخطى 60 مليون يورو    القبض على قائد سيارة لقيامه بالسير عكس الاتجاه في عين شمس    مصرع مسن أسفل عجلات قطار في الإسماعيلية    حريق مخلفات كرتون وسيارات قديمة بقطعة أرض بالهرم    تركي آل الشيخ يطرح بوستر زيزو في 7DOGS: أنا مش في الفيلم أنا في الأهلي    تركي آل الشيخ يكشف حقيقة ظهور زيزو في فيلم 7Dogs    منى الشاذلي تضع تامر عاشور في موقف صعب.. والأخير يعلق (فيديو)    ثقافة بورسعيد تحتفل بعيد الأضحى بفعاليات فنية وتوعوية للأطفال وذوي الهمم    نصائح طبية لحماية صحة الأطفال خلال أيام عيد الأضحى (فيديو)    دراسة تكشف مفاجأة بشأن زيت الزيتون: قد يعرض للسمنة    المملكة المتحدة : تحديد جلسة لمحاكمة 3 أشخاص في افتعال حرائق استهدفت رئيس الوزراء البريطاني    نشاط وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في اسبوع    ترامب يدعو مجلس الفدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة نقطة مئوية كاملة    البنك المركزي الروسي يخفض سعر الفائدة للمرة الأولى منذ مايقرب من ثلاث سنوات    نائب محافظ قنا يتابع جاهزية مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ خلال عيد الأضحى    العودة من بعيد.. رافينيا أفضل لاعب في الدوري الإسباني    مصطفى حمدى يكتب: هل يسابق «نجم الجيل» الزمن فى عصر ال «تيك توك»؟!    ياسر جلال يحتفل بعيد الأضحى بصحبة مصطفى أبوسريع أمام مسجد الشرطة (فيديو)    أحمد العوضي من مسقط رأسه بعين شمس: «ضحينا وسط أهل بلدي»    فلسطين ترحب برفع عضويتها إلى دولة مراقب في منظمة العمل الدولية    مواعيد مواجهات الوداد المغربى فى كأس العالم للأندية 2025    في أول أيام عيد الأضحى.. غرفة الأزمات بصحة المنوفية تنعقد لمتابعة المنشآت الصحية    كيفية اختيار أضحية العيد وشروطها؟.. استشاري توضح    بحر وبهجة في العيد.. الإسكندرية تستقبل المصطافين بإقبال متوسط وشواطئ مستعدة    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    تفاصيل تواجد زيزو في اتحاد الكرة ودور أحمد مجاهد.. رئيس تحرير مجلة الأهلي يكشف    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    الفتة.. من موائد الفراعنة إلى طبق الأعياد في مصر الحديثة    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    باكستان تدين الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    سعر الريال السعودي مع بداية التعاملات في أول أيام عيد الأضحي 2025    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلاغة الصامتين.. مرة أخرى
نشر في محيط يوم 22 - 03 - 2008


بلاغة الصامتين.. مرة أخرى

* عبد القادر مصطفى عبد القادر
قد يكون لإيماءات الصامتين صوت أعلى من أي صوت، وربما تكون إشاراتهم أبلغ من أي حديث، وربما تكون أنات صدورهم أفصح من أي رسالة...!!. فليس العجز عن الكلام عجز عن التعبير، وليس العجز عن البوح بمكنونات الضمائر عجز عن استخدام مفردات اللغة، إنما لكل وقت لغته، ولكل حدث حديثه، ولا يدرك ذلك إلا العقلاء الذين تساوت عندهم حالة الصمت مع حالة الكلام، أو الحكماء الذين ينقشون بالصمت أروع الكلمات، ويصنعون بالصمت أجمل المواقف.
وحَرىٌ بالإيضاح في هذا المضمار أن أفصل فصلاً قاطعاً بين صمت يفرضه عقل وفكر وحكمة وموازنة، وتحركه مصلحة عامة، وبين صمت يفرضه جهل أو جبن أو خوف، فشتان الفارق بين هذا وذاك، والمَعْنِىُّ في هذه السطور المتواضعة هو النوع الأول وهو ذاك الصمت الإيجابي الجميل الذي ينشأ عن اقتناع بأهميته وضرورته. إن الكلام مثل الحركة، والصمت مثل السكون، والبشر يحتاجون بين الحين والحين إلى لحظات توقف وسكون لترتيب الأفكار، وتنظيم الخطوات، ولملمة شظايا النفس المبعثرة في متاهات الهوى والبحث عن التافه والمجهول من عرض الدنيا، وهنا يكون الصمت لحظة تجول وتحول، تجول فيما مضى لمراجعة النفس ومحاسبتها، وغربلة المواقف وفرزها، وتصحيح المسار كشأن الأذكياء الذين يتعلمون من سقطاتهم وأخطائهم، ثم يتحولون من الخطأ إلى الصواب، ومن الكبوة إلى النهوض والمواصلة.

إن الثرثرة بعثرة لما مضى في دروب النسيان أو التناسي، وطمس لما انقضى من مآثر وفضائل ولو كانت مثل الجبال، وحَجْر وحَجْب طويل الأمد على الآتي من الفعل و القول، فالإنسان يخسر خسراناً كبيراً إن سبق لسانه عقله، وإن تغلبت شهوة كلامه على فطرة صمته، بل إن المجتمع يخسر إن كَثُر فيه الضجيج الذي تتوارى بين أنقاضه شاهقة الحق، وتضيع في متاهاته بَيِّنَةُ الرشد، فلا يتبين الناس الطريق، ولا يهتدي الخلق إلى صواب، لأن الكل يثرثر، فلا مجال للسمع أو للتعقل.

ولقد علمتنا الحياة عبر دروسها وتجاربها الشاقة أن الكلام بلا روية كشف للهوية، وإظهار للطوية، وبيان لحالة المتكلم، ومن ثم زوال غموضه وتَكَشُّف أسراره، وعليه فلا تعب ولا نصب في استبيان ما أراد أن يخفيه، وهذه أحد دروب السذاجة..أن تكون بائعاً لا مشترياً، وأن تكون متحدثاً لا مستمعاً، فيوماً ما سوف يجف بئر الكلام، أو سوف يزهدك الغير من كثرة التكرار، والدوران في نفس المدار، وسوف يصبح الحكم عليك أمراً سهل المنال، بعدما كشفت نفسك للآخرين بلا ثمن، إذ قدمت لهم الفرصة بكثرة الكلام الذي لا يفرضه موقف أو تستوجبه قضية.

هناك من يكره الصمت، لأن الصمت غموض، وحصار الصمت سلوك يتجلى فيه الدهاء حتى يخلع الصمت رداء الغموض، إذ بين الفينة والفينة يداعبك عدوك بلعبة (بالونات الاختبار) لقياس قوتك أو حماسك من واقع رد فعلك إزاء قضية ما، فيفتعل لك أزمة ليرى صُنعك وصَنيعك، وأحسب أننا فرادى وجماعات وقعنا أسرى لهذه الفخاخ اللئيمة. لما أساءت الدنمارك ولازالت تسيء_وأنى لها- إلى شخص الرسول الكريم عبر رسوم مسيئة..هاج الناس وماجو، وعلت بالنعيق حناجر تطلب المقاطعة لكل ما أنتجته الأيدي الآثمة، ثم إعلان القطيعة السياسية والاقتصادية، وهكذا فعل الكثيرون،ولكن ماذا حدث؟ هدأت النار المتأججة في الصدور، بل ربما زالت دونما أثر أو تأثير، ( وعادت ريمه لعادتها القديمة)، وكأن شيئاً لم يحدث، كل ما هنالك أن الطرف الأخر كشفنا، وقاس بدهاء رد فعلنا، وتبين على وجه اليقين حالنا، فليس أسهل عليه بعد ذلك من تحديد المنهج المناسب للتعامل معنا.

يجب أن نعرف متى يجب أن نتكلم؟، ومتى يجب أن نصمت؟، فليس الصياح والعويل دليل حياة، وليس الرد العشوائي الانفعالي أسلوب دفاع، ومن حكمة الخالق أن خلق لنا لساناً واحداً وخلق لنا أذنين كي نسمع أكثر مما نتكلم، بل و وضع على جارحة اللسان سدَّين..أسنان وشفتين..كي لا تخرج الكلمة إلا نقية هادفة مؤثرة، وهنا أتذكر حكمة نطق بها لسان خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز لما سُئل..متى تحب أن تتكلم؟..قال أحب أن أتكلم عندما أشتهى الصمت..قيل له ومتى تحب أن تصمت؟..قال أحب أن أصمت عندما اشتهى الكلام، والمغزى من وراء هذه الحكمة رائع للغاية، خاصة عندما يصدر من صاحب أكبر منصب بدولة الخلافة، فالكلام عند اشتهاء الصمت سوف يكون مغلفاً بالحكمة..ممزوجاً بالتأني..محاطاً بالتعقل، ومن ثم يمضى نحو أهدافه بلا إثارة، والصمت عند اشتهاء الكلام وقار وهيبة، وكبح لجماح المفردات المتأججة، ومن ثم تضييق الخناق على بواعث الشر و مكامن التناحر، وعليه فالصمت على طول الخط سلبية مخيفة، والكلام على طول الخط مصيبة.

وبنظرة سريعة على واقعنا المتوتر نجد أن كماً هائلاً من المشكلات التي تهدد استقرار المجتمع يكمن في العجز عن الصمت، وما الأخبار الكاذبة، والشائعات المغرضة، والفتاوى المنحرفة، والشعارات البراقة، والنميمة، والغيبة إلا أمراض خطيرة تنشرها كلمات رنانة في محيط المجتمع، فتزلزل استقراره وتهدد أمنه. نعم إن اختلاف الرأي وتباين الرؤى أمر طبيعي بين البشر لأنهم هكذا خُلقوا، لكن يجب أن نواجه أنفسنا بعدة أسئلة قبل أن نتحدث عن حق الاختلاف، يجب أن نعلم أولاً لماذا نختلف؟، وكيف نختلف؟، وما هي مبررات الاختلاف؟، وما هي أهداف الاختلاف؟، حتى لا يكون الاختلاف مجرد معارك كلامية جدلية لا تسمن ولا تُغنى من جوع. والحقيقة أنا لا أؤيد مطلقاً حلقات العراك والصياح والجدال العقيم التي تعقدها بعض الفضائيات..تحت مبررات البحث عن الحقيقة، فالحقيقة تتوه في غابة الجدل، والمحصلة الحقيقية هي دفع الناس بلا روية إلى دائرة فقدان شهية الصمت، وإلى بلوغ الذروة في شهوة الكلام.

وأخيرا فلدى في القرآن الكريم مشهد يجسد حكمة الصمت، وروعة الصمت، وعظمة الصمت، عندما تكون له دواعيه وضروراته، وأبرزها الحرص على وحدة المجتمع، لما ذهب نبي الله موسى عليه السلام لمناجاة ربه ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر، وترك في قومه هارون أخاه وشريكه في الرسالة، ماذا حدث؟، عَبَدَ القوم في غيبة موسى عجلاً صنعه السامرى من حلى القوم، فلما رجع موسى عليه السلام وجد هذا الانحراف، فغضب، وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه ولحيته يجره إليه غيظاً وحنقاً، وقال كما حكي القرآن (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا. ألا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)، وهنا بيت القصيد..أجاب هارون على السؤال كما حكي القرآن (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي). معنى هذا أن هارون عليه السلام قد (صمت) لحكمة ولوقت معين عن (الشرك الأكبر) ..لماذا؟..حفاظاً على (وحدة المجتمع)، وخشية من تفرقه حتى يرجع موسى فينظران معاً كيف السبيل لإرجاع الناس إلى الحق. وعلى قدر فهمي المتواضع استخلص الآتي:

1. وحدة المجتمع وتماسكه فريضة.

2. الصمت الحكيم ليس معناه الرضا عن الأزمات، ولكن معناه التفكر من أجل اختيار أفضل الطرق لعلاجها.

3. ليس صحيحاً أن يتحدث كل من ملك صوتاً في شئون العامة، ناهيك عن الصياح والعويل غير المبرر، إنما يجب أن يترك المجال لأولى الأمر. 4. أن نعمل سوياً في صمت خير ألف مرة من أن نملأ الأرض كلاماً بلا عمل، أو أن يقدح بعضنا بعضاً بحثاً عن مجد شخصي، لا يتحقق إلا من فوق جماجم الآخرين.
** مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.