'السيادة الوطنية'.. خرجت ولم تعد يا أولاد الحلال !
* سليم عزوز
سليم عزوز ابحث مع الشرطة، فقد اختفت في ظروف غامضة، المأسوف على شبابها، والبكر الرشيد: 'السيادة الوطنية'، التي كانت ملء السمع والبصر في السنوات الماضية، والتي صوروا لنا أن شرفها كعود الكبريت، ولم يكن ليسلم من الاذى، حتى يراق على جوانبه الدم !.
يتحدث متحدث محتجا علي إغلاق معبر رفح أمام قوافل الاغاثة ، فيهب القوم في وجهه: انه تدخل في 'السيادة الوطنية'. ويتعرض أهلنا في غزة لحصار ظالم، فيتمردون ويقتحمون المعبر المغلق لانقاذ انفسهم واطفالهم من الموت جوعا بسبب الحصار الاسرائيلي .. فيهتفون: 'السيادة الوطنية' يتم اختراقها.
ويطالب المصلحون بالرقابة الدولية على الانتخابات المصرية فيكون الرد: إن هذا يمس بسلامتها 'السيادة الوطنية'. وتطالب المنظمات في الخارج بالإفراج عن معتقل، أو التوقف عن سياسة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، فيقال: ان هذا يمثل خدشا لحياء ربة الصون والعفاف 'السيادة الوطنية'!
لكن خالدة الذكر 'السيادة الوطنية' اختفت مؤخرا وخرجت ولم تعد، لدرجة انني خشيت ان تكون مختطفة، فلم يعد احد يذكرها على طرف لسانه في ظرف دقيق هي في مساس الحاجة فيه الى أن تكون في حماية ذويها، الصامتون على اختراقها، لأسباب غير معلومة.
'اصل الحكاية' أن وزارة الثقافة المصرية انتهت مؤخرا من عملية ترميم معبد 'موسى بن ميمون' وهو ان كان يهودي الديانة، إلا ان معبده هو اثر مصري لا تملك قوة في العالم أن تعبث في جنسيته.
موسى ولد في قرطبة في القرن الثاني الميلادي، وانتقلت عائلته الى فاس المغربية ثم الى فلسطين واستقرت في مصر، التي عاش فيها حتى وفاته، وعمل طبيبا ونقيبا للطائفة اليهودية، ولا علاقة له بالتالي بهذا الكيان المقام على الأرض العربية المغتصبة، إلا إذا كان من حق نتنياهو ان يطالب باعتبار المدينةالمنورة أملاكا إسرائيلية، لأنه عاش فيها يهود بني قينقاع، ويهود بني قريظة، ويهود بني النضير!.
'رولا خرسا' قدمت على قناة 'الحياة' حلقة رائعة عن شخصية 'موسى بن ميمون' بمناسبة الانتهاء من ترميم معبده بوسط القاهرة.. كانت الحلقة هكذا لأنها استضافت باحثا متخصصا، وملما بتفاصيل الشخصية التي يتحدث عنها هو 'محمد عبود' الخبير في الشؤون الإسرائيلية.. والذي يتمتع بالهدوء وهو يتكلم، والثقة في النفس عندما يجيب على أسئلة المذيعة، وهي الثقة التي جعلت لجنة مناقشة بحثه لنيل درجة الماجستير تأخذنا رهائن، لمدة ست ساعات.
ولأن من بين الحاضرين ضيوفا معروفين إعلاميا. كانت المناقشة في مجملها خارج موضوع الرسالة، وانصبت على النقطة، والفاصلة، والفاصلة المنقوطة (منذ ان أصبحت من مستخدمي الحاسوب وأنا ابحث عن الفاصلة المنقوطة على الكيبورد فلا اعثر لها على جرة).
وامتد النقاش عن الفارق الجوهري بين وضع الهمزة عندما تكون على الألف، ومكانتها عند أهلها عندما يتدحرج بها الحال فتقع على الأرض. وسأل احد أعضاء لجنة المناقشة عن المكانة التاريخية للهمزة في كلمة 'المسؤولين'.. فالشوام يضعونها على الواو، والمصريون يضعونها على نبرة، وأجاب مشكورا بأن الصواب أنها على نبرة.. وسعدت بهذه المعلومة الجبارة.. نسيت احاطة سيادتكم علما ان رسالة 'عبود' كانت في الأدب العبري!
ما علينا، ففي اليوم التالي لبرنامج 'رولا خرسا' استمتعت بتقرير أعده 'عمرو عبد الحميد' لفضائية 'بي بي سي' عن معبد 'موسى بن ميمون'.. رفض ضابط الشرطة السماح للكاميرا بالاقتراب من المعبد 'الكنيس'، لكنه مع ذلك كان تقريرا وافيا، تطرق الى غياب المسؤولين المصريين عن عملية الافتتاح، وتحدث 'محمد عبود' بألم عن قيام السفير الإسرائيلي بعملية الافتتاح، مع أن هذا أثر مصري، لا شأن لإسرائيل به.
بعد ذلك أعلن القوم في وزارة الثقافة ان سبب غيابهم راجع الى احتجاجهم على استدعاء السفير الإسرائيلي للقيام بعملية افتتاح هذا الأثر المصري، وتكفلت ميزانية الدولة المصرية بترميمه.
وقبل أيام أعلن رئيس المجلس الاعلى للآثار زاهي حواس، ان مصر لم تقم بالافتتاح رسميا لقيام الإسرائيليين بأعمال تخدش الحياء العام بداخله، وتسيء الى مشاعر المسلمين.. يقال إنهم رقصوا وشربوا الخمر.. كأنها حفلة لافتتاح ملهى ليلي.
المشكلة في هذا كله أن أحدا من السادة المسؤولين لم يتحدث عن 'السيادة الوطنية'، مع ان السفارة الإسرائيلية تجاوزت في حق مصر، فقط بدا المسؤولون في حالة عتاب، وقديما قيل ان ضرب الحبيب كأكل الزبيب.
عموما أتوجه بهذا النداء لأولاد الحلال: من يعثر على 'السيادة الوطنية' عليه أن يسلمها لذويها، ويحافظ على عذريتها وله الحلاوة.
شارع الكسار
حمى برنامج '90 دقيقة' على قناة 'المحور' شارع الفنان 'علي الكسار'، من محاولة رئاسة الحي الذي يتبعه الى تغييره الى اسمه القديم 'شارع الجينينه'، مع ان التغيير جري قبل سنوات كثيرة لا اعرف عددها، فمنذ ان نزحت من الصعيد في صيف سنة 1987 واسمه شارع 'علي الكسار.. الجينينه سابقا'..
لكن من الواضح ان 'الجينينه' انتبهت مؤخرا 'وأخذت على خاطرها'، او على حد تعبير الناقدة المرموقة ماجدة خير الله 'زعلانة'، والتي قالت في '90 دقيقة': هي الجينينه زعلت؟
واضح أنها زعلت، وشعرت بالقهر العاطفي بعد ان تم تغيير اسم الشارع الى 'علي الكسار' ربما كانت'مغميا' عليها طوال السنوات الماضية ولما فاقت ووجدت الحال على هذا النحو انتابتها حالة من الغضب المبطن بالعشم، ولان القائمين على الحي قلوبهم رقيقة فقد تحركوا لإرضائها.
عدسة برنامج '90 دقيقة' رصدت عملية التغيير، وموظفو الحي قالوا لمندوبة البرنامج ومن معها انتظروا فسوف يتم إعادة اسم 'علي الكسار' مرة أخرى، وانتظروا، وذهب موظفو الحي ليعودوا باللافتات لكنهم لم يعودوا. مسئول من الحي أعلن عبر الهاتف أن التغيير لم يحدث، ولم يصدقه احد، فمن الواضح انه تراجع.
والمشكلة ان الاسم الجديد القديم لا يمثل أي قيمة، لكن من الواضح أن الموظف البيروقراطي العتيد بالحي، لا يمثل له قامة فنية بحجم 'علي الكسار' قيمة أيضا!
قبل سنوات زار جاك شيراك القاهرة، ولأنه قرر زيارة السفارة الفرنسية، والتي تقع في شارع مراد بالجيزة، فقد فاجأ المحافظ الجميع بلافتات تشير الى ان هذا الشارع اسمه 'شارل ديغول'.. لا يزال هذا اسمه الى يومنا هذا.
ومؤخرا قام محافظ الدقهلية بإزالة حديقة في مدينة المنصورة تحمل اسم الدكتور محمد غنيم احد رواد جراحة الكلى، وهو قيمة علمية كبرى، لكنه أعلن مؤخرا تأييده للدكتور محمد البرادعي مرشحا لرئاسة الجمهورية فغضبت عليه المحافظة.
المحافظ قرر بناء عمارة مكان الحديقة. وفي منطقة الزاوية الحمراء 'شرق القاهرة' بنيت مستشفى حملت اسم 'جيهان السادات'، وعقب وفاة الرئيس الراحل، تم هدم المستشفى وإعادة بنائها مع أنها حديثة، ليكتشف الجميع ان الهدف هو تغيير اسمها.. إذا لم يأت جمال مبارك رئيسا تُرى كم منشأة حكومية ستحتاج إلى إعادة بنائها بهدف تغيير الاسم؟!
مثلي يتفهم تغيير اسم شارع مراد إلى شارل ديغول، فالنفاق السياسي مفهوم ومبرر، كما أتفهم إزالة حديقة الدكتور غنيم لأنه تمضمض باللبن الحليب وخرج على إجماع الأمة، لكن ما لم أتفهمه هو تغيير اسم شارع 'علي الكسار' إلى شارع 'الجينينه'، مع ان 'الجينينه' لم تشتك، ولم تأخذ على خاطرها، كما أنها لم تزعل، او كما قالت 'ماجدة خير الله' في برنامج '90 دقيقة'.
مبادرة السلام
لم تجد قناة 'الجزيرة' حرجا في ان تنقل صورة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية وتنسبها للفضائية المصرية، وذلك في المؤتمر الصحافي الذي عقده، وأعلن فيه ان جماعة الخير أعضاء لجنة مبادرة السلام العربية وافقوا للسلطة الفلسطينية بالدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي.
عندما وقع العدوان الأمريكي على أفغانستان، لم تجد 'سي إن إن' بكل تاريخها حرجا في ان تنقل عن قناة 'الجزيرة'، لكن التلفزيون المصري اعتبر ان النقل يمكن ان ينال من اعتباره بحسبانه التلفزيون الرائد في المنطقة، فنقل مادة 'الجزيرة' نقلا عن 'سي إن إن'، ليظهر عندنا 'لوغو الجزيرة'، و' لوغو' المحطة الأمريكية، الأول توجد محاولات لطمسه، مما حول شاشة تلفزيوننا الرائد إلى ساحة عمليات لحرب البسوس.
'سي ان ان' كانت تترجم الى الإنكليزية، ما تبثه 'الجزيرة'، و'الفضائية المصرية' كانت تتولى ترجمة ما تبثه 'سي إن إن' من الإنكليزية الى العربية، فيحدث تداخل في الأصوات بين القنوات الثلاث.
ليس هذا كله مهما، فالمهم انني شهدت عمر موسى بعيني اللتين سيأكلهما الدود بعد عمر طويل (مع ان الصوفية يقولون ان الدود لا يأكل أعين أولياء الله الصالحين من أمثالي) وهو يقول ان مبادرة السلام ماتت خلاص.. وذلك عقب الاعتداء الإسرائيلي على غزة. الآن تبين ان مبادرة السلام لا تزال 'حية تسعى'، يبدو أنها كالقطط بسبعة أرواح.
أرض جو
في أسبوع واحد شاهدت مصباح قطب، وناديا ابو المجد، واحمد حسن الشرقاوي، في برنامج 'صباح دريم'، الأمر الذي يؤكد ان القائمين عليه بصدد التخلص من ضيوفه الذين يأتون اليه وهم نيام، والذين يذكروننا بالمسلسل التلفزيوني 'عيون' عندما كان بطله الراحل فؤاد المهندس يمشي وهو نائم.
اتهمني أحد المعلقين بما كتبته نقدا لقناة 'الساعة' بتقطيع أواصر الأمة.. وها القيادة الليبية تغلق 'الساعة'، فهل بالقياس يكون من اتخذ قرار الإغلاق كمن أكل لحم الأمة ميتا فكرهتموه؟!