إشتهر العرب قبل الإسلام بحفنة من الأخلاق التي عززها الإسلام و رسخها بل جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم من فضائل الأعمال ( إنما بٌعثت لأتمم مكارم الأخلاق) و منها على سبيل المثال الكرم و الشهامة ومنها الثلاث البيض هي واجبات مقدسة عند أهل البادية وتعني بياض الوجه لمن قام بتأديتها على أكمل وجه وحافظ عليها ، ويستبيحون من يمسها أو ينكص بها وهي ثلاث
* الطنب السابح :
أي طنب الخيمة الممدود الملازم لها وهذه كناية عن الجار القريب كالخيمة وطنبها ، والمقصود هنا هو وجوب المحافظة على الجار والدفاع عنه والأخذ بثأره إن قتل، وهذه من عادات العرب التي يحرصون عليها بشدة وعندما جاء الاسلام ثبتها وأكد عليها قا ل رسو ل الله صلى الله عليه وسلم : ما زا ل جبريل يو صيني با لجا ر حتى ضننت انه سيوّرثه.
* الضيف السارح :
وهو الضيف الذي نزل على أحدهم وأكل عنده من زاده ثم سرح راحلا فله حق الحما يه لمدة ثلا ث أيا م فإن قتل أو تعرض لأ ي مشكله كان في حما ية البيت الذي قا م بأ ضا فته . ويتو جب هنا على صا حب البيت المطا لبه بثأ ره وقتل قاتله أو قتل أحد أقرباء القاتل وجها لوجه أو غدرا فلا قيود عليه في طريقة الأخذ بالثأر ، قال رسو ل الله صلى الله عليه وسلم : من كا ن يؤمن بالله واليو م الا خر فا ليكرم ضيفه.
* خوي الجنب :
أي الرفيق في السفر وأهل البادية يعتبرون أن من سار معك سبع خطوات يصبح خوي تجب حمايته والدفاع عنه فلا يتخلى عنه حتى الموت فأ ن ما ت دفنه وان قتل أخذ بثأ ره . و هذه الأخلاق التي أٌشتهر بها العرب على مدار تاريخهم حتى أصبحت تلك الأخلاق لصيقة بهم وحدهم حتى إذا ذٌكرت صفة الشهامة و الهبًة لنصرة المظلوم ذٌكر حلف الفضول الذي شارك فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة و الذي قال فيه (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت .
تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها ، وألا يعز ظالم مظلوما) . و في الكرم إذا ذٌكر الكرم ذٌكر حاتم الطائي . و هذا النوع من العرب بكل هذه المقومات هو الذي ألفه التاريخ و ألفته البشرية كلها و أشك أن أدران المدنية نخرت فيه و جعلته على و شك الانقراض و المتأمل لواقعنا الآن يشعر أنه إنقرض بالفعل هذا الإنسان العربي الأصيل بكل ما سبق ذكره من خصال .
وما يحدث الآن في المنطقة العربية لجدير بإستنفار الأمة العربية و الإسلامية لصد هذا الهجوم الغاشم فالكارثة اليوم ليست على غزة وحدها التي تقف في وجه أعتا قوى الشر وحيدة بل إن المتأمل لوضع المنطقة كلها على شفا حفرة من النار فبتحليل سريع للموقف قٌبيل إجتياح غزة الأخير فيما يٌعرف ب( عملية الشتاء الساخن ) نرى أمريكا أرست المدمرة كول فرب سواحل لبنان و الإرسال في طلب بارجتين حربي بٌعيد تصريح حسن نصر الله بيوم واحد و وعيده لإسرائيل إذا أقدمت على توجيه ضربة للبنان وفي نفس الأثناء محاولة أمريكا تأليب الرأي العام العالمي خاصة العربي ضد إيران ثم محاولة أخرى لحشد الرأي عام مضاد لسوريا بذريعة أزمة الاستحقاق الرئاسي اللبناني و تهديد بعض الدول العربية و في مقدمتها مصر و السعودية بمقاطعة القمة المقرر عقدها في دمشق إذا لم تٌحل أزمة الاستحقاق الرئاسي اللبناني وفي نفس الوقت عودة أزمة الرسوم الدنمركية المسيئة للرسول صلى الله عليه و سلم مرة أخري و قبل هذا بفترة ليست بالقليلة نشر تقرير فينوجراد الخاص بحرب إسرائيل الأخيرة على لبنان .
كل هذا لا يمكن إغفاله في الحديث عن غزة و الهولوكست الفلسطيني كما سماه بعض قادة دولة الكيان الصهيوني . و بتحليل هذه الأحداث مجتمعة يتضح أن هناك مأزق يعيشه كل من بوش في نهاية فترة رئاسته الذي لم يٌحقق نجاح واحد يٌحسب له في حياته الرئاسية ففشله يطارده في العراق و أفغانستان و استعداء العالم كله ضد السياسية الخارجية للولايات المتحدة ناهيك عن بوادر إنهيار إقتصادي تتعرض له الولاياتالمتحدة و ألمرت الذي فشل في كل شئ فهناك أزمة إقتصادية طاحنة تمر بها دولة الكيان الصهيوني خلفت أعداد غفيرة من العاطلين زيادة العجز في الموازنة العامة ناهيك عن الهزيمة الساحقة لجيشه على يد حزب الله و إفتضاح ذلك في تقرير فينوجراد مما أضر بسمعة قوة الردع الإسرائيلي فلم يعد الأمن يرفرف على عمق دولة الكيان حتى تل أبيب العاصمة لم تعد بمعزل عن صورايخ المقاومة ناهيك عن الوجود الهش لبعض الحكام في المنطقة الذين يصلون تجاه واشنطن و يأتمرون بأمر سيدهم و بالتالي لابد من فعل شيء لتحقيق أي نجاح مهما كان الثمن و سيتم ذلك عن طريق:
1- إستنفار مشاعر المسلمين بعيداً عن المنطقة كلها و ذلك بإستعمال اللوبي الصهيوني في الدنمارك في إثارة جديدة للرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم و بالفعل تم المراد و أٌستنفرت جموع المسلمين في العالم أجمع.
2- تصريح غريب من بعض العملاء الخونة في المنطقة يمثل الشرارة التي تشعل الحرب في المنطقة و هذا يسير جداً ففي رام الله أطلق الرئيس الغير شرعي محمود عباس تصريحاً خطيراً و يتحدث فيه عن تغلل تنظيم القاعدة في قطاع غزة . و من الرياض يعلن الرئيس المصري و معه عاهل المملكة العربية السعودية مقاطعتهم للقمة العربية المزمع عقدها في دمشق إذا لم تتخلى دمشق عن موقفها المعوق لإنتخاب رئيس لبناني . و الهجوم على صواريخ حماس .
3- إذن الجو مهيأ الآن لجلب المدمرة كول قبالة السواحل اللبنانية و الحديث عن استقطاب بارجتين حربيتين لمنطقة الشرق الأوسط .
4- بعد توفير هذا الدعم المعنوي و المادي لدولة الكيان الصهيوني إذن لا سبيل أمام جيش العدو سوى إفتراس غزة فلتكون عملية الشتاء الساخن و تيدأ بداية شرسة جداً فتٌخلف ما يزيد على 130 شهيد ثٌلثهم من الأطفال و النساء و أكثر من 400 جريح كل هذا حدث في أقل من أسبوع واحد قبل إعلان جيش الإحتلال الإنسحاب من غزة أمس الأول معلناً هزيمته أمام قوة المقاومة .
و في هذه الأثناء و على مدار ما يقرب من الأسبوع غاب عنا هذا الإنسان العربي الذي ألفناه و ألفه التاريخ و تم ذلك في مسلسل مشين فتواطأت كل الأنظمة العربية على نفسها أولا قبل التواطؤ على الشعب الفلسطيني الأعزل فغيبت شعوبها في قضايا تافه لا طائل من ورائها فكيف الحديث إذن عن الأمن القومي العربي وهناك بوارج و مدمرات تخوض مياهها الإقليمية و أقمار تجسس و قواعد عسكرية منتشرة في ربوعها دون رادع و بهذا الغباء تتعامل تلك الأنظمة التي أقل وصف لها هو الخيانة و العمالة للأعداء فقد سلمت المنطقة كلها على طبق من فضة لعدو غاشم فلم نرى موقف رسمي واحد يشجب أو يٌدين هذه الاعتداءات ومواجهة هذا التهديد السافر للسيادة العربية على أراضيها و يذكرني منظر المدمرة كول بالفتوة الذي يجعل زميله يضرب طفل صغير و يقول لمن يريد التدخل إياك حد يقرّب .ومع هذا المشهد المستفز نرى الحديث عن المبادرات و استعطاف العدو و وعده بوقف إطلاق الصواريخ مقابل وقف إطلاق النار أو حتى خط إغاثي للدعم اللوجيسي بل وجدنا قمع التحرك الشعبي فلم نسمع خروج تظاهرة شعبية واحدة لدعم أهلنا في غزة دون قمع من قوات أمن الأنظمة اللهم إلا يتيمة خرجت في نواكشوط .
فعلى سبيل المثال في مصر تحول عشرات الطلبة في الجامعات المصرية ممن خرجوا في مسيرات لدعم غزة لمجالس تأديب و معظمهم ينتظر الآن قرارات الفصل من جامعاتهم . و هنا سؤال هل الإنسان العربي بالمعنى الذي ذكرناه في البداية المألوف للدنيا كلها انقرض أم أصبح من النوع الأليف الذي تخلى عن عروبته و عزته و شهامة في غوث المستضعفين فأصبح ضعيف الجانب فلا يٌجير من لاذ به و أدخل سيفه في غمده فلا يٌخرجه إلا لاستباحة عرض أو مال أخيه أو حتى دمه . أم أن هذا الإنسان كالأسد في عرينه ينتظر بزوغ الفجر حتى يخرج و يقتص من ممن ظلمه فنحن لا نريد إلا هذا الإنسان بكل هذه المقومات فالأيام القادمة حٌبلى بالأحداث و تنتظر هذا الإنسان العربي المألوف لا تنتظر غيره .