يحمل الحشد العسكري البحري الأمريكي “يو إس إس كول” و”أخواتها” في الطريق، قبالة السواحل اللبنانية أكثر من احتمال وكلها تدل على أن هناك شيئاً خطيراً يجري ترتيبه للمنطقة إما ضد لبنان أو ضد سوريا أو ضد قطاع غزة وبتنسيق أمريكي “إسرائيلي” واضح وموافقة غربية،خصوصاً بعد إعلان فرنسا تفهمها للخطوة الأمريكية. فالسفن الحربية الأمريكية تمثل قوة قتالية هجومية تضم آلافاً من المارينز مع أسلحة متطورة، خصوصاً تلك المضادة للصواريخ، وفي موازاة ذلك تقوم “إسرائيل” بحشد مكثف لقواتها في الشمال والجنوب، وتجري مناورات عسكرية واسعة في أكثر من موقع وتهيئ الملاجئ، مستفيدة من فشل عدوان يوليو/ تموز 2006 على لبنان. بل لعل اصرار الولاياتالمتحدة على وقف التغلغل العسكري التركي في شمال العراق فوراً، وانسحاب القوات التركية من هناك يحمل علامة استفهام حول أسباب ذلك وعلاقته بما تحضر له مع “ إسرائيل”، التي زادت جرعات ارهابها وتعمل مستميتة لاستعادة “قوة الردع” المفقودة، خصوصاً من الآن وحتى شهر مايو/ أيار المقبل، موعد الذكرى الستين لاغتصاب فلسطين قد أكدت مصادر في واشنطن خطورة التحرك الأمريكي الأخير بإرسال المدمرة “كول” وعدد من قطع البحرية تتضمن قوة قتالية تضم 2800 جندي من المارينز إلى السواحل اللبنانية. أضافت المصادر ان حجم القوة التي تم ارسالها وتوقيت ارسالها ونوعيتها أيضاً تعكس توجهات ليست جديدة على ادارة بوش،بمعنى الاستمرار في سياسة التعامل بقوة الردع العسكري. وعلمت “الخليج” ان هناك سيناريوهات تعكس واقع التحرك الأمريكي على الأرض، وهي سيناريوهات هدفها دعم “إسرائيل” في حالة اتخاذها قراراً باجتياح غزة للقضاء على حركة “حماس”، ويكون التواجد الأمريكي في هذه الحالة لحماية “إسرائيل” من احتمال تدخل حزب الله في هذه الحالة. أما السيناريو الآخر فهو عكسي، أي أن تقوم “إسرائيل” بعد أن تشغل الرأي العام في غزة بالعدوان على لبنان ومهاجمة حزب الله بهدف كسر شوكته نهائياً، في ظل توفير الولاياتالمتحدة الحماية اللازمة ل “إسرائيل”، ودليل ذلك حرص الولاياتالمتحدة على إرسال أنظمة دفاعية متطورة مضادة للصواريخ الصغيرة لا سيما تلك التي يصل مداها الى عمق “اسرائيل” وسبق لحزب الله ان استخدمها في دفاعه خلال عدوان تموز2006 على لبنان. وكانت مصادر في واشنطن قد أكدت أن المدمرات الأمريكية التي ستحرص على البقاء في المياه الاقليمية الدولية أمام السواحل اللبنانية وغير بعيدة عن سواحل سوريا، لن تكون في مرمى البصر بل على بعد يصل الى 3 كيلومترات، وهذه المدمرات مزودة بنظام “ايجاس” وهو نظام دفاعي مضاد له القدرة على اصطياد الصواريخ طويلة المدى وأيضا قصيرة المدى، ومماثلة لتلك التي في حوزة حزب الله، وهو ايضا ذات النظام الذي استخدمته الولاياتالمتحدة في اسقاط قمر التجسس الاصطناعي في الفضاء قبل حوالي الاسبوع. وكانت الاوامر الامريكية العسكرية قد صدرت للمدمرة “كول” والمدمرات المرافقة لها في 19- 20 فبراير/شباط المنصرم، أي قبل أكثر من عشرأيام، بالتوجه الى البحر المتوسط وبحر العرب من قاعدة نورفولك البحرية على الاطلسي التي تبعد حوالي 3 ساعات من العاصمة الامريكية. وهكذا تكون امام السواحل اللبنانية المدمرة “كول” وهي حاملة للصواريخ (كروز) الموجهة، والتي صدرت لها الأوامر الثلاثاء الماضي بالتوجه من مالطا الى السواحل اللبنانية، ومعها سفينتا تموين وقود اضافة الى سفينة إنزال برمائية هجومية هي السفينة “ناسو u.ss” ومعها 6 سفن مرافقة تحمل قوة قتالية يبلغ عددها 2800 من جنود المارينز، وستكون لدى هذه القوة الامريكية القدرة على حمل أعداد من الطائرات المقاتلة. وإضافة لهذه القوة تم إرسال مدمرتين هما “روس” و”بالكلي” وبارجة “بحر الفلبين” وغواصة هجومية تسير بالطاقة النووية (ألباني). في ذات الوقت، لفتت مصادر في واشنطن الى ضرورة إدخال قرار تركيا بوقف عملياتها في شمال العراق في تحليل الموقف العام، لا سيما أن على الأراضي التركية قاعدة انطلاق جوية عسكرية امريكية. وكانت قيادة القوات الامريكية في قاعدتها في شتوتجارت في ألمانيا قد سحبت بيانا صحافيا بعد وقت قصير من إصداره، بعد أوامر جاءتها من “ البنتاجون” وغير معروفة الى الآن تفاصيله. ولم يتسن ل “الخليج” الوصول الى السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى والموجود حاليا في دمشق لسؤاله عن سير التحضيرات للقمة العربية في ظل التحركات الأمريكية الأخيرة، إلا أن مصادر دبلوماسية عربية في واشنطن أكدت خطورة الوضع وتمسك سوريا بعقد القمة العربية والتي لن تكون فقط مخصصة لموضوع لبنان، بل ستبحث الوضع في غزة. ورفضت المصادر العربية التعليق على ما إذا كانت واشنطن قد أبلغت الدول العربية الكبرى بتحركاتها الأخيرة في المنطقة. وأشار سفير دولة عربية في واشنطن ل “الخليج” الى قناعة بلاده بأن التحرك الأمريكي الأخير، رغم شكله الخطر يمكن أن يكون في إطار عملية عرض العضلات. يذكر أنه سبق للولايات المتحدة أن تدخلت عسكرياً في لبنان مرتين، الأولى العام 1958 لدعم الرئيس اللبناني آنذاك كميل شمعون، ثم العام1982 حيث تم إنزال أمريكي آنذاك وتعرضت قاعدة عسكرية أمريكية قرب مطار بيروت لعملية انتحارية أدت الى مصرع عشرات الجنود الأمريكيين. وبالتزامن مع إعلان الولاياتالمتحدة أنها حركت المدمرة “يو إس إس كول” الثلاثاء الماضي من مالطا إلى قبالة الشواطئ اللبنانية، في خطوة قالت إنها للتذكير بوجودها العسكري والإبقاء على نشاطها الدفاعي، أفيد أمس بأن الجيش “الإسرائيلي” يشهد حالة تأهب في المناطق الشمالية المحاذية لجنوب لبنان غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب العدوانية التي شنها في صيف 2006 على لبنان، وأن أجهزة الدفاع المدني في الكيان أبلغت السكان في مناطق الشمال أن جميع الملاجئ ستكون جاهزة لحرب في العاشر من الشهر الحالي، ووزعت قائمة بأماكن هذه الملاجئ. وذكرت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام الرسمية أنه مع وصول “كول” تحركت قوات “إسرائيلية” أمس في محاذاة السياج الحدودي على امتداد القطاع الشرقي في جنوب لبنان، وأن وفدا من كبار الضباط في جيش الكيان قام بجولة ميدانية في المنطقة الممتدة من مستعمرة المطلة غربا حتى الطرف الجنوبي من جبل الشيخ شرقا، وأن عشرات الآليات والمدرعات وناقلات الجند المدرعة “الإسرائيلية” شوهدت في المنطقة . وفوجئت الأوساط اللبنانية في قوى الموالاة والمعارضة بالخطوة الأمريكية، وسارع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أمس إلى الطلب من القائمة بالأعمال الأمريكية ميشال سيسون الحضور لاستيضاحها بشأن الأمر، وقالت له إن تحركات السفن الأمريكية “روتينية”. وصرح السنيورة أمام السفراء العرب في بيروت في مقر رئاسة الحكومة أنه لا دور إطلاقا لحكومته في استدعاء أي بوارج أمريكية إلى لبنان، وأكد أنه ليس في المياه الإقليمية إلا سلاح البحرية اللبنانية وقوات الأممالمتحدة “يونيفيل”، وشدد على رفض الحكومة أن يكون لبنان ساحة لصراعات القوى الإقليمية والدولية . وفيما قالت مصادر في قوى الأكثرية اللبنانية إنه لم يكن لديها علم بالخطوة الأمريكية، ودعت المعارضة إلى عدم إدخال المسألة في سياق السجال السياسي، قال حزب الله على لسان النائب منه حسن فضل الله إن الخطوة الأمريكية تصعد التوتر في لبنان، وتهدد الاستقرار فيه، وانها تشكل “ تدخلا عسكريا” بعد أن كان التدخل الأمريكي سياسيا، ورأى أن واشنطن اعتمدت سياسة إرسال البوارج لدعم من سماها “جماعتها”، وأكد أن حزب الله لا يخضع للتهديد والتهويل العسكري الذي تمارسه أمريكا لفرض “هيمنتها ووصايتها” على لبنان. واستهجنت قوى وفاعليات لبنانية وطنية وإسلامية واسعة الخطوة الأمريكية، وطالبت الحكومة برد قوي عليها. وقد رفض المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض جوردن جوندرو ما سماها “مخاوف حزب الله”، وقال إن هناك مخاوف لدى الولاياتالمتحدة حيال تحركات حزب الله، وأوضح أنه لن يضيف شيئا على قوله هذا. وتفادى أيضا الإجابة عن أسئلة تتعلق باستدعاء السنيورة القائمة بالأعمال الأمريكية في بيروت ميشال سيسون للحصول على “توضيحات” بشأن إرسال “كول”، وأضاف “نجري مشاورات منتظمة مع السنيورة وحكومته، وكذلك مع حلفائنا في المنطقة وأوروبا حول الوضع في لبنان”، وقال“ثمة تواصل دائم على مستويات عدة، ووجود سفن البحرية الأمريكية في شرق البحر المتوسط يهدف إلى تأمين دعم للاستقرار الإقليمي”، وأفاد أن الولاياتالمتحدة تشاطر السنيورة الرغبة في معالجة الوضع في لبنان، وأن يتم هذا الأمر على يد اللبنانيين . وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية توم كيسي أن تحرك المدمرة كول إلى قبالة الساحل اللبناني “مجرد تذكرة بأننا موجودون هناك”، وأضاف “علينا التزام طويل الأجل بالسلام والاستقرار هناك، ولن نذهب إلى أي مكان، وننوي الإبقاء على وجود دفاعي نشط جدا هناك”.