التضامن الاجتماعي: نستهدف حوكمة إجراءات الأسر البديلة الكافلة بالتنسيق مع الجهات المعنية    قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تواصل تنفيذ الأنشطة والفعاليات لدعم المجتمع المدنى    التعليم العالي: مكتب التنسيق الإلكتروني للقبول بالجامعات والمعاهد لجميع الشهادات يباشر أعماله هذا العام من جامعة القاهرة    سعر الدولار السبت 10-5-2025 أمام الجنيه المصرى يستقر عند 50.67 جنيه للبيع    المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 13.5% خلال ابريل    شعبة مستأجري عقارات الإيجار القديم: نرفض بند الإخلاء بعد 5 سنوات    بعد عملية عسكرية على الهند.. باكستان تنفي تحديد موعد لاجتماع هيئة نووية عليا    باكستان: واشنطن الوحيدة القادرة على تهدئة التصعيد مع الهند    إعلام عبري: إسرائيل تعتزم توسيع هجماتها باليمن وضرب أهداف بإيران    7 شهداء بينهم عائلة كاملة بقصف إسرائيلي على مدينة غزة الفلسطينية    باكستان: واشنطن الوحيدة القادرة على تهدئة التصعيد مع الهند    وزير الخارجية السعودي يبحث مع نظيريه الهندي والباكستاني جهود إنهاء المواجهات العسكرية    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    مواعيد مباريات اليوم السبت 10 مايو والقنوات الناقلة    هل أصدرت الرابطة قرارا بتأجيل مباراة القمة 48 ساعة؟.. ناقد رياضي يكشف مفاجأة (فيديو)    جوارديولا يعترف: هذا أصعب موسم في مسيرتي    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    درجات الحرارة تتخطى ال40.. استمرار الموجة الحارة في البلاد والأرصاد تعلن موعد انكسارها    دعوة لتأهيل الشركات المصرية والعالمية لمشروع إدارة وتشغيل وصيانة حدائق "تلال الفسطاط"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    كيف تؤثر موجة الحر على صحة العين؟.. نصائح للوقاية    لأصحاب الخمسينات.. 3 طرق للتخلص من المشاكل المعوية    منة وهنا وأسماء وتارا.. نجمات يسيطرن على شاشة السينما المصرية    ثنائيات سينمائية تشعل شباك التذاكر في 2025    ريشة «الفلافلي» حائرة بين الراهب وآدم وحواء    الرئيس السيسي: أشكر بوتين على كرم الضيافة وأهنئ الشعب الروسي بعيد النصر    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    أسعار الخضروات والأسماك اليوم السبت 10 مايو بسوق العبور للجملة    اليوم.. بدء الموجة ال 26 لإزالة التعديات على أراضي الدولة    روبيو يحث قائد الجيش الباكستاني على وقف التصعيد مع الهند    مشجع أهلاوي يمنح ثنائي البنك مكافأة خاصة بعد الفوز على بيراميدز    45 دقيقة تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 10 مايو 2025    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة سوهاج لجميع المراحل الدراسية    "جميعها حالات اختناق".. إصابة 11 جراء حريق قويسنا بالمنوفية (صور)    حبس لص المساكن بالخليفة    الصحة تكشف 7 فوائد للاهتمام بالحالة النفسية للأطفال    نشرة التوك شو| البترول تعلق على أزمة البنزين المغشوش.. وتفاصيل جديدة في أزمة بوسي شلبي    بعد 8 ساعات.. السيطرة على حريق شونة الكتان بشبرا ملس    شعبة الأجهزة الكهربائية: المعلومات أحد التحديات التي تواجه صغار المصنعين    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    فاليكانو يضع بالماس على حافة الهبوط    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    تعرف على منافس منتخب مصر في ربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    فخري الفقي: تسهيلات ضريبية تخلق نظامًا متكاملًا يدعم الاقتصاد الرسمي ويحفز الاستثمار    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"شجاعة" فياض و"ذرائع" عباس / عبد الباري عطوان
نشر في محيط يوم 10 - 02 - 2010


"شجاعة" فياض و"ذرائع" عباس


* عبد الباري عطوان

عبد البارى عطوان رئيس تحرير القدس
المشهد الفلسطيني يحفل دائماً بالمفارقات والمواقف الغريبة التي تستعصي على الفهم، ولكن الأيام القليلة الماضية شهدت مسألتين رئيسيتين لا يمكن تجاهلهما: الأولى خطاب الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني أمام مؤتمر هرتزيليا الإسرائيلي، والثانية توجه السلطة الفلسطينية في رام الله للقبول بالعرض الأمريكي بإجراء مفاوضات غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي.

الآراء اختلفت حول خطاب الدكتور فياض بين معارض، وهؤلاء هم الأغلبية، وبين مؤيد، وهم الأقلية، لكن اللافت أن بعض الآراء المؤيدة أشادت ب"شجاعة" الرجل وجرأته، واتفقت على وصف شمعون بيريس رئيس وزراء إسرائيل له بأنه "بن غوريون فلسطين".


لا نعرف أين الشجاعة في ذهاب رئيس وزراء فلسطيني للحديث أمام مؤتمر صهيوني، يبحث في القضايا الاستراتيجية الأمنية التي تبحث كيفية استمرار "إسرائيل" قوية مستقرة ومتفوقة في محيطها العربي والإسلامي كقوة إقليمية نووية عظمى.

الذين أيدوا الدكتور فياض وخطوته تذرعوا بأنها كانت ضرورية لطرح وجهة النظر الفلسطينية أمام هذا الحشد اليهودي المتميز، وهذا تبسيط ينطوي على الكثير من السذاجة، فهل الإسرائيليون، من أمثال بيريس ونتنياهو، الذين حضروا المؤتمر، وتحدثوا من منبره، يجهلون وجهة النظر الفلسطينية، ويحتاجون إلى الدكتور فياض لكي يعرّفهم بها؟

ألم يتفاوضوا مع الفلسطينيين وسلطتهم لأكثر من سبعة عشر عاماً، جرى خلالها مناقشة كل القضايا من الحدود واللاجئين والمياه والمستوطنات والقدس المحتلة، فما هو الجديد الذي يمكن أن يضيفه خطاب الدكتور فياض الموصوف من مؤيديه ب "الشجاع" في هذا الخصوص؟

نحن أمام محاولة التفاف خطيرة على الشرط الفلسطيني الذي وضعته السلطة ورئيسها للعودة إلى مائدة المفاوضات، وهو شرط تجميد الاستيطان في القدس والضفة المحتلتين، فالدكتور فياض ذهب إلى المؤتمر، والتقى نتنياهو وبيريس ومسؤولين آخرين، في وقت من المفترض أن تتوقف فيه المفاوضات واللقاءات السياسية مع الإسرائيليين.

الدكتور فياض بخطوته "الشجاعة" هذه، وحديثه عن بناء مؤسسات الدولة وبناها التحتية في خطابه، يؤكد التزامه بمشروع "السلام الاقتصادي" الذي يطالب به نتنياهو، ويشرف على تنفيذه توني بلير، مبعوث اللجنة الرباعية، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي شارك في تدمير العراق وقتل مئات الآلاف من أبنائه لخدمة الأهداف الإسرائيلية.

السلام الاقتصادي هو النقيض الأساسي لمقاومة الاحتلال، لأنه يريحه ويطمئنه، ويعفيه من كل التزاماته الدولية والقانونية، ويلهي الشعب الفلسطيني عن قضاياه الجوهرية الأساسية التي فجر ثورته وانتفاضاته من اجل تحقيقها.


* * *

الأصل في المسألة أن لا يرتاح الاحتلال، وأن يدفع المحتلون ثمن احتلالهم، ومصادرتهم لحقوق شعب آخر، ونهبهم لثرواته، ومن المؤسف أن جهود الدكتور فياض لا تصب في هذا الهدف، ولهذا تنهال عليه معلقات المديح من قبل بيريس ونتنياهو، وبما يشجعه قدماً على السير في المخطط نفسه، ولا غرابة أنه الآن يسيطر على أهم ثلاثة أسباب للقوة، الأول الأمن (شرطة دايتون) والثاني المال (جميع أموال الدول المانحة تتم من خلال قنواته)، والثالث الإعلام (أصبح تلفزيون فلسطين الرسمي ومعظم الصحف تخضع لرجالاته ودعمه المالي).

لا يجادل أحد في أهمية فرض الأمن، وتنشيط الاقتصاد في مناطق السلطة بحيث تتحسن الظروف المعيشية للمواطن، ولكن شريطة أن يتوازى ذلك مع مقاومة، ولتكن سلمية في الحد الأدنى، ولكن ما نراه حالياً هو استئصال للمقاومة العسكرية وقتل لكل أشكال المقاومة المدنية، مع بعض الاعتصامات المحدودة حول قريتي بلعين ونعلين لذر الرماد في العيون.

وفي الإطار نفسه تبحث السلطة الفلسطينية ورئيسها عن مخارج للعودة إلى المفاوضات مجددا،ً استجابة للضغوط الأمريكية والعربية، وآخرها الانخراط في مفاوضات غير مباشرة، أي أن يجلس الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي في غرفتين منفصلتين، ويتنقل المبعوث الأمريكي بينهما.

المشكلة الأساسية لم تكن مطلقاً في شكل المفاوضات، كونها مباشرة أو غير مباشرة، وإنما في الأسباب الموضوعية التي أدت إلى توقفها، وأبرزها الاستيطان الإسرائيلي، وتمسك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالقدس المحتلة كعاصمة موحدة وأبدية ل"إسرائيل"، ومصادرة حق العودة.


الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يصعد على شجرة حتى ينزل عنها عندما أوقف المفاوضات انسجاماً مع موقف إدارة الرئيس أوباما، الصارم في حينه، بعدم الذهاب إلى المفاوضات إلا بعد تجميد الاستيطان بالكامل في القدس والضفة، وطالما لم تلتزم حكومة نتنياهو بهذا المطلب المنطقي والمعقول الذي يتماشى مع قرارات اللجنة الرباعية والتزامات خريطة الطريق، فعليه أن لا يذهب إلى المفاوضات أساساً، مباشرة كانت أو غير مباشرة.

* * *

نفهم أن يطلب السوريون مفاوضات غير مباشرة عبر وسيط تركي، لأن الظرف السوري مختلف، حيث لا توجد اتصالات أو مفاوضات، ولكن ذهاب الفلسطينيين إلى مفاوضات غير مباشرة، وهم يمثلون سلطة انبثقت من رحم الاحتلال، وتتعامل معه بشكل يومي، بما في ذلك التنسيق الأمني الكامل، فهذه "مزحة ثقيلة" لا تضحك أحداً على الإطلاق.

الأنظمة العربية، والمعتدلة منها على وجه الخصوص، هي التي تضغط على السلطة ورئيسها للعودة إلى المفاوضات دون شروط، بتكليف من الولايات المتحدة، ولذلك فالتشاور معها حول مسألة العرض الأمريكي بالمفاوضات غير المباشرة، معروفة نتائجه مقدماً، ولا يحتاج المرء لكي يضرب بالرمل أو يقرأ الطالع حتى يتعرف على الرد العربي في هذا الصدد.

ندرك جيداً أن ورقة الضغط الأقوى التي تستخدمها الإدارة الأمريكية لإجبار السلطة على العودة إلى المفاوضات هي ورقة المساعدات المالية التي تقدر ب 900 مليون دولار سنوياً، وهي ورقة مهمة لا يمكن الاستهانة بها، ولكن علينا أن نتساءل عما سيكون عليه الحال لو نفذت الولايات المتحدة والدول المانحة تهديدها وأوقفت المساعدات فعلاً، فهل سيستمر سلام الدكتور فياض الاقتصادي، وهل ستظل المستوطنات الإسرائيلية ومستوطنوها ينعمون بالأمان والرخاء مثلما يفعلون حالياً؟

وقف المساعدات يعني انهيار السلطة وعودة "حماس" إلى الضفة الغربية، وربما "القاعدة" أيضاً، فما الذي يمنع من أن تتحول الضفة، وربما المنطقة كلها إلى "يمن آخر" أو "بغداد أخرى" فإذا كان هذا ما يريده الأمريكان والإسرائيليون، فهنيئاً لهم.

شمعون بيريس كان يتوسل إلى الفلسطينيين بوقف "الجنازات" لمدة أسبوع، أثناء الانتفاضة الثانية، حتى يتمكن الإسرائيليون من تنفيذ خريطة الطريق والتقدم في المفاوضات نحو الدولة. الجنازات توقفت في الضفة الغربية منذ عامين ونصف العام، ولم تلتزم "إسرائيل" مطلقاً بخريطة الطريق أو غيرها، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بقتل المطاردين في نابلس وقلقيلية بتواطؤ مع قوات أمن السلطة، ومداهمة رام الله نفسها عاصمة السلطة لاعتقال أبناء "فتح" حزب السلطة.

إذا أراد السيد عباس العودة إلى المفاوضات دون وقف الاستيطان في القدس فهذا شأنه، وعليه أن يحترم ذكاء الشعب الفلسطيني، ولتكن مباشرة، وعليه أن يتذكر في الوقت نفسه أنها قد تكون نهايته، ونهاية ما تبقى له من الحد الأدنى من المصداقية.



*رئيس تحرير القدس العربي
صحيفة القدس العربي اللندنية
9/2/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.