لبنان.. الحرب الممنوعة والسلام المفقود عبد معروف تشير وقائع الأحداث والتطورات السياسية والأمنية في لبنان إلى أن الإدارة الأميركية لم تنجح في السيطرة على لبنان أو ضبط الأوضاع فيه على الايقاعات الأميركية بعد الزلزال الذي انفجر في لبنان منذ اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري والمحاولات الأميركية لاستغلال تلك الجريمة بما ينسجم مع مخططاتها ومشاريعها في المنطقة. فالانسحاب العسكري السوري من لبنان والذي كان هدفا رئيسيا للإدارة الأميركية في عهد الرئيس جورج بوش، والانقلاب اللبناني على السياسة السورية، لم يفلح في وضع حد للأزمة اللبنانية أو ايجاد نظام مستقر تربطه علاقات مباشرة مع الإدارة الأميركية وحلفائها في العالم، ويقف في الصف المعادي لسوريا وإيران ويعمل على تجريد المقاومة من سلاحها. والانسحاب السوري لم يوفر الأمن للبنان، ولم يوفر له الطمأنينة والاستقرار بل ومنذ الانسحاب السوري وقواه الأمنية، شهد لبنان المزيد من تفكك أجهزته الأمنية، ونفذت إسرائيل عدوانا واسعا عام 2006، لم يشهده لبنان منذ عام 1982، وتغلغلت التيارات والقوى الأصولية والإرهابية المتشددة بصورة لم يشهدها لبنان خلال الوجود الأمني السوري فيه. ورغم ان الولاياتالمتحدة تعمل من أجل نشر الفوضى واشعال نار الفتن الداخلية في الدول العربية ومنها لبنان في إطار «الفوضى الخلاقة» للشرق الأوسط الجديد، إلا أنها في حقيقة الأمر تحتاج أحيانا لهدنة أو تهدئة بين الأطراف من أجل فرض شروطها، وتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية وهي تحتاج لهدنة هنا أو هناك خدمة لمشروعها العام في المنطقة. فالإدارة الأميركية التي اشعلت الحرب ونار الفتنة الداخلية في العراق ولبنان وفلسطين، ترى أن من مصلحتها الأساسية اليوم ايجاد مخرج لمأزقها في العراق بعد تصاعد المقاومة والثمن الباهظ الذي بدأ يدفعه الجيش الأميركي وما نتج عن تلك الخسائر من تداعيات داخل المجتمع الأميركي، وهي ترى أن مستقبل المنطقة مرهون بمستقبل الأوضاع في العراق وان مأزقها في العراق هو المأزق الرئيسي الذي يتطلب الحل السريع ولو كان ذلك على حساب ساحات أخرى في المنطقة، من هنا كان الحوار الأميركي الإيراني، ومن هنا كان الحديث عن تقارب أميركي سوري الهدف منه ايجاد مخارج للمأزق الأميركي في العراق رغم المحاولات الإيرانية السورية، لاستثمار ذلك في الملف النووي الإيراني أو في الملف اللبناني. ولا شك ان واشنطن هي اليوم اكثر ما تحتاج لدور إيراني لضبط الأوضاع في العراق ومحاصرة المقاومة فيه، وهي اليوم أكثر ما تحتاج لدور أمني سوري في لبنان يضبط الأوضاع الأمنية ويمهد الطريق للمحكمة الدولية أو تمهيدا لعقد مؤتمر دولي لحل قضية الشرق الأوسط يشارك فيه لبنان بوفد واحد. فالإدارة الأميركية بحاجة اليوم للتهدئة في لبنان والعراق من أجل ايجاد مخرج للمأزق الذي وصلت اليه في المنطقة، وتمهد لعقد مؤتمر دولي أو على الأقل ازالة العراقيل أمام المحكمة الدولية وبعد ذلك «يخلق الله ما لا تعلمون»، وواشنطن التي تتهم دمشق بدعم القوى المتطرفة وقوى المقاومة في لبنان، وتمدهم بالسلاح هي وحدها التي لديها القدرة على تصفيتهم مقابل ثمن سياسي يمكن لواشنطن ان تقدمه لسوريا. الإدارة الأميركية، ومن خلال الوفود التي ترددت في الآونة الأخيرة إلى دمشق تعمل على عقد صفقة مع الحكومة السورية تقوم على منح سوريا دورا أمنيا في لبنان، وعدم ضرب النظام، مقابل دعم سوري للمخططات الأميركية الهادفة إلى اقناع حزب الله بضرورة وقف المقاومة وتحويله إلى حزب سياسي لبناني، ووضع حد لامتداداته الإقليمية مع الساحة الفلسطينية. كما تقوم الصفقة بين دمشقوواشنطن على دعم سوري للسلطة اللبنانية لتجريد المخيمات والفصائل الفلسطينية من سلاحها واخضاعها للقوانين المرعية اللبنانية بما يضمن عدم انتشار القوى الأصولية والإرهابية فيها أو اتخاذها مقرا للفارين من وجهة العدالة كما ترى الحكومة اللبنانية. بعد تصاعد العمليات الحربية في لبنان من معارك مخيم نهر البارد التي بدأت تشهد فصولها الأخيرة، إلى انتشار عناصر تنظيم فتح الإسلام والعمليات التي طاولت قوات الطوارئ الدولية بالاضافة إلى عمليات التفجير والاغتيال التي ليس من المتوقع توقفها في المدى المنظور فإن الإدارة الأميركية ومع تصاعد مأزقها في العراق بحاجة اليوم لدور أمني سوري. الحكومة السورية استطاعت ان تفرض نفسها على الواقع اللبناني مرة أخرى، وقد تكرر هذا المشهد خلال سنوات مضت، في عامي 1976 و1989، عندما انفجرت الأوضاع في لبنان بشكل لم يعد من السهل ضبطها، فمنحت الإدارة الأميركية ضوءا أخضر للحكومة السورية للقيام بدور أمني في لبنان لضبط الأوضاع خدمة لمشروعها العام في المنطقة وتمهيدا للمشاركة اللبنانية بوفد موحد في مؤتمر مدريد. الحكومة السورية عملت على توجيه ضربات للمشروع الأميركي في العراق ولبنان لإجبار واشنطن على الجلوس معها على طاولة الحوار وإعادة المفاوضات على المسار السوري-الإسرائيلي، وقد استطاعت تحقيق ذلك، فقد أكدت للإدارة الأميركية ان سوريا اللاعب الرئيسي على الساحة اللبنانية في ظل الانشغال الأميركي في العراق وعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على اجتياح لبنان ورسم معالمه السياسية مرة أخرى، فالمقاومة في العراق التي ادخلت الإدارة الأميركية في مأزق ليس من السهل الخروج منه، والتطورات التي أوصلت الأوضاع في لبنان إلى ما وصلت إليه، أجبرت الإدارة الأميركية على الوقوف أمام لحظة تأمل وتعديل لبرنامجها اليومي في المنطقة. وبالتالي فإن واشنطن تحتاج لدور أمني سوري لوقف نشاطات التيارات المتطرفة والإرهابية، ولوضع حد لامتدادات حزب الله الأمنية والإقليمية، وتجريد المخيمات الفلسطينية من سلاحها. وإذا كانت الإدارة الأميركية قد استغلت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لتجعل من المحكمة الدولية سيفا مسلطا على رقاب القيادة السورية وحلفائها في لبنان، فإن الرئيس السوري بشار الأسد وكما كان يؤكد دائما من انه على استعداد لمحاكمة ومحاسبة كل من يثبت مشاركته من السوريين في هذه الجريمة، ليس لديه أى مانع للتضحية بأي شخصية سورية إذا ما ثبتت مشاركتها في الجريمة. ما يجري في لبنان، ومحيطه يشير اليوم بوضوح إلى أن مرحلة جديدة وتحالفات جديدة وربما تكون مؤقتة يجري الإعداد لها اليوم لإخراج الإدارة الأميركية من مأزقها مع انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش والخلافات القائمة حول مستقبل الاحتلال الأميركي للعراق والبحث عن سبل الخروج من هذا المأزق، وهي بذلك تعمل من أجل عدم اشتعال حرب في لبنان، وتعمل لمنح سوريا دورا أمنيا في لبنان وفق الإيقاع الأميركي، مما يخفف من حالة الاحتقان ويؤجل إشعال الحرب الشاملة بالتزامن مع عدم قدرة الأطراف الداخلية اللبنانية على الدخول في حروب داخلية شاملة وعدم خروج إسرائيل حتى الآن من المأزق الذي نتج عن حرب يوليو العام الماضي مع مقاتلي حزب الله. لبنان وبموافقة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية سيبقى في حالة اللا حرب الشاملة وحالة اللاسلم الثابتة رغم التصريحات التي تصدر من هنا ومن هناك، بانتظار ايجاد الحلول للمأزق الأميركي في العراق، فمن العراق يرسم الأميركيون خريطة المنطقة ومنها يرفعون من وتيرة الحرب أو يعملون من أجل الهدنة المؤقتة خدمة لمشاريعهم ومخططاتهم. عن صحيفة الوطن القطرية 3/9/2007