هل سيحمل لنا العام الجديد بشائر التغيير في الوطن العربي وفي العالم ؟
* سمير جبور
فيما نحن نودع العام المنصرم ونستقبل العام الجديد، لا يسعنا إلا أن نلتفت قليلا الى الوراء لنجد ان العام الذي انتهى امس حافل بأحداث محبطة كالحروب المستمرة في العراق وأفغانستان وباكستان واستمرار الاحتلال وعمليات التهويد والعدوان في فلسطين، وخصوصا المحرقة الوحشية ضد قطاع غزة. و'عنوان المرحلة هو التهديد والتهويد'.
ويبدو ان العام الجديد لن يكون أفضل بكثير الا إذا أردنا ان نعلل أنفسنا بالتمني والرجاء. وهذه ليست مسألة نفحة تشاؤم او أمنية تفاؤل .. ففي السياسة لا يمكن الاحتكام الى مزاجية الكاتب للحكم على الأمور، وإنما الى وقائع قائمة على الأرض، وحقائق جيوبولوتيكية (جغراسية) تفرض نفسها على كل من يحاول تناول اية قضية بالبحث والتحليل .
واذا تغاضينا عن هذه الحقيقة وسلّمنا جدلا بان التشاؤم يعني تضاؤل الأمل او انعدامه في تحقيق الأهداف المنشودة، وان التفاؤل هو حدوث تطورات ايجابية تقود في الغالب الى تحقيق هذه الأهداف، هنا أتساءل ما هي التطورات الايجابية في الوطن العربي او على الساحة الفلسطينية او حتى في العالم التي تحمل الينا بشائر الأمل او 'التفاؤل'؟ هل حدثت تغييرات نوعية تقود الى الإصلاح او التغيير وتحقيق السلم العالمي؟
ما الذي يجري في الساحة العربية ليبعث في نفوسنا الأمل والرجاء؟
هل نرى غير تفاقم الانقسام الديني والطائفي والمذهبي والعرقي والتفتت والتشتت وازدياد العداء بين الدول العربية وبين بعضها بعضا. انظروا ماذا يجري بين مصر والجزائر؟ انظروا الحرب الدائرة بين السعودية والحيثيين؟ انظروا ماذا يجري في دارفور. وما يكاد خلاف عربي ان ينتهي إلا وينشب خلاف جديد.
وماذا نرى غير التخلّف والحكم الفردي والابتعاد عن الديمقراطية والإصلاح، والتخلي عن القضايا الوطنية، ولا سيما القضية الفلسطينية وكأنها لا تعني الحكام العرب لا من قريب ولا من بعيد، بل أنهم يكافئون إسرائيل كلما تمادت في عدوانها ووحشيتها تارة بالتهافت على التطبيع وتارة أخرى بانتهاج سياسة التضليل والتمييع.
ماذا تغيّر؟
في آذار/مارس 1942 طمأن 'تشرشل' رئيس وزراء بريطانيا رئيس الكيان الصهيوني .'وايزمان' (الذي كان في طريقة الى الولاياتالمتحدة) بخصوص المخطط الأمريكي..البريطاني لإقامة الكيان الصهيوني و دور ((ابن سعود)) في هذا المخطط:
دع ذلك سراً، و لكن في وسعك بحث الأمر مع روزفلت.... فما من شيء يعصى علينا اذا صممنا عليه . أنا السلطان عبد العزيز ابن عبد الرحمن الأفضل السعود اقر واعترف ألف مرة للسير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى لا مانع عندي من إعطاء فلسطين لليهود او غيرهم وكما تراه بريطانية التي لا اخرج عن رايها حتى تصبح الساعة.
(من وثائق الخارجية البريطانية أفرج عنها سنة 1991).
انظروا ماذا يجري على الساحة الفلسطينيةّ؟ماذا نرى غير استمرار الانقسام الفصائلي والاستقطاب والاضطراب والدوران في الحلقة المفرغة ذاتها؟. ففي احد أطراف التجاذب نرى زيادة حدة الاستقطاب وتغليب النزعات المتزمتة على المصلحة الوطنية والاعتراف بفئة واحدة من الشعب وتجاهل الفئات الأخرى.
ناهيك عن إنتهاج أساليب مقاومة عقيمة توفر للمعتدي الصهيوني الذرائع ليطلق العنان لآلته الحربية التدميرية لقتل اكبر عدد ممكن من أبناء الشعب الفلسطيني، وكأنه لا يكفيه الحصار والتجويع والعذاب. ونرى في الطرف الآخر تخبطا وانعدام الرؤيا والتعلق بالسراب وحتى التفريط ببعض المكاسب.
فعلى سبيل المثال ان شخصية نافذة في السلطة عملت على إحباط بادرة أمل ونقطة مضيئة تمثلت في تقريرغولدستون الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة لأول مرة في تاريخها وفي تاريخ الأممالمتحدة. وبحسب مصدر مضطلع ان الأمريكيين (أي الإسرائيليين لأنه عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية لا وجود للأمريكيين) طلبوا من تلك الشخصية تأجيل عرض تقرير غولدستون في مجلس الأمن. وهذا اتصل بأعضاء اللجنة الفنية التي كانت تناقش هذا الأمر في عمان وأمرهم بوقف النقاش لأن الموضوع تقرر تأجيله!
وماذا يجري في العالم الأوسع غير أزمة مالية مفتعلة يقال ان أبطالها هم أساطين المال في الوول ستريت ودهاقنة الحركة الصهيونية التي تسعى إلى إغراق العالم ولا سيما الولاياتالمتحدة في أزمات متواصلة لكي لا تتفرغ لوضع الحلول للمشاكل المستعصية ولا سيما قضية الشرق الأوسط التي تلقي بظلالها على الوضع الدولي والتي لن تجد لها حلا إلا بإجبار إسرائيل عل التراجع عن مخططاتها التوسعية والعدوانية والانكفاء وراء حدودها التي رسمتها الأممالمتحدة .
وهل سيطل علينا العام الجديد بظلال العام المنصرم وظلاماته؟ ام سيحمل الينا بشائر التغيير واستعادة العالم لوعيه والنهوض من هذه السبات الذي يغرق فيه وكأنه خضع لمخدّر شديد المفعول؟
في الحقيقة لا توجد اية دلائل على ان العام الجديد سيكون أفضل من العام الذي سبقه. وليس من المتوقع ان يحدث اي تغيير جوهري في الساحة الدولية ولا في الساحة الشرق أوسطية. فالشعلة التي أضاءها باراك اوباما عندما بشر بالتغيير أخذت تخبو حتى كادت تنطفئ. فبعد دخوله البيت الأبيض بنحو عام تقريبا اثبت انه عاجز او مسلوب الإرادة.
ورويدا رويدا يقدم لنا الدليل تلو الدليل على إجباره على اقتفاء اثر سلفه، سواء بالنسبة لاستمرار الحروب الأمريكية الصهيونية في العراق والباكستان وافغانستان، وربما يجر الى توسيع دائرة الحروب بالسماح لإسرائيل بشن هجوم خاطف ضد إيران.
وربما تنفذ إسرائيل تهديداتها بشن حرب أخرى مدمرة على غزة ليشاهد العالم مرة أخرى المدارس والمستشفيات ومطاحن القمح تحترق وسحب الفوسفور الأبيض تتصاعد فوق رؤوس السكان المدنيين لتحرق الأطفال والنساء والمسنين.
ومن المرجح أن يبقى اوباما عاجزا عن الضغط على إسرائيل لتغيير مواقفها العدوانية المتزمتة والمراوغة والمحركة للحروب العدوانية. بل أخذت الصورة تتوضح لتكشف لنا ان ارتباط اوباما باللوبي الصهيوني أعمق مما توقعّنا.
وقد يشهد العام الجديد استمرار محاولات المحافظة على فزّاعة 11ايلول/ سبتمبر بتنفيذ عمليات بهلوانية من اخراج أجهزة المخابرات. وهذه الحقيقة تلقي بظلها الثقيل على العام الجديد. وعشية حلول العام الجديد شاهدنا تمثيلية أخرى من تمثيليات 11 ايلول/سبتمبر، الشاب النيجيري ابن المليونير الذي قيل انه حاول نسف طائرة أمريكية متوجهة الى ديترويت!
أعمال بهلوانية كهذه ستتكرر لتذكير العالم بان الخطر المحدق به من الشرق الأوسط ليس ناجما عن حروب إسرائيل العدوانية وإنما عن 'الإرهاب العربي الإسلامي'. فاذا ماتت 'محرقة' 11 ايلول/سبتمبر، فكيف يمكن مواصلة اتهام العرب والمسلمين بالإرهاب. فلا بد الا ان تكون هناك فزاعة تستخدمها الصهيونية لتخفي وراءها أعمالها العدوانية.
ماهو التغيير الحقيقي الذي تتطلع اليه الجماهير العربية وحتى شعوب العالم قاطبة؟
عندما تفك الولاياتالمتحدة ارتباطها بالحركة الصهيونية وتلتفت الى مصالحها القومية التي تتطلب التفاهم مع الشعوب عبر التركيز على المصالح المشتركة والوسائل السلمية وليس عبر حروب تعود بالضرر عليها بالدرجة الأولى وعلى البشرية جمعاء. اي عندما تتعامل الدول العظمى مع الشعوب وليس مع ألأنظمة والحكام.
عندما نرى جميع الدول العربية قد تخلت عن مصالحها الذاتية الضيقة واتفقت على إستراتيجية واحدة تهدف الى حماية أمنها القومي بواسطة تسخير طاقتها الهائلة من اجل وضع حد للغطرسة الصهيونية، ومساعدة الشعب الفلسطيني على استرجاع حقوقه. ثم الإقرار بحقيقة ان العرب الذين يملكون وسائل الضغط هم القادرون على إجبار الآخرين على تغيير سياساتهم الاستعمارية الاستغلالية.
ويجب ان نغير ما في أنفسنا اولا حتى نغير الآخرين. التغيير يبدأ من عندنا. فهل ستقدم الدول العربية في مؤتمر القمة المقترح عقده (يوم 27 اذار/مارس المقبل) الى شعوبها هدية العام الجديد وتعلن عن إستراتيجية كهذه؟
عندما تتخلى الفصائل الفلسطينية عن مواقفها المتزمتة المتشرنقة وتعيد اللحمة الى جميع فئات الشعب الفلسطيني بعد أن تعلن المصالحة الوطنية بإلغاء أطرها الحالية التي أثبتت فشلها لتنضوى في اطار تنظيمي واحد وبرنامج وطني ليس له إلا عنوان واحد وهو التخلص من الاحتلال سلما ام مقاومة وتحقيق السيادة الوطنية الكاملة!
فهل يمكن أن تحدث هذه المعجزات لكي نتبارك بعام مشرق يعيد الى البشرية سعادتها والاطمئنان على مستقبلها وعندها نقول كل عام والأمة العربية بخير؟ ولا بد إلا أن نتبارك بالخير .ونحن وحتى وان لا نملك الحاضر ولكن المستقبل لنا .