باكستان إلى أين؟ علي العبدالله تمر الذكرى الستون لقيام دولة باكستان في ظروف محلية وإقليمية ودولية شديدة التعقيد والخطورة على مصير ومستقبل الدولة الباكستانية. فالدولة مهددة من داخلها وخارجها، القريب والبعيد، والسلطة معرضة لضغوط كبيرة وتحديات كثيرة. تأسست الدولة الباكستانية في عام 1947 على أساس ديني (الإسلام)، وقام النظام على أساسين إضافيين: الجيش والتحالف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. وكان مؤملاً أن تضمن الوحدة الدينية، والأيديولوجية الدينية، احتواء وطمس باقي التمايزات والنزعات العرقية والدينية واللغوية. غير أنه مع بداية الخمسينات بدأت تلك النزعات في الظهور بقوة، فقد فشلت الأيديولوجية الدينية في القضاء عليها، كما فشل النظام السياسي في استيعابها ودمجها، ما قاد إلى عدم تشكل وعي وطني موحد. وهذا قاد إلى تكرّس مختلف أنماط النزاعات: مركزي إقليمي بين السلطة الفيدرالية المركزية والولايات، نزاعات لغوية على مستوى الولايات، نزاعات طائفية يقودها الأصوليون بين مختلف الطوائف الدينية (السنة والشيعة بشكل رئيس) بالإضافة إلى العلاقة العدائية القائمة بين المؤسسة العسكرية والمدنيين. وقد زاد عدم الاستقرار وتكرار الانقلابات العسكرية هشاشة الدولة وضعف الاندماج الوطني. تواجه السلطة الباكستانية الآن جملة من التحديات والاستحقاقات، فإلى جانب الصراع الهندي الباكستاني، الذي مازال يتغذى على تداعيات لحظة الاستقلال/ الانفصال، بما في ذلك قضية كشمير، وسباق التسلح الذي استنزف موارد البلاد وقدراتها الفنية، هناك الخلاف مع أفغانستان على الحدود بين البلدين، حيث تطالب الأخيرة بأرض ضمت إلى باكستان (إقليم باشتونستان الذي ضمته بريطانيا إلى باكستان وفق حدود ما عرف بخط دوراند 1893). والتحالف مع الولاياتالمتحدة وما استدعاه من مشاركة في ما سمي “الحرب على الإرهاب" وانعكاساته السلبية على علاقات السلطة مع القوى الباكستانية، الإسلامية بخاصة، حيث نجحت حركة طالبان في كسب أنصار وحلفاء داخل باكستان، إن بين الأحزاب والقوى الإسلامية أو بين القبائل (ولاية سر حد/ الحدود الباكستانية الأفغانية معظم سكانها من البشتون الذين يمتون بصلات إثنية إلى حركة طالبان/الحركة البشتونية) أو في أوساط المؤسسة العسكرية والأمنية، كما انعكست سلبا على توازن القوى الوطني، حيث اضطر الرئيس مشرف لمصالحة بنازير بوتو زعيمة حزب الشعب المعارض ونواز شريف زعيم الرابطة الإسلامية الذي سبق له وانقلب عليه عام 2000 إثر المواجهة العسكرية مع الهند في جبال كارجل. لقد خسر الجنرال مشرف تأييد الأحزاب والجماعات الدينية، وكان قد خسر الأحزاب والقوى الليبرالية والعلمانية، عندما أقال القاضي افتخار محمد تشودري رئيس المحكمة الدستورية العليا. رأى عدد من المحللين في مواجهات المسجد الأحمر ردا من القوى الإسلامية ومن حركة طالبان على سياسات مشرف الموالية للأمريكيين. حتى الحليف الأمريكي لعب دوراً سلبياً بالنسبة للسلطة الباكستانية، فبين الضغط على السلطة لدفعها لبذل المزيد من الجهد في محاربة تنظيم القاعدة وحركة طالبان والمطالبة بالإصلاح وبتطبيق إصلاحات ديمقراطية، وعقد اتفاقات نووية مع الهند العدو التقليدي للباكستان وجد الجنرال نفسه مقيداً ومهدداً من ألد خصومه ومن أوثق حلفائه، ما اضطره إلى مخالفة الحليف الأكبر (واشنطن) برفض السماح للقوات الأمريكية وقوات “الناتو" بضرب الطالبان والقبائل المتحالفة معها داخل حدود باكستان (منطقة وزير ستان) وفي الوقت نفسه قيام الجيش الباكستاني بمهاجمة القوى الإسلامية المتشددة التي “رأى فيها خطرا على النظام والمجتمع في آن واحد". رأى عدد من المعلقين أن الجنرال مشرف قد برع في التعاطي مع المتغيرات السياسية بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية، حيث وازن بين “مطالب الولاياتالمتحدة ومصالح قادة الاستخبارات المحلية، وقادة الأحزاب والجماعات الإسلامية، وزعماء القبائل، والساسة الفاسدين، وحشد من الساعين إلى الثروة" ( بيرويز هودبهوي - سر بقاء مشرف - “الخليج": 10/4/2007). و"إن الإدارة الأمريكية، بالرغم من كل ملاحظاتها على الجنرال مشرف، لا تستطيع الاستغناء عنه، لذا ستقدم له الدعم والمساعدة اللازمة، في استعادة للتكتيك الذي اعتمدته في الفلبين ضد جماعة أبو سياف، لمواجهة الإسلاميين والانتصار عليهم" (محمد فايز فرحات -أزمات متعددة أمام النظام السياسي في باكستان- دورية تحليلات عربية ودولية- “الأهرام" - شهر يوليو/ تموز 2007). بينما رأى آخرون أن الدولة الباكستانية تنزلق نحو التحول إلى دولة فاشلة، حيث بدأت المؤشرات الدالة على ذلك بالظهور والتكرّس والتعمق، أوردت مجلة “فورين بوليسي" الأمريكية المؤشرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة الفاشلة (سياسيا: فقدان الدولة لشرعيتها، والتدهور المتفاقم في خدمات القطاع العام، وتعليق تطبيق حكم القانون، وانتهاك حقوق الإنسان، وعمل أجهزة الأمن كدولة داخل الدولة، وصعود النخب الطائفية. اجتماعيا: الضغوط السكانية المتصاعدة، أي الزيادة السكانية العالية والمطردة، والتحركات الكثيفة للاجئين، والكوارث الإنسانية، وميراث الجماعات العرقية الساعية للانتقام واقتصاديا: التطور الاقتصادي غير المتكافئ في المجتمع وعلى الأخص الفجوة الهائلة والمتسعة بين الأغنياء والفقراء، والتدهور الحاد في الأوضاع المعيشية، وانسداد أي فرص لتحسين تلك الأوضاع. وردت في الدكتور محمد السعيد إدريس: مشروع إعادة تقسيم العرب وأمل الوحدة “الأهرام": 9/7/2007). فالدولة الباكستانية برأي هؤلاء صائرة دولة فاشلة ما لم تتعاط السلطة بإيجابية، ودون تأخير، مع خطاب وأجندة المعارضة السياسية التي، ورغم الخلافات القائمة بين مكوناتها الثلاثة: العلمانية (اليمين المحافظ والليبرالي) والإسلامية ومؤسسة القضاء، نجحت في الاتفاق على قاسم مشترك بينها، وهو التركيز على المطالب الخاصة بدعم الحريات وحقوق الإنسان، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة، والفصل بين رئاسة الدولة وقيادة الجيش. عن صحيفة الخليج الاماراتية 16/8/2007