العروبة والإسلام.. لماذا؟ ممدوح طه ربما لا أكون مخطئا إذ رأيت أن ثقافة العروبة التي تشكل الإطار الجامع لكل العقائد والأيديولوجيات تمثل حلا لمسألة الأقليات الدينية، وأن ثقافة الإسلام الذي يشكل الإطار الجامع لكل الإثنيات ولكل المذاهب الدينية تمثل حلا لمسألة الأقليات القومية، وبالتالي فإن الثقافة العربية والإسلامية معاً تمثلان الحل الديمقراطي الأمثل لمثل هذه المشاكل السياسية المتعددة والمتوترة في الوطن العربي.
فهل أكون بهذا الرأي أقدم المشكلة ولا أقدم الحل، لأن هناك من النخبة الثقافية من يعارض الإسلام ويعترض على العروبة، باسم الديمقراطية تارة أو العلمانية تارة أخرى ويعلن انسلاخه من الانتماء إلى الثقافة القومية والثقافة الدينية التي شكلت مكونات الهوية الحضارية التاريخية والمعاصرة لوطنه وأمته..
فلماذا رأيت في الإسلام والعروبة معا الإطار الجامع لكل مكونات الأمة والحل لمشكلاتها؟!
هنا نحتكم إلى مقياس العصر وهو «الديمقراطية»®. أليست هي في النهاية التعبير الفكري والعملي لرؤى الغالبية الشعبية؟ أليس القرار في عملية التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات السليمة يؤول للأغلبية؟ وهل غالبية السكان في شرقنا غير مسلمين؟! أو في منطقتنا غير عرب؟!
مجرد سؤال.. لكن الإجابة إذ تشير إلى أن غالبية السكان ينتمون للعروبة ويدينون بالإسلام، فمعنى ذلك أنهما يمثلان مرجعية الأغلبية الشعبية ولها بالديمقراطية كل المشروعية، ولا يعني ذلك بأي حال أن الحكم يعني التحكم أو أن السلطة تعني التسلط من جانب الأغلبية على الأقلية..
ولكن كيف تمثل الثقافة الإسلامية حلا للمسألة القومية؟ إذا كانت حقيقة أن المسلمين من كل الأعراق هم الغالبية الكبرى في العراق مثلا.. فإن الإسلام يصبح هو الصيغة الجامعة لهذه الغالبية المتعددة الأعراق، وهو يحل بهذا مشكلة الأقليات القومية ويتيح التعددية القومية في إطار الدين الواحد الجامع لها جميعاً مصداقاً لقول الله تعالى «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
وإذا كان الإسلام يعترف بالتمايز القومي ويساوي بين المسلمين حيث «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى»، فهل هناك دين آخر تدين به غالبية السكان ويعترف بجميع الأديان الأخرى ويتيح حل مشكلة الصراع العرقي غير الإسلام الذي لا يعترف بالقوميات فقط، ولكن بجميع الرسالات السماوية الأخرى أيضاً.
أما كيف تكون «العروبة» حلا لمشاكل الأقليات الدينية؟ فإن ما يجمع العربي المسلم مع العربي المسيحي أو العربي اليهودي أو غيره من العرب هو رباط العروبة بجذورها القومية حتى مع اختلاف الانتماءات الدينية، وبالتالي يكون بين أبناء الرسالات السماوية الثلاث رابط واحد يجمع بينهم وهو النسب والثقافة العربية.. وهو بهذا يكون إطاراً توحيديا جامعاً للأقليات الدينية.
والعاصم الذي يجب أن يمنع القومية العربية من الطغيان على الأقليات القومية، هو الإسلام الذي يساوي بين القوميات.. كما أن العاصم الذي يمنع دين الغالبية من الطغيان على أبناء الأديان الأخرى، هو الإسلام نفسه الذي يصدق بكل ما سبقه من أديان، ويمنع الظلم، أي ظلم، ويحرم العدوان، أي عدوان.
إن التلازم بين العروبة والإسلام هو ما يبدو، منطقيا وعمليا، الإطار الجامع التاريخي والجغرافي والثقافي والديمقراطي للمجتمعات الممتدة من المحيط إلى الخليج.
والذين يرون في الإسلام وحده إطاراً كافياً بغير عروبة نقول لهم إن الإسلام هو الروح والعروبة هي الثقافة، ويكفي أن القرآن الكريم نزل إلى العالم كله باللغة العربية، وأن العرب هم الذين حملوا رسالته العظيمة إلى العالمين.
والذين يرون أن العروبة هي إطار هذه الأمة بغير الإسلام، نقول لهم عروبة من؟.. عروبة «أبو جهل»®. أم عروبة «محمد»®. فأي عروبة تريدون؟!
في النهاية يبقى المطلوب هو الحوار الثقافي لا الشجار السياسي، للوصول بالحرية والموضوعية، بالشورى وبالديمقراطية إلى صياغة جامعة موحدة وليست واحدة، تبلور الذات في إطار المواطنة وتربط بين الوطن وكل مواطن أياً كان دينه أو عرقه أو ثقافته أو مذهبه أو فكره السياسي.. فالوطن سفينة لكل ركابها، وبكل ركابها تبحر نحو وجهة واحدة يتوافق عليها الجميع. عن صحيفة البيان الاماراتية 14/8/2007