الانتخابات تكشف المستور في بيت جبهة التحرير الوطني * محمد بوكحيل تشهد الساحة السياسية في الجزائر جدل ونقاشات تصل أحيانا إلى مستوى الخصومات عديدة الأقطاب متعددة المفاصل،وكثيرا ما يرتكز على ملامة الحزب العتيد،وفي اعتقادنا أن ذلك التخصيص في كل الأحوال مشروع، سواء أكان من قيل المناضلين الحقيقيين أو من عامة المواطنين، فحزب جبهة التحرير الوطني كان وما يزال القوة الأساسية القادرة على التحكم في إدارة الشأن العام في الجزائر،وذلك لسببين اثنين أولها أن الجزائر مازال نظامها يصنف ضمن الأنظمة شبه التنافسية،التي يحتكر السلطة فيها حزب واحد غير ديكتاتوري يمكن تغييره إذا نظمت حملة انتخابية مقنعة وناجحة من قبل حزب أحر من الأحزاب المعتمدة دستوريا والمقبولة جماهيريا. وهذا النمط من الأحزاب نوعان،إما أن يكون الحزب منبثق من السلطة ذاتها أو إن يكون مؤسسي ثوري ذا مرجعية تاريخية وامتداد جماهيري تلقائي وهي الصفة التي يتمتع بها حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر. ويرجع السبب الثاني إلى الأوضاع التي جاء ت كنتيجة لدستور1989الذي اقر التعدد في مادته 42وتضمن بعض الثغرات فيما يخص إنشاء الجمعيات السياسية بقواعد غير مشروطة أو بشروط ضعيفة،ما خلق الخلافات الهامشية وجلب للجزائر متاعب كبرى،إضافة إلى إيديولوجية التي وجهت النظام الاقتصادي الجزائري والقيام باستثمارات كبيرة خاصة في تنمية الموارد البشرية وتحسين الخدمات كالصحة والرياضة والنقل،الشيء الذي مكنه من تعبئة الأغلبية الساحقة من أبناء المجتمع، وتلك المكتسبات زالت بحلول الأزمة السياسية(1989-1996)، ما يدفع الحنين إلى الواحدية الجبهوية ، التأثير الأول على الساحة الجماهيرية والتأثير الثاني اكتسابه معرفة واسعة جراء تفاعله مع مختلف أزمات البلد واطلاعه على دهاليز السلطة ومكونات أركانها، وبتلك الصفة يمكنه من خلق توازن ولو بصورة ظرفية. والجدل الذي أثير اليوم حول دعوة السيناتور وأحد إطارات جبهة التحرير "عبد الرزاق بوحارة"إلى عقد مؤتمر الآفلان في غضون الثلاثة شهور المقبلة له ما يبرره تبرير الدعوة نفسها،خاصة وأنها تزامنت مع تحركان أعضاء الخلية المركزية للمتابعة ومطالبتها في عدة مناسبات، برحيل الأمانة التنفيذية للحزب وعلى رأسها الأمين العام عبد العزيز بالخادم.فالدعوة التي أطلقها السيناتور لم تأتي بالصدفة ورد عضو الهيئة التنفيذية للأفلان ونائب رئيس المجلس الشعبي الوطني،" محمد الصغير قارة،" على مبادرة عبد الرزاق بوحارة، واصفا إياها بالانتهازية والمميعة، قائلا إنها لن تكون ضمن جدول أعمال اجتماع الهيئة السبت المقبل، واتهم قارة في تصريح ل'' جريدة الخبر'' بوحارة والتيار الذي يؤيده بالاستثمار في صراعات الحزب لإعادة أحد الوجوه الأفلانية للواجهة ودعمها للترشح للرئاسيات المقبلة باسم الآفلان، في إشارة إلى رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، وهو نفس الموقف الذي اتخذه بوحارة ومن معه في 2004 عندما وقف متفرجا على صراع تيار التصحيحية والتيار المؤيد لبن فليس، متسائلا في الوقت ذاته عن سر غياب أصحاب هذه المبادرة "فإذا كان من فهم معنى لهذا القول فأنه لا يخرج طبعا على أنه إقصاء للآخر من أجل مصلحة فردية،وبالعكس من ذلك يقول السيد عباس ميخاليف"الرئيس السابق لكتلة الآفلان في المجلس الشعبي الوطني: إن ما جاءت به دعوة السيناتور بوحارة يعد تتويجا لصيحات المناضلين الحقيقيين على مدار الأشهر الأخيرة" وفي هذه العبارة معنى علني على وجود المناضلين الحقيقيين خارج هيئات وهياكل الآفلان ،أما التعليق الذي جاء به السيناتور عبد الله بولسنان قائلا:"إن الأمين العام للحزب، عبد العزيز بالخادم استبق الأحداث عندما أيد تزكية الرئيس بوتفليقة للعهدة الثالثة"فهو يشير إلى أن الحزب قد طغت على تسييره الارتجالية والفردية، ثم تأتي الخلية المركزية للمتابعة وتضمن بيانها قبل انعقاد اجتماع الهيئة التنفيذية ليوم السبت29ديسمبر2007 الإقرار بأن نتائج الانتخابات المحلية 29نوفمبر2007 ،تبين إزاحة الآفلان من الساحة"هذه عينات وأخرى لايتسع المجال لذكرها، تدل على وجود أزمة حادة داخل بيت الآفلان،لكن السؤال المطروح هو:هل تعود هذه الأزمة إلى المشاكل الداخلية للحزب ؟أم هي ناتجة عن الوضع العام للبلاد؟أ المهم، فإن عزوف المواطنين عن حضور التجمعات التي دعا اليه حزب الآفلان هي القطرة التي أفاضت الكأس،فالمشاكل داخل الحزب تعود جذورها كما بينت التصريحات، الى رئاسيات 15 أفريل 1999،حين وقع الاختلاف حول مرشح الحزب أو مساندة المرشح الحر،ذلك الانتخاب الذي انسحب منه ستة مرشحين قبل يوم من موعد إجراء الاقتراع وتعمقت الاختلافات بعد تشكيل التحالف السياسي الذي يعرف الآن باسم "التحالف الرئاسي" في فبراير2004 ،وأزداد الخلافات عمقا خلال المؤتمر الجامع عام 2005،حين أعتمد مبدأ الإقصاء، والانفراد باتخاذ القرارات وهما ظاهرتان غريبتان على نصوص جبهة التحرير الوطني. وذلك أثر أيما تأثير على الساحة الوطنية،وأضاف إلى الأزمات السياسية أزمات القيم وانتشار الفساد الإداري،ومظاهر التبذير وحول جبهة التحرير إلى هيكل شبيه بجمعيات الأحياء تديره جماعات لا تربط بينها المبادئ، وإنما تربط بينها خدمة السلطة لتحقيق المصالح الفردية،ومن ثم صارت هذه القوة التي كان من المفروض أن تشكل النواة الأساسية للخريطة السياسية، تعيش على وقع المناوشات، الشيء الذي أفرز مشاكل و تعقيدات عبر مناحي أخرى من حياة المواطن بالإضافة الى ذلك اعتراف السلطة بمشاكل تشهدها المجالس المحلية "الانسداد في حوالي 500 بلدية، مثلا "عجز الإدارة على ضبط الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ،أثقل كاهل المواطن بالارتفاع الفاحش في أسعار المواد الأساسية الاستهلاكية،انتشار البطالة،وتوسع مجال الانحرافات وغيرها،هكذاعندما تصبح مصطلح المصالحة وعبارة التحالف السياسي مرادفات للتفاهم السياسي من أجل توزيع المناصب عبر سياسة توزيع الفساد، وذلك يعني أن البلاد لا أمل لها في الخروج من الأزمة ، رغم الانفراج المالي الناجم عن الارتفاع المستمر لسعر برميل البترول كنذ عام 2003 ، وهنا يحق القول : "إذا كان الحزب الحاكم لا يستطيع تسيير مناضليه بكفاءة وكفاية، لا يسيّر البلاد! ،إن الحزب الذي يجعل برنامجه السياسي لمدة عام كامل من النضال السياسي هو( حذف كلمتين من الدستور تقعان في مادة واحدة هي المادة 74 وهما كلمتا ''مرة واحدة'')! ويتطلب حذف هاتين الكلمتين عراكا سياسيا وغير سياسي مع الحلفاء وغير الحلفاء، وتجرجر عناوين صحفية لتفرد لذلك جهودها؟.. ويبقى السؤال المطروح: هل الدعوة الى إصلاح الحزب الهدف منه الاستعداد لإصلاح مؤسسات البلد،أم لأجل إصلاح آلة التأييد و التمكن من ذراع المساندة ، وإنجاز برامج وهمية؟. إن المواطن العادي لاتعنيه المساندة ولا يهمه التأييد من عدمه، ولا.،.بقدر ما تعنيه استعادة كرامته وعودة أمنه والحصول على حقوقه التي ضاعت بين هذا وذاك ولم يعد لها أثرا في حديث الساسة والمسيرين،يريد عملا له ولأولاد، يريد سكنا لستر عياله،يريد أجرة تكفيه لقوت أبنائه وسد حاجة عياله،وحليبا لأطفاله. لا يعنيه من يحكم زيد أو بوزيد،بقدر ما يعنيه أن يقدر الحاكم مشاعره ويسمع صوته ويحترم رأيه.هذه أمور تزيد لحمة الشعب بحكامه ، سواء تحالفوا او انفرد من يؤيده الشعب بالريادة. إن على أولك المحسوبين على جبهة التحرير أن يخلو سبيلها ويختاروا الأحزاب أو الجمعيات التي أنشئت لتكون ساحة للبيع والشراء أو تلك التي تكونت بمكاتب الدراسات الأجنبية،فجبهة التحرير نشأ بتلقائية المناضلين تحت طلقات البنادق ودوي قنابل العدو الفرنسي،وأستطاع قيادة الأمة في أحلك الأيام، ورسا بها إلى شاطئ النجاة، إلى ساحة الحرية والبناء والتشييد،رغم أنف الاستعمار وأنصاره من الخونة المندسين. ** الجزائر