الأزهر والأمية الدينية رجب البنا لايختلف أحد في أن الأمية هي العائق الأكبر لمسيرة المجتمع وتقدمه الحضاري, وفي مسئولية الحكومة بأجهزتها المختلفة عن القضاء علي هذا العار القومي. ولكن هناك من يختلف في الاعتراف بأن الأمية الدينية هي الخطر الأكبر علي الاسلام والمسلمين, وفي الاعتراف بمسئولية الأزهر والمؤسسة الدينية عموما عن انتشار هذه الأمية ومايترتب عليها من مخاطر. بديهي أن الفكر المنحرف لاينتشر إلا عندما يتراجع الفكر المستنير, ولا يظهر الدعاة الادعياء إلا عندما يضعف تأثير الدعاة الحقيقيين وينشغلون بأمور أخري عن القيام برسالتهم, ولا تتقدم مؤسسة الإرهاب إلا عندما يضعف تأثير المؤسسة الدينية الرسمية, وإذا لم يكن الأمر كذلك فكيف نفسر انتشار الأمية الدينية والمفاهيم الدينية المضللة, وكيف نفسر انتشار الجمود في الفكر الديني والتعصب والاسراف في التكفير والتحريم والتضييق علي الناس في شئون دينهم ودنياهم؟ وكيف نفسر انتشار الخرافات والدجل والشعوذة؟ وكيف نفسر النفوذ الذي أصبح عليه رجال يدعون أنهم الوسيلة والواسطة بين الله والانسان أو يدعون أن الفتوي صناعتهم وحدهم دون سواهم وليس من حق أحد أن يناقشهم فيما يقولون مع أن الاسلام ليس فيه كهنوت ولا أسرار يختص الله بها أحدا من عباده وليس فيه حق احتكار العلم بمراد الله ومقاصد الشريعة؟ وكيف تروج حتي علي السنة بعض الكبار روايات وأحاديث موضوعة تتعارض مع النص الصريح في القرآن؟ وكيف تنتشر الفضائيات الاسلامية العشوائية وينتشر دعاة يفسدون عقول الناس ويزيفون الوعي الديني ويعملون علي تغييب عقول المسلمين؟ هل هناك تفسير لهذا الانتشار لمفاهيم دينية مضللة ومنحرفة مع وجود الأزهر بعلمائه وجامعة الأزهر باساتذتها, واكثر من40 ألف خطيب وواعظ أزهري, ومجمع البحوث الاسلامية, والمجلس الأعلي للشئون الاسلامية, ووزارة الأوقاف, وجهاز بيروقراطي يضم عشرات الآلاف من الموظفين في ادارات هذه المؤسسة الدينية المترهلة؟ ألا يدهشنا أن تنتشر شرائط وكتب علي الأرصفة والاكشاك تسمم الفكر الاسلامي وتحارب كل صور التقدم والحضارة, وتستعدي المسلمين علي مجتمعاتهم, وبعضها يوزع مجانا في المدارس والجامعات والمساجد علي أنه زكاة ووقف لله تعالي. وبسبب الأمية الدينية فإن الأغلبية تصدق كل من يتحدث باسم الاسلام ويقول قال الله وقال الرسول ولاتفرق بين الصحيح والزائف, وملايين المسلمين لايحصلون علي معلوماتهم إلا عن طريق السماع ولايعرفون من الأحكام إلا حكمين فقط هما الحلال والحرام, وقد اقنعهم الدعاة الأدعياء بأن الاسلام ينحصر في النقاب واطلاق اللحية وتحريم النظر الي المرأة أو مصافحتها وتحريم الموسيقي والفنون عموما فيما عدا فن الخط العربي! في غياب المؤسسة الدينية استطاع أصحاب الفكر المنحرف أن يحاصروها بينما انشغل علماؤنا بقضايا لا صلة لها بقضايا الحياة والتقدم, وماذا يفيد المسلمون من العناد واللدد في معركة لتأكيد أن الصحابة كانوا يشربون بول الرسول؟ وماذا يفيدهم عندما يقول لهم شيخهم إن الرسول زاره شخصيا وهو يقظ وليس في المنام ولم ينصرف! الا عندما بدأ في عد الشعرات البيضاء في ذقن الرسول؟ وماذا يقول عنا العالم عندما يصدر فتوي بأن الطفل الذي يولد بعد خمس سنوات من وفاة ابيه ينسب للأب المتوفي لأن مدة الحمل الشرعية في الاسلام خمس سنوات, كما قال بعض القدماء( من غير الأطباء طبعا) ومثل الفتوي بان الليبرالية حرام شرعا والليبرالي كافر! وفي غياب المؤسسة الدينية استولي أصحاب الفكر الضال علي مساجد وحولوها الي مدارس لتعليم وتفريخ الارهابيين الجدد. الفكر أقوي من الرصاص. وإذا لم تنجح المؤسسة الدينية في القضاء علي الأمية الدينية والفكر الضال وتحصين عقول المسلمين من هذا الفيروس الأشد خطرا من السرطان, فما العمل؟ عن صحيفة الاهرام المصرية 12/8/2007