« لماذا يخذلنا الغرب »؟ حازم صاغيّة كثيراً ما تُسمع، في لبنان وفي العالم العربي، أصوات تتشاءم على حين غرّة وتتساءل باستغراب أو باستهجان: لماذا يخذلنا «الغرب»، ولماذا يسلّمنا لأنظمة عسكريّة أو قوى أصوليّة؟ لكن «الغرب» ليس حضانة ولا مؤسّسة للإحسان. صحيح أن جملة من المصالح والتطلّعات تجمعه بقوى في منطقتنا، وان الاستقرار والسلام في رأس تلك التطلّعات والمصالح. الاّ ان السؤال الذي يستحقّ أن يُسأل: لماذا يخذل العرب، المستفيدون من تلك المصالح والآخذون بتلك التطلّعات، أنفسهم؟ وما الذي يغري الغرب كي ينوب عنهم ويؤدّي الدور الذي يُفترض فيهم أن يؤدوه؟ وابتداءً، لا بأس أن نلاحظ أن حلفاء الغرب السياسيّين والاستراتيجيّين ليسوا حلفاءه في القيم والثقافة. فهم ليسوا أقلّ من خصومهم الراديكاليّين توكيداً على الخصوصيّة والأصالة وما يتّصل بهما ويتفرّع عنهما. وقد كانت مأساة 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وما أثارته من مسائل التعليم والثقافة برهاناً على أن العرب ينقسمون الى معادين لسياسات الغرب أوّلاً ومعادين لثقافته ثانياً. لهذا نرى حلفاءه السياسيّين «يكرهون» الشيوعيّة أو التطرّف أو الارهاب، إلا أنهم لا «يحبّون» الاصلاح الدينيّ أو التنوير ولا تعنيهم أفكار توماس جيفرسون. ومفهوم «الاعتدال» نفسه لا ينجو من الغموض هذا، فيلوح فاقداً كلّ ديناميّة وقدرة على المبادرة، باحثاً عن نقيضين جاهزين كي يستقرّ بينهما ويصطفّ. فهو، تالياً، لا شيء أكثر من كونه في الوسط بين قطبين وطرفين. بيد أنّه إذا كان أحد الطرفين رديئاً بات التوسّط بينه وبين نقيضه موقفاً رديئاً هو الآخر، وبات التطرّف في هذا خيراً من الاعتدال. ومن هذا القبيل الالتفاف حول الرئيس السوداني عمر البشير ومحاولة حمايته من العدالة الدوليّة. وهو وقوف في الوسط بين تلك العدالة وبين مجزرة الجنجاويد. ومن هذا القبيل أيضاً يعزف رئيس الحكومة اللبنانيّة فؤاد السنيورة، بين وقت وآخر، أنشودة قوميّة عربيّة حتى ليبدو الوزير السوريّ وليد المعلّم أكثر تقبّلاً منه لإنهاء النزاع العربيّ - الاسرائيليّ. والحال أن مصر كلّها، سياسة وثقافة، تمثّل خير تمثيل هذا الوقوف في الوسط، بعد ثلاثين عاماً على المغامرة الشجاعة لرئيسها آنذاك أنور السادات. وكثيراً ما تبدي مصر من ضروب «الاعتدال» ما هو انحياز ضمنيّ للذين يخاصمونها في السياسات المباشرة وتخاصمهم. وهذا ناهيك عن استسلام «السياسة» عندنا للتراكيب العصبيّة، مما يتشارك فيه حليف الغرب وعدوّه، بحيث يستغلق الأمر على الغربيّين. وها نحن نرى الطوائف العراقيّة تتوزّع على نحو يحار في أمره كلّ عقل حديث. وقد سبق للبنانيّين ان عرفوا تجربة بالغة الغنى في الثمانينات حين حضر الغرب كلّه لدعم سلطتهم المركزيّة، وتحت يافطة القوّات المتعددة الجنسيّة، وقف الأميركيّ والبريطانيّ والفرنسيّ والايطاليّ. لكنْ سريعاً ما تبيّن عجز السلطة تلك عن اظهار صراعها صراعاً وطنيّاً فيما نجحت الطوائف في تظهير الأمر حرباً أهليّة انسحب الغرب منها ومن لبنان. ورغم تلك التجربة المريرة، وكلّ التجارب المريرة التي تلتها، لا تزال صورة الوطنيّة أضعف وأبهت، بلا قياس، من صورة الطائفيّة. وهذه لها وجوه في عدادها النفاق مما أسمعنا إيّاه مؤخّراً «حلفاء للغرب» قالوا في سمير القنطار ورفاقه ما تردّد «حزب الله» في قوله. فكأننا لا نملك لغة إلا هذه الرطانة السهلة التي حملت عباس زكي، مسؤول منظّمة التحرير في لبنان، على المطالبة بتقليد «حزب الله» ومقاومته بعد أشهر من الاعتذار عن مقاومة سابقة. وقد يقال إن التسوية مع أجزاء واسعة من شعوبنا تستدعي هذه الرخاوة. لكنْ يُخشى ألاّ تكون تلك الأجزاء في وارد التسوية فيعافنا الغرب ونبقى وجهاً لوجه مع رخاوتنا. وقد يقال، كذلك، إن الموقف الغربيّ غير العادل من فلسطين ما يملي علينا الرخاوة. غير أن شيئاً من الحسم والنضاليّة يسمح لنا بالضغط على الغرب كي يكون أشدّ عدلاً في فلسطين نفسها. أوليس أحد أسباب تعويل الغرب على إسرائيل نقص تعويله علينا؟ عن صحيفة الحياة 24/7/2008