استضاف الرئيس السنغالي عبدالله واد مفاوضات بين وفدين من حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين في داكار، في اطار محاولات تسوية الخلافات الداخلية الفلسطينية. وحسب الانباء، فان الرئيس السنغالي، الرئيس الحالي لمنظمة المؤتمر الاسلامي، كان ذكر خلال قمتها الاخيرة ان الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز ناشده التدخل في عملية السلام مع الفلسطينيين. وكان الرئيس الفلسطيني ، محمود عباس، الذي يبدو انه لم يعد يتوقع من الاسرائيليين شيئا في مفاوضاته معهم دعا الى مفاوضات داخلية فلسطينية رحبت بها حركة حماس. لكن الدعوة ذهبت ادراج الرياح، مثلها مثل مطالبة حماس بجهد عربي كالذي شهده لبنان لجمع الفرقاء الفلسطينيين على كلمة سواء. ومع أن الاطراف العربية المعنية بالازمة اللبنانية هي ذاتها المفترض انها المعنية بالشأن الفلسطيني، الا ان العرب لم يتداعوا لمساعدة الفلسطينيين كما فعلوا للبنانيين. لماذا اذا يترك امر الفلسطينيين للرئيس السنغالي وكأنما العرب مشغولون بما هو أهم! ولماذا لا تثير دماء الفلسطينيين التي تراق يوميا على أيدي الصهاينة حمية عرب الاعتدال الذين هبوا لنجدة لبنان حينما وقع فيه بعض الاضطراب؟ الاجابة بسيطة: هذا ما يريده الاسرائيليون والاميركيون والفرنسيون وتابعيهم. والحقيقة المرة ان الامر يتجاوز تجاهل العرب للشقاق الفلسطيني، وتخاذلهم امام قتلهم وتدمير بيوتهم واراضيهم، ويمتد الى مشاركة عربية واضحة في خنق الفلسطينيين حصارا وتجويعا خشية ان يتهموا بعدم "الاعتدال". وما تلك المواقف الا شطط في موالاة الاسرائيليين وداعميهم في الغرب الى حد ينفي عن العرب صفة الاعتدال ويسمهم بالتطرف في تاييد اسرائيل. واذا كان بعض العرب يبرر لنفسه هذا التخاذل بان تلك مشكلة الفلسطينيين الذين لا يساعدون انفسهم فذلك عذر اقبح من ذنب. فمن معالم هوان العرب انهم قبلوا في ربع القرن الاخير بالتلقين الأميركي بأن المشكلة في المنطقة هي فلسطينية اسرائيلية، الى ان اصبحت اسرائيلية داخلية. فبعدما كان الصراع "العربي الاسرائيلي" اصبحت الان المشكلة الفلسطينية الاسرائيلية وفي اتجاهها لتصبح مشكلة اسرائيل مع جالية عربية غريبة فيها مثيرة للقلاقل!!! وتلك نتيجة طبيعية لذلك الاعتدال العربي المتطرف، الذي اعطى الاسرائيليين والاميركيين اكثر مما يطلبون. ويخطئ من يتصور ان "الاخر" سيرضى عنه ان تخلى عن كرامته وتهاون في حقوقه واستسلم للهوان والاستذلال. وما خسر العرب كل مكانتهم واي تاثير لمواقفهم وتسربت من بين اياديهم كل عناصر قوتهم من ثروات وموقع الا بسبب استجابتهم لمقولات بعض نخبتهم بشان "الواقعية" و"المواقف العملية" والتي لا تعني اكثر من المزايدة على اعدائهم في إهانة انفسهم. قد ينتقد الغرب هذا البلد او ذاك، وقد يتخذ مواقف صارمة ومتشددة ويشن حملات دعائية، لكنه لا شك يحترم من يتمسك بموقف ويتشدد في مطالبه التي يراها حقه ويعرب عن استعداده للدفاع عن ذاك الحق باي وسيلة يملك مهما كانت بسيطة. ان القوى الكبرى لا تحترم من يستسلم لها، وان اسبغت عليه كل صفات "الاعتدال" وانما تقدر من يقف لها ندا ولو كانت اسباب قوته اضعف منها. اذا واصل العرب ذلك التوجه فلا عليهم الا لوم انفسهم حين ينتهي امرهم الى لا شئ، ويصبحوا مجرد كيانات وهمية تديرها اسرائيل لصالح الاستراتيجية الامنية الغربية في المنطقة. ويبدو اننا لانتعلم من اخطائنا، فقد سبق وتخلينا عن خيار الحرب واعتبرنا السلام خيارنا الوحيد ثم قطعنا اياد لنا لان الغرب يراها طويلة وفي كل ذلك نتعلل بالراجماتية وعدم المغامرة. هل يتصور احد ان الغرب او غيره سيحترم بلدا يخشى قادته ان يعترضوا عليه لانه قد يحتلهم، وهل يمكن لاحد ان ياتمن من هو على استعداد للتخلص من اعضاء جسده تذللا واستكانة.. بالطبع لا. لمصلحة من خنق الفلسطينيين ومحاولات التخلص من اي شكل للمقاومة، ولمصلحة ماذا؟ هل تطمعون في اتفاقات تريحكم شر القتال، ام هل تطمعون في ان يرضى عنكم الاسرائيليون والاميركيون والبريطانيون والفرنسيون؟ وهل العرب مقتنعون فعلا بانهم بما يفعلونه بانفسهم انما يصدون نفوذا إيرانيا في المنطقة يدعم اشكال المقاومة ويورطهم؟ الحقيقة ان إيران، اذا كانت تدعم قوى المقاومة لاسرائيل واميركا، هي المستفيد الرئيسي حتى في صراعها مع الغرب. فالقوى الكبرى تتعامل مع إيران باكثر من خيار، اما مع العرب فهي ليست بحاجة لاي خيارات فالعرب يزايدون عليها في النيل من انفسهم بانفسهم. ومع ذلك نصف مواقفنا بالاعتدال! اننا فعلا نتطرف في الاستهانة بانفسنا وقدراتنا ومكانتنا، وكل ما يرجوه المرء ان نعتدل فعلا بعيدا عن تطرفنا في الاستكانة والمهانة. لا يامل المرء في تشدد او تصلب في المواقف، ولا حتى يتطلع لشجاعة واقدام انما فقط بعض الاعتدال حقا، اي التوازن بين مصالحنا ومطالب اعدائنا والرفق بأنفسنا وعدم السفه في إهدار أوراق تفاوضنا.