الاستراتيجية الدفاعية جورج علم يستريح لبنان من عناء صفقة تبادل الأسري ، وقد كانت منهكة بامتياز، هذا بمعزل عن المواقف منها، وقد جاءت ما بين متحمس ومرحب ومراوغ، وإن كان الجميع يسلم بأنها أعادت الهيبة والاعتبار لحزب الله الذي يعرف كيف يذهب الي الحرب وكيف يعود منها منتصرا؟!. وخرج لبنان كل لبنان يستقبل الأسري المحررين وجثامين الشهداء، لأن المناسبة تليق وتفرض نفسها، ولأن أحدا من المسؤولين والسياسيين، وفي أي موقع كان، لا يمكنه ان يتجاهل هذه المناسبة الوطنية الفارضة نفسها علي الجميع، ثم ان الحزب قد تمكن من أن يضع الكل ومن دون استثناء أمام الأمر الواقع، فكان ما كان، وجاء زمن الأسئلة الصعبة: وماذا بعد؟ والي أي مدي سيبقي الحزب ممسكا بزمام القرار، يذهب باللبنانيين الي الحرب ساعة يشاء، ويعيدهم الي السلم ساعة يريد؟، وهل دنت الساعة التي يري فيها نفسه مضطرا للاحتماء تحت سقف الدولة؟، أم ان الدولة مدعوة بمسؤوليها ومؤسساتها الي التكيف مع شروطه ومطالبه، وأهدافه وخياراته الاستراتيجية علي مستوي المنطقة والعالم؟!. لقد طالب الامين العام السيد حسن نصر الله باستراتيجية وطنية دفاعية، وانهالت ردود الفعل المرحبة والمؤيدة ومن مختلف القيادات اللبنانية خصوصا في قوي الرابع عشر من مارس، وهو كرر بذلك ما كانت تريده وتنادي به الموالاة منذ زمن، وما كان مطروحا أساسا علي طاولة الحوار الوطني في مجلس النواب، بمعني آخر ان البضاعة معروفة، إلا ان الجديد هو العرض والطلب، والعرض جاء هذه المرة من الجهة المعنية أي الحزب، فيما الطلب يبقي متعذرا، وتصعب مقاربته، لأن البعض يفهم الاستراتيجية الدفاعية علي انها الطريق الصحيح والأسلم لتجريد الحزب من سلاحه، والتخلص من المقاومة الوطنية في الجنوب، علي ان يتحول الي حزب سياسي كغيره من الاحزاب اللبنانية، ويعود قرار الحرب والسلم الي الاجهزة الرسمية المختصة في الدولة، وأن يتولي الجيش والمؤسسات الأمنية الأخري مسؤولية الدفاع عن الوطن والمواطنين. أما البعض الآخر فيريد أن تأخذ الاستراتيجية الدفاعية بعين الاعتبار مكانة المقاومة، والدور الذي يمثله حزب الله في المعادلة الاقليمية - الشرق أوسطية كقوة ممانعة ورفض للمشروع الامريكي - الصهيوني للشرق الأوسط الواسع والكبير، وأن تكون خبرته وسلاحه جزءا أساسيا لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية الي جانب الجيش اللبناني والقوي الأمنية الشرعية الأخري، ويكون الهدف تحرير ما تبقي من أراض محتلة في الجنوب سواء في مزارع شبعا، أو في بلدة الغجر، أو في تلال كفر شوبا، والدفاع عن السيادة اللبنانية من أي خرق اسرائيلي سواء في البر أو البحر أو الجو. الأمر هنا متروك للحوار الوطني، ولكن أي حوار لابد من أن يأخذ بعين الاعتبار التزامات لبنان الخارجية وأولها اتفاق الهدنة المبرم مع اسرائيل برعاية واشراف الأممالمتحدة في 23 مارس من العام 1949، الذي ينطوي علي العديد من البنود التي تتحدث عن تفاصيل الوضع الذي يفترض ان يكون سائدا علي الحدود، وعدد الجنود من الجيش اللبناني، وأماكن انتشارهم، ونوعية الاسلحة التي يفترض ان تكون بحوزتهم، بالإضافة الي عدد الطلقات، وهذا يعني ان الخيارات المتاحة أمام حكومة الوحدة الوطنية ضيقة جدا، فإما تقدم علي إلغاء هذا الاتفاق، ومن طرف واحد، مقابل اعتماد استراتيجية دفاعية تتضمن بنودا مغايرة تمام لبنود الهدنة، وفي هذه الحال قد تترتب مضاعفات خطيرة، أقلها إعلان الحرب، أو أن تأتي هذه الاستراتيجية في حدود ما يسمح به الاتفاق ولا يخفي علي اللبنانيين مسؤولين وقياديين ان الوضع في الجنوب محكوم بسلسلة من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وآخرها القرار 1701 الذي وضع حدا لحرب يوليو تموز 2006 وصدر في اغسطس من ذلك العام وتحدث بوضوح حول ما يجب ان يكون عليه الوضع، وهذا يعني أن أي استراتيجية سوف يقدم عليها اللبنانيون يجب ان تحترم وبشفافية ما جاء في هذا القرار المهم لجهة التأكيد علي كل الأفرقاء الاحترام الشديد لسيادة اسرائيل ولبنان وسلامتهما الاقليمية والاحترام الكامل للخط الأزرق بين الطرفين، ورسم الحدود الدولية للبنان، لاسيما في المناطق حيث هناك نزاع او التباس بشأن الحدود بما في ذلك منطقة مزارع شبعا، واتخاذ ترتيبات أمنية للحؤول دون تجدد الأعمال الحربية، بما في ذلك إنشاء منطقة خالية من أي عناصر مسلحة وعتاد وأسلحة إلا من الجيش اللبناني والقوي الأمنية اللبنانية والقوات الدولية المفوضة من قبل الأممالمتحدة وذلك بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، والتطبيق الكامل لبنود اتفاق الطائف واحكامه ذات الصلة، والقرارين 1559 - 2004 و1680 -2006، بما في ذلك نزع سلاح كل الميليشيات في لبنان انسجاما مع قرار مجلس الوزراء اللبناني في 27 يوليو 2006 بحيث لا يكون هناك سلاح أو سلطة في لبنان باستثناء الدولة اللبنانية، وهذا كله يعني انه لا يمكن وضع استراتيجية إلا في ضوء ما جاء في هذا القرار الدولي والذي تسهر علي تنفيذه اليوم قوة من اليونيفيل تقدر ب 15 ألف ضابط وجندي ولذلك فإن هامش الحرية أمام أي استراتيجية يرضي عنها حزب الله محدودة جدا ومقوننة. وإذا كان الحزب يلتقي اليوم مع الذين كانوا ينادون في الأمس بالحوار، فإن هذا الحوار يشكل عند رئيس الجمهورية التوافقي العماد ميشال سليمان أولوية لمعالجة الكثير من المواضيع العالقة التي تباعد بين اللبنانيين، من السلاح الميليشيوي، إلي السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات، إلي سلاح حزب الله، إلي الاستراتيجية الدفاعية إلي الاصلاحات السياسية الضرورية في البلاد، إلي العلاقة مع سوريا،، ومستقبل العلاقات مع اسرائيل.. وباختصار شديد إن الوضع الداخلي بشكل عام لا يزال محكوما بسؤال استراتيجي مصيري: أي لبنان يريد اللبنانيون؟، وعندما يتفاهمون حول هذا اللبنان الذي يريدونه، عندها تسقط كل المحظورات وتتبدد كل الصعوبات؟!. عن صحيفة الراية القطرية 23/7/2008