أحد الشعارات البراقة التي ترفعها الدولة ومسئولوها هو الحرص علي "تكافؤ الفرص"، ومبدأ تكافؤ الفرص يعني أننا جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات ولكن ذلك لايعني ان يتساوي من يعلم مع من لا يعلم.. أو من يعمل مع من لا يعمل.. أو يتساوي العالم بالجاهل أو غزير العلم بمحدوده أو قليله أو منعدمه، المساواة تعني عدم التمييز بسبب اللون أو الدين أو الحسب والنسب وهي تعني المساواة في الفرص بين من يتساوون في المعرفة والخبرة.
وإذا تكلمنا عن تكافؤ الفرص التي يتشدقون بها فهل تعيين جمال مبارك أمينا مساعداً للحزب الحاكم وأمينا للجنة سياساته جاء نتيجة لفرصة متكافئة منحت له ولغيره من شباب مصر انتهت باختياره لأنه أفضل المتنافسين علي هذه المناصب أم لأنه نجل الرئيس حسني مبارك وتمهيدا للخطوة التالية المتوقعة لوراثة منصب والده بعد عمر طويل..؟!
كذلك نري شابا فتحت له طاقة ليلة القدر عندما انفصل عن خطيبته ليتزوج من ابنة مسئول كبير فتمكن من الانتقال الي دائرة الضوء والاهتمام الأمر الذي مكنه من الالتحاق بوزارة الخارجية وتدرج سريعاً حتي انتدب رئيسا لهيئة عامة رغم صغر سنه ودرجته الوظيفية.. وفجأة حصل علي منصب رفيع في مؤسسة دولية!
هل كل هذه القفزات المتتالية جاءت نتيجة للكفاءة الشخصية فقط أم لكونه "صهر" مسئول كبير رفيع المستوي يعمل الجميع له ألف حساب..؟
وأبناء الوزراء وكبار المسئولين الذين مارسوا نشاطا تجاريا في مجال اختصاص آبائهم فاصبحوا أغنياء ومليونيرات بل ومليارديرات.. هل تحقق ذلك لكفاءاتهم وخبراتهم النادرة أم نتيجة لاستغلال نفوذ الآباء وعدم مراعاتهم واحترامهم لمبدأ تكافؤ الفرص الذي يتحدثون عنه ويتشدقون به؟
وواقعة أخري تثبت عدم تكافؤ الفرص وغياب العدالة الاجتماعية.. فمسئول كبير كان قد دفع مبلغاً كبيراً "أربعة ملايين دولار" لبنك "أمريكان إكسبريس" فرع القاهرة - قبل أن يصفي البنك نشاطه في مصر - لشراء سندات كان قد أعلن عنها وتم طرحها في السوق، كان المسئول الكبير يتوقع أن تزداد ثرواته بزيادة قيمة السندات التي اشتراها ولكنه عندما شعر بانخفاض قيمتها بالسوق سارع للاتصال بمدير البنك في مصر وهو مصري وقال له بالحرف الواحد دون أن يراعي حساسية منصبه: "فلوسي ترجع لي زي ما هي.. يعني زي ما اخدتوها"!
وكان أن اتصل مدير البنك بمركزه الرئيسي في نيويورك وأبلغهم بما حدث وسألهم كيف يتصرف مع هذا المسئول الكبير فقيل له بأن يلبي طلبه ويعيد له مبلغ الأربعة ملايين دولار نقداً الذي سبق أن دفعه كاملاً!!
هل هذه الواقعة المؤكدة تثبت تكافؤ الفرص بين كافة عملاء البنك الأمريكي الذي فضل أن يراعي المسئول الكبير تجنبا للمشاكل التي يمكن أن يثيرها حول البنك الأمريكي في مصر؟ لقد آثر البنك الامريكي السلامة فدفع للمسئول الكبير ما اراد ثم حمل هو عصاه ورحل عن مصر الي غير رجعة، أليس غريبا بعدمثل هذه الواقعة ان يتساءل البعض كيف تعرف الولاياتالمتحدة الخبايا وتتحدث عن الفساد في مصر!
ثم اذا كان المسئولون يصرحون بأن العدالة الاجتماعية هي قلب سياساتهم وبرامجهم ويقولون إن مسئوليتهم هي توفير فرص العمل والانحياز للفقراء.. فهل تنطبق الأقوال مع ما نراه من أفعال؟
إن شعور رجل الشارع هو أن الحكومة تنحاز باستمرار للأغنياء وليس للفقراء وأن فرص العمل تتحكم فيها الواسطة من أجل المحاسيب والاقارب والانصار.. ولا تتوافر نفس الفرص لكثير من أصحاب الكفاءة والحاصلين علي المؤهلات والخبرات اللازمة للوظيفة.
إن المسئولين ومن يملكون المال الوفير يجد أبناؤهم طريقهم مفتوحاً دون سواهم للالتحاق بجامعة الدول العربية مثلاً.. وهم يلحقون ابناءهم قبل ذلك بالجامعة الامريكية والجامعات الخاصة في مصر ويحصلون بالتالي علي وظائفهم فور تخرجهم بمرتبات عالية ومغرية بينما يقف ابناء عامة الشعب من خريجي الجامعات المصرية في طابور طويل للبحث عن فرصة عمل لسنوات وسنوات طوال..
فيتحولون الي قنابل موقوتة مشحونة بالغضب والحقد علي المجتمع... هذا المجتمع الذي كانوا يرددون فيما مضي أن مقدراته وثرواته يملكها نصف في المائة من المواطنين بينما أصبحت هذه النسبة الآن هي خمسة في المائة من طبقات المنتفعين الجدد..!
إن العدالة الاجتماعية والانحياز للفقراء يقتضيان إتاحة فرص العمل ومجالات النجاح في تكوين ثروات بطرق وأساليب شريفة للجميع دون تفرقة بين غني وفقير.. وزير أو خفير.. والاختيار في النهاية يجب أن يكون للأصلح والأقدر وليس علي طريقة مراعاة فلان أو علان ولا إرضاء لأصحاب النفوذ والجاه والسلطان.
إن النفوذ والجاه والسلطان مصيرها إلي زوال.. وتكافؤ الفرص الذي يفتقده البشر في الدنيا سيجدونه في الآخرة حيث لا وساطة ولا محسوبية وسوف يقف الجميع يوم الحشر امام خالقهم جل شأنه ليحاسبهم علي أعمالهم وأفعالهم بعدل فلن يشفع يومها لأحد حسب أو نسب..
وكما قال الخالق عز وجل بمحكم كتابه بسورة "عبس": "فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل إمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة". صدق الله العظيم .