الكاتب الأمريكي - باتريك بوكانان ترجمة - بسام عباس الحومي
حول الأزمات التي تطفو من جديد في منطقة البحر الأسود وشبه جزيرة القرم بين روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وموقف الولايات لمتحدة التي تخلت عن اصدقائها هناك، كتب "باتريك بوكانان" مقالاً تحت عنوان "حروب البحر الأسود" نشره موقع أنتي وور (ضد الحرب) قال فيه:
قامت البحرية الجورجية، في أغسطس الماضي، بمصادرة ناقلة نفط تركية كانت تنقل الوقود إلى أبخازيا، المقاطعة الجورجية السابقة التي أعلنت الاستقلال منذ عام واعترفت بها روسيا في حين لم يعترف بها الغرب.
وقد حكمت جورجيا على القبطان التركى بالسجن لمدة 24 عاما. إلا أنها أطلقت سراحه عندما احتجت أنقرة. وعلى اثر ذلك هددت أبخازيا بإغراق أية سفينة جورجية "تدخل المياه الإقليمية"، رغم عدم امتلاكها لسلاح البحرية.
ومع ذلك فإن روسيا، التي لديها أسطول في البحر الاسود ومعاهدة صداقة مع أبخازيا، أخطرت تبليسي أن خفر السواحل الروسية سوف تؤمِّن، سلميا، التجارة البحرية لأبخازيا.
فيما يؤكد الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي - الذي شن الحرب على اوسيتيا الجنوبية وخسرها في غضون 48 ساعة في أغسطس 2008 – على عدم التراجع، وأعلن الحصار المفروض على أبخازيا، ومدعيا أنها جزء من التراب الوطني الجورجي، وأن هذا الحصار سوف يظل ساري المفعول. في حين أنه قد عين مؤخرا وزيرا للدفاع (29 عاما) والذي كان يشغل منصب رئيس السجون والذي يحفل سجله بخروقات لحقوق الإنسان والذي يريد تعزيز العلاقات مع حلف شمال الاطلسي.
وبقراءة بسيطة نجد أن أي اشتباك بحري سوف تخسره جورجيا، وذلك في ضوء التواجد الجوي والبحري والبري الروسي في المنطقة الشرقية من البحر الأسود.
إذن فما الذي يريد "ساكاشفيلي" أن يصل إليه؟ يبدو انه عازم على إثارة أزمة جديدة تضمن وقوف قوات حلف شمال الاطلسي في صفه وتحفيز الولاياتالمتحدة أن تقف الى جانبه ضد روسيا، إلا أن الهدف الأسمى هو عودة مسألة أزمة الأراضي التي خسرها، والمتمثلة في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، إلى صدارة الأزمات الدولية في العالم.
وفي حين أن هذه الأزمة قد تكون في مصلحة ساكاشفيلي ومناصروه من من المحافظين الجدد الأمريكيين الذين يتملكهم "الرهاب الروسي"، فهي أبعد ما تكون عن المصالح القومية الأميركية.
وسيطلب الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" من نائبه "جو بايدن" أن يهاتف صديقه "ساكاشفيلي"، ويملي عليه قوله: "ميخائيل، إذا كنت ستعترض التجارة البحرية الأبخازية، واستفزاز روسيا إلى حرب في البحر الأسود، فعليك أن تحاربه وحدك، فإن الأسطول السادس لن يبحر في البحر الاسود، فاسحب جنودك من قلب المعركة، يا صديقي القديم، إنها سوف تكون حربك انت وحدك ولن تكون حربنا".
وليست الأزمة الأبخازية وحدها فقط التي تختمر على سطح البحر الأسود.
ففي الشهر الماضي، منع أسطول البحر الاسود الروسي حُجّاب محكمة أوكرانيين حاولوا مصادرة معدّات ملاحية في فنار على مشارف مدينة سيفاستوبول الاوكرانية الساحلية في شبه جزيرة القرم حيث يتمركز الاسطول الروسي منذ أكثر من قرنين.
ومع ذلك، سوف ينتهي عقد إيجار سيفاستوبول في عام 2017، وقد أبلغت كييف المسئولين في موسكو بنيتها عن عدم الرغبة في تجديد العقد. وسوف يضطر أسطول روسيا إلى إخلاء سيفاستوبول وشبه جزيرة القرم، التي ظلت تابعة لروسيا حتى قام "نيكيتا خروتشوف" في عام 1954 بالتنازل عن كامل شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا في بادرة حسن نية "أخوية" حين كانت أوكرانيا لا تزال جزءًا من الاتحاد السوفياتي.
وتظهر أمواج البحر الأسود المتلاطمة العداء الروسي العميق تجاه الرئيس الأوكراني "فيكتور يوشينكو" ، لمحاولاته الحثيثة الانضمام لحلف شمال الاطلسي، في حين يتمتع يوشينكو بالدعم الامريكي اللا محدود منذ الثورة البرتقالية عام 2004، ورغم تدني شعبيته إلى الصفر فهو رجل أمريكا في كييف.
وعلاوة على ذلك، فالعلاقات والروابط الدينية والثقافية والعرقية والتاريخية بين كييف وموسكو والتي تمتد إلى عدة قرون، تجعل الروس غاضبين لخسارتهم ما يعتبرونه مهد بلادهم.
وبالنسبة للولايات المتحدة فالحقيقة أنه لا توجد لديها أية مصالح حيوية تجنيها من كل هذه الخلافات في البحر الأسود. وفكرة أن يتمركز الأسطول السادس الأمريكي في قاعدة بحرية خالية في سيفاستوبول هي عملية استفزازية ومثيرة للروس، مثل فكرة أن تتحرك السفن الحربية الصينية الى جوانتنامو لتضغط على هافانا من أجل طرد الولاياتالمتحدة من تلك القاعدة.
ومن غير المرجح أن تحدث هذه الفكرة، فعلى ما يبدو فقد تراجع أوباما عن سياسة "جورج دبليو بوش" في توسيع حلف شمال الأطلسي في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
وفي حين نجح في انضمام ليتوانيا ولاتفيا واستونيا الى عضوية حلف الناتو، ورغم حرص جورج بوش وجون ماكين على انضمام أوكرانيا وجورجيا، إلا أن تقاعس بوش تجاه الحرب بين روسيا وجورجيا كشف أن أمريكا لن تدخل في أية حرب مع روسيا حول السيطرة على أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وداغستان وانغوشيا والشيشان، أو جورجيا، فكلها حروب بعيدة جدا عن المصالح الحيوية أو المؤثرة على الولاياتالمتحدة.
ومع إلغاء الدرع الصاروخية الأميركية في بولندا والجمهورية التشيكية – وهي الدرع التي صممت لصد الصواريخ الايرانية العابرة للقارات غير الموجودة أصلا – فقد وجه أوباما من خلال هذه العملية رسالتين إلى موسكو.
فالرسالة الأولى تشير الى إيمان أوباما بأن الوفاق مع روسيا هو أكثر رسوخا في ضمان السلام والأمن في أوروبا الشرقية من أي نظام دفاعي أمريكي، بينما تفيد الرسالة الثانية بأن أوباما يضع علاقات واشنطنوموسكو في المقدمة قبل أي علاقة عسكرية أمريكية مع حلفاء الناتو من دول أوروبا الشرقية، وهذا يعني أن حلف شمال الاطلسي يقترب من أزمة تهدد وجوده.
وهنا تجدر الاشارة الى الخلافات بين الناتو وأمريكا فقد انسحبت معظم قوات حلف شمال الاطلسي، ما عدا الولاياتالمتحدة، من العراق، وأن الحد الأدنى من التزام الحلف تجاه الحرب في أفغانستان سينتهي قريبا مع عدم ظهور أي مكاسب حقيقية في الأفق. وفي حين توقف توسع الناتو شرقا، ولم تنضم أوكرانيا وجورجيا اليه فقد وقفت الولاياتالمتحدة عن التقدم بقواتها وسفنها الحربية وصواريخها، ولزمت مكانها بعيدا عن الحدود الروسية.
وصرح "ريتشارد لوغار"، السيناتور الأمريكي عن ولاية انديانا، في نهاية الحرب الباردة قائلاً: " يجب أن يخرج الناتو من المنطقة، أو يخرج من دائرة العمل هناك"، وها هو الناتو يخرج من المنطقة، ويعود أدراجه بخفي حنين. ولكن ما هو البديل الذي سوف يأتي مكانه؟