واقعة غريبة لا تحدث حتى فى بلاد الواق واق, شهدتها دولة من دول غرب أفريقيا تُدعى الجابون أعلن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم فيها, أن نجل الرئيس الراحل عمر بونجو, سيخوض انتحابات الرئاسة المقبلة مرشحاً عن الحزب, وبهذه الأنباء تأكدت التوقعات والتكهنات التى انتشرت على نطاق واسع بتولي وزير الدفاع ونجل الرئيس الراحل "الحاج" علي بن بونجو السلطة منذ وفاة والده, الذى حكم البلاد أكثر من 41 عاماً, ليكون بذلك أطول زعماء أفريقيا بقاءا فى الحكم.
هى بالفعل واقعة لا يمكن أن تحدث فى القرن الحادى والعشرين, وإن دلت فإنما تدل على أن النظام الاستعبادي موجود وبقوة, وأن هناك نظماً تنظر إلى شعوبها على أنها أصنام لا إرادة لها.
الغريب فى عملية التوريث الجابونية تلك مشاركة بعض القوى والنخب السياسية الجابونية المحسوبة على الشعب في الترويج لها وتأييدها , فقد قال "نائب الأمين العام للحزب الديمقراطى الجابونى", إن اللجنة السياسية قرّرت بإجماع كبير اختيار علي بن بونجو نجل الرئيس الراحل مرشحاً للحزب".
ولكن سرعان ما تزول الدهشة إذا ما عرفنا السياسة التي أدمن علي أتباعها الراحل "الحاج" بونجو, التى اعتمدت على الفساد ومحاباة المقربين, ورجال الأعمال المنتفعين, وإغداقه المالي والعطايا على منافسيه السياسيين, واستخدام ثروته الضخمة لإثراء حساباتهم المصرفية الخاصة كأداة للبقاء في سدة الحكم لأكثر من 40 عامًا.
ما يثير دهشتي واستغرابي أيضاً عجز وصمت الشعب الجابوني عن اتخاذ موقف رافض لعملية التوريث تلك، خاصة مع تزايد الظلم والقهر والاستبداد الذي تمارسه القوي الحاكمه ضده, فضلاً عن الفقر المدقع الذي يعيشه, فعملية التوريث تلك ما هي إلا استمرار لنفس السياسات التي كان يتبعها الرئيس الأب الراحل.
وما لا يعلمه الشعب الجابوني أن التوريث يؤدي الى تكريس السلبية لدى الشعوب, واستمرار الفقر والتخلف لان ثروات الشعب سيتم توزيعها من قبل الوريث علي أجهزة الأمن المكلفة بحماية الكرسي وقمع المعترضين كما ان الثروة ستوزع ايضا علي المحاسيب وطبقة رجال الأعمال التي احتكرت السلطة والثروة وحرمت أصحاب البلد منها فلا مشروعات ولا صناعة ولازراعة لان الثروة نهبت من جانب الوريث وبطانته الفاسدة .
أما عن المعارضة الجابونية, والتى أعلنت عن خشيتها ألا تكون الانتخابات أكثر من مجرد إقرار شكلي لخلافه على بن بونجو لوالده في المركز الذى شغله طيلة أكثر من 4 عقود,وشددت علي ضرورة أن يعي الشعب الجابوني أن تلك الانتخابات ما هي إلا تمثيلية, وأن هناك من يمارسون المعارضة الصورية, لإعطاء ديكور ديمقراطي مزيف لعملية التوريث وأنه لايمكن ان تكون هناك انتخابات رئاسية نزيهة والذين يجرونها هم هم المتنفذين في أجهزة الأمن التابعة للأب المورث صاحب العزبة ( الجابون ) التي أعطاها لابنه وكأنها من ممتلكاته الشخصية .
تلك الحادثة المؤسفة تجعلنا نشكر أنظمتنا العربية بحكوماتها على ما تنعم به الشعوب العربية, فمثل هذه الحوادث لا يمكن أن تحدث فى منطقتنا العربية إطلاقا !!
ففي ظل المناخ الذى تسوده الديمقراطية, ومبادئ الحرية المشهودة للنظم العربية, لم نسمع يوماً أن حاكماً عربياً احتكر مقعده الرئاسي لعقود من الزمن ثم تنازل عنه كاقطاعية لابنه , فهم يدركون جيداً أن هناك قضاءًا مستقلاً, وشعبا واعيا سيرفض ان يصبح عقارا وتراثا يمنحه الاب لابنه كما أنهم يؤمنون بتداول السلطة !! التى لا سبيل غيرها لاستمرار التقدم والتطور الذي تشهده بلادنا العربية .
لذا فإنني أعتب على رئيس حكومتنا المصرية المصونة أحمد نظيف, الذى استعرض خلال مقابلة على هامش مؤتمر دول عدم الانحياز الذى أقيم فى شرم الشيخ, تطورات الأوضاع فى الجابون, والمرحلة الانتقالية التى تمر بها فى أعقاب وفاة رئيس الجمهورية، وتأكيده على دعم مصر للجابون في هذه المرحلة, دون إعلانه رفض مصر لمثل هذا النوع من تداول السلطة, الذى يمثّل فى حد ذاته سرقة لوطن بأكمله, لا تقل عن سرقة اليهود لفلسطين.
واندهشت من موقف معالي رئيس وزراءنا الذي من المؤكد أنه يعلم بأن الفقه الإسلامي - طبقاً لفتوى أصدرتها أمانة الفتوى بدار الإفتاء برئاسة الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية فى أواسط عام 2008 - تقول " لا يجيز توريث الحكم لأنه لا يجري في إمامة المسلمين وهذا بلا خلاف بين العلماء" ، كما ان الخلفاء الراشدين ابو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما كان لهم ابناء ذكور و لم يفكر واحد منهم في توريثهم الخلافة ومعالي رئيس الوزراء يعلم أن سلوك هؤلاء الخلفاء هو شرع لنا .
فما رأى ابن الرئيس الجابونى فى ذلك ؟!
وما رأي باقي أبناء الرؤساء في دول أمريكا اللاتينية الناطقة باللغة العربية !! الذين ينتظرون دورهم في وراثة الإقطاعيات (اقصد الدول ) التي يمتلكها آباؤهم ؟؟!!