عامان على حرب يوليو على لبنان أسد ماجد منذ عامين شنت اسرائيل كما هو معروف اشرس حرب ضد بلد عربي صغير ولم تشهد المنطقة العربية عنفا وتدميرا وحقدا خلال ستة عقود من الزمن بحجة تحرير الجنديين الاسيرين اللذين بحوزة حزب الله ولم تقدم المقاومة على خطفهما الا لتبادل بهما اسرى لبنانيين مضى على وجودهم في السجون الاسرائيلية سنوات طويلة لذا كانت أبعاد عملية خطف الجنديين الصهيونيين انسانية بكل معنى الكلمة وشهد العالم كيف ردت اسرائيل على ذلك.. ومع مرور هذين العامين شهد الداخل الاسرائيلي تطورات دراماتيكية عديدة وارتدادات قوية لنتائج الحرب التي شنوها على لبنان ولكن قبل الخوض في هذه التفاصيل لا بد من التذكير ان لشهر يوليو محطات مهمة ومتغيرات جذرية في التاريخ العربي المعاصر ففي هذا الشهر من عام 1952 قامت ثورة يوليو المجيدة في مصر بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر واوجدت معطيات جديدة ومفاهيم قومية ووحدوية مازالت امتنا تقطف ثمارها حتى اليوم وفي 14 يوليو عام 1961 شهد العراق الثورة الدامية ضد الملكية واعلان الجمهورية بقيادة عبدالسلام عارف وعبدالكريم قاسم وبقي العراقيون يحتفلون بهذا اليوم التاريخي من كل عام على الرغم من خلافات الحكام الذين تعاقبوا على الحكم في العراق امثال عارف وقاسم والبكر وصدام حسين وتوقفت تلك الاحتفالات الوطنية والقومية لذلك اليوم المهم في تاريخ العراق المعاصر بعد سقوط بغداد بيد الاميركيين المحتلين عام ,2003. وفي شهر يوليو ايضا من عام 1970 تسلم السلطان قابوس سلطان عمان مقاليد الحكم بعدما اجبر والده سعيد بن تيمور على التنحي ويحتفل العمانيون بهذه المناسبة في كل عام وفي يوليو ايضا كانت الشرارة الاولى للثورة اليمنية عام 1962 بقيادة الضباط الاحرار اليمنيين ضد حكم الامامة في صنعاء وبتأييد من عبد الناصر وفي اواخر يوليو من عام 1969 اقدمت اسرائيل على الجريمة الكبرى بحرق المسجد الاقصى متحدية بذلك مشاعر مئات الملايين من المسلمين في العالم..اما على الصعيد العالمي فشهد شهر يوليو قيام الثورة الفرنسية الكبرى وبالذات في الرابع عشر من هذا الشهر. اما يوليو عام 2006 فله نكهة خاصة على صعيد الصراع العربي الاسرائيلي بحيث لم تفلح اسرائيل بتحقيق أي هدف من الاهداف التي شنت على اساسها الحرب على لبنان وعلى مقاومته واعلن رئيس وزراء العدو ايهود اولمرت في الثاني عشر من شهر يوليو عام 2006 ان الحرب على لبنان لن تتوقف الا بتحقيق هدفين اولهما اطلاق سراح الجنديين الصهيونيين اللذين اسرهما حزب الله عند الخط الازرق بين لبنان وفلسطينالمحتلة والهدف الثاني هو القضاء الكامل على البنية العسكرية لحزب الله واستمرت الحرب كما هو معروف ثلاثة وثلاثين يوما دون ان يحقق اولمرت أيا من الهدفين المذكورين وقد نجح حزب الله بصموده الاسطوري ان يحقق الاهداف التالية ولاول مرة منذ قيام دولة الصهاينة عام 1948. اولا: فقدت اسرائيل قوة الردع والمبادرة معا رغم التفوق العسكري الجوي لجيشها. ثانيا: حسمت اسرائيل معاركها التاريخية مع العرب بانتصارات سريعة لم تتعد ايامها عدد اصابع اليد الواحدة اما في حرب يوليو 2006 فقد وجدت نفسها امام حرب طويلة كانت تتعرى خلالها يوما بعد يوم. ثالثا: اللافت للنظر لجميع المراقبين والمحللين العسكريين والسياسيين عدم قدرة اسرائيل على حسم المعركة في البر بحيث لم تنجح باحتلال قرية لبنانية واحدة طوال ثلاثة وثلاثين يوما. رابعا: رغم فداحة التدمير الهائل الذي حققه الطيران الحربي الاسرائيلي وفي الضاحية والجنوب والبقاع لم نسمع صرخة ألم واحدة من قيادة المقاومة بل جاءت اطلالات السيد نصرالله على الفضائيات لتزيد من وتيرة الصمود والقتال. خامسا: استطاعت المقاومة بالاضافة الى اجبار اسرائيل على الفشل في الحرب البرية ان تشل ايضا القوة البحرية الاسرائيلية بعد تدمير المدمرة «ساعر5» ومنعت بذلك أي انزال بحري على الشواطىء اللبنانية بالاضافة الى بقاء الاسطول البحري الاسرائيلي بعيدا عن ساحة المعارك طوال فترة الحرب دون ان ننسى ان المقاومة كسبت الحرب الاعلامية من خلال شاشة المنار التي لم تستطع القوة العسكرية الصهيونية حذفها من معادلة القتال. سادسا:لاول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي تحقق حلم المواطن العربي في كل مكان وهو يرى العمق الصهيوني يقصف بالصواريخ في اهم مدنه كحيفا وطبريا وعسقلان وكريات شمونا والتهديد بقصف تل ابيب مما اوجد حالة تهجير صهيونية تعدت النصف مليون نسمة في الوقت الذي اوهمت الصهيونية العالمية الوافد اليهودي الى فلسطين ان عمقه مضمون الامن والامان. ومنذ عامين والعالم يشهد تداعيات هذه الحرب ونتائجها على الداخل الصهيوني خاصة بعد نشر اجزاء من تقرير لجنة فينوغراد الذي اهم ما جاء فيه ان عصابة صغيرة من المقاتلين استطاعت ان تلحق الهزيمة العسكرية باقوى جيش في الشرق الاوسط وكادت حرب يوليو ان تطيح باولمرت لاكثر من مرة لولا دعم بوش الشخصي له ولاعتبارات الداخل الصهيوني فقد اكدت كل الصحف الصهيونية انه لو تقدم اولمرت باستقالته وتقدم للمحاكمة لانهار المجتمع الصهيوني بكامله فكان لابد من بقاء هذا المجتمع متماسكا الى حين مرور عاصفة فينوغراد لكن نتائج حرب يوليو اطاحت بسرعة برئيس الاركان الصهيوني دان حالوتس الذي ابلغ رئيسه اولمرت بعد ثلاثة ايام من حرب يوليو انه تم تدمير سبعين بالمائة من القوة العسكرية لحزب الله ثم استقال وزير الدفاع المهتز عمير بيريتس الذي اعلن يوم بدء الحرب أي في الثاني عشر من يوليو ان حسن نصرالله لن ينسى اسم عمير بيريتس ولكن ما اجمل ان كسرت حرب يوليو هذا الصلف الصهيوني والغرور الاعمى المتعالي دائما ومنذ سنتين تشهد الهجرة اليهودية باتجاه فلسطينالمحتلة تراجعا تعدى نسبة الاربعين بالمائة في حين ارتفعت نسبة الهجرة المضادة للصهاينة وبالذات باتجاه اميركا والملفت للنظر ان معظم الذين تركوا اسرائيل «ارض الميعادوالاحلام والاستثمار» هم من طبقة المثقفين والمتعلمين في الكيان الصهيوني وهذه ظاهرة لم يسبق ان رآها هذا المجتمع المحتل.. واهم ما شهدته تداعيات هذه الحرب تراجع الشباب الاسرائيلي عن الالتحاق بالجيش والامتناع حتى عن الالتحاق بالخدمة العسكرية العادية بسبب اهتزاز الثقة بالجيش وبقيادته وتأكيدا لهذه الحالة نعود بالذاكرة الى ما اكده مراسل القناة العاشرة العسكري في التليفزيون الاسرائيلي بعد وقف العمليات العسكرية ان اسرائيل تحتاج لمدة ثلاث سنوات لاعادة ترتيب قوتها العسكرية واستعادة قوة الردع التي تمتعت بها منذ قيامها وبالفعل هذا ما اكده رئيس الاركان اشكنازي يوم تعيينه في هذا المنصب بعد اقالة سلفه دان حالوتس انه سيعمل ليلا ونهارا لاختصار المدة المطلوبة لاعادة الاعتبار لجيشه. رسمت الهزيمة العسكرية لاسرائيل إثر حرب يوليو عام 2006 افشال مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي بشرت به وزيرة الخارجية الاميركية رايس في الاسبوع الاول لشن اسرائيل حربها التدميرية وبالذات صباح مجزرة قانا الثانية واكدت كل المعلومات ان اسرائيل ارادت توقيف الحرب بعد عشرة ايام من قيامها لكن الضغط الاميركي حال دون ذلك لان بوش كان يعلم علم اليقين ان هزيمة اسرائيل في هذه الحرب هي المسمار الكبير والاخير في نعش المشروع الاميركي للمنطقة لان ادارة بوش في حينها لم تعد تحتمل الهزائم في منطقتنا العربية بعد الذي لحق بها في العراق وافغانستان وفلسطين فكان لبنان المنصة الاخيرة لعودة اميركا في حال انتصار اسرائيل يومها الامساك بخيوط اللعبة كلها فلو قدر لاميركا النجاح والانتصار بفرض مشروعها على لبنان لاعادت ترتيب المنطقة كما شاءت فكان من اهم نتائج حرب يوليو عام 2006 . هو الهزيمة الاستراتيجية للاميركيين في المنطقة ومنذ ذلك الحين وعلى اثر الهزيمة الاسرائيلية في لبنان بدأت الادارة الاميركية الحالية تكشف عن تراجعها وضعفها وتوسلها لطهران ودمشق بمساعدتها على الخروج من المأزق العراقي ومن ثم اللبناني واطاحت نتائج حرب يوليو بمعظم القرارات الدولية التي سبقت اعلان الحرب على لبنان مثل القرار 1559 والقرار 1561 ثم موضوع المحكمة الدولية بشأن مقتل الحريري التي استعملتها اميركا لابتزاز سوريا والمقاومة وعندما انتفت الحاجة لذلك رمتها اميركا وتركت حلفاءها في لبنان والاهم ان اولمرت وكل قوته العسكرية ومعها القوة العسكرية الاميركية لم تستطع اطلاق سراح الجنديين الصهيونيين الاسيرين ولا القضاء على البنية العسكرية لحزب الله بل ما رأيناه فيما بعد كان عكس ذلك تماما حيث لجأت اسرائيل مكرهة الى المفاوضات الغير مباشرة لاطلاق سراح جندييها واضطرت لاطلاح سراح سمير القنطار الذي رفضت كل الحكومات الصهيونية المتعاقبة منذ اعتقاله مجرد طرح النقاش حول اطلاق سراحه وسعت صاغرة لاقفال ملف الاسرى مع لبنان في اول ظاهرة بين الكيان الصهيوني وبلد عربي كما قال السيد نصرالله في مؤتمره الصحفي الاخير يوم الاربعاء في الثاني من الشهر الحالي. اثبتت حرب يوليو 2006 انه لا حل مع هذا الكيان الغاصب الا القوة وما قاله الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1968 ان ما اخذ بالقوة لايسترد الا بالقوة نراه اليوم يترجم عملا واضحا على الارض ففي العام 2000 خرجت اسرائيل من لبنان مهزومة مدحورة دون قيد او شرط وبعد ست سنوات من ذلك شهدت أقسى هزيمة عسكرية في تاريخها وها هي اليوم بعد سنتين على مرور هذه الذكرى تفرج عن كل ما لديها من اسرى لبنانيين وجثامين الشهداء اللبنانيين ومعهم الشهداء العرب الذين انطلقوا من لبنان لقتالها وكسرت المقاومة في مفاوضاتها بشأن الاسرى مقدسات لدى الصهاينة واهمها انه لايمكن تبرئة من «تلوثت يداه بدماء اليهود» امثال سمير القنطار ولكن القوة قالت لاسرائيل ان التطبيق احيانا كثيرة يأتي مغايرا للنظرية. عن صحيفة الوطن القطرية 13/7/2008