بمناسبة مرور ربع قرن على مذبحة صبرا وشاتيلا مخيمات لبنان عرضة لكل أصناف القهر
* نضال حمد
توقفت الأعمال الحربية في النهر البارد ولم تتوقف الأعمال التدشيمية والتحصينية للجيش اللبناني حول مخيم عين الحلوة وبقية المخيمات الفلسطينية الأخرى مثل الرشيدية والبص وبرج الشمالي والمية ومية وبرج البراجنة والبداوي. أي شخص يقوم بجولة ميدانية حول اكبر مخيمات لبنان سيجد ان التحصينات والدشم والحواجز التابعة للجيش اللبناني زادت بنسبة مئة بالمئة أو أكثر. وجديد تلك التحصينات قيام الجيش ببناء جدار عازل في عدة أمكنة من المخيم، مثل سيروب والنبعة وجبل الحليب وطريق الفيلات وأحياء طيطبا والبركسات وغيرها. وهذا الجدار يذكر أهالي المخيمات باخوانهم في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويزيد من غضبهم على القائمين عليه. كما أن تلك التحصينات تزيد من معاناة سكان المخيم الذين بدورهم أصبحوا يتمنون الخلاص من تلك الحياة المهينة في المخيمات المحاصرة. إن الذي يمنع هؤلاء من التخلي عن عروبتهم هو ايمانهم بالعروبة بالغرم من القمع والاضطهاد والتفرقة التي يتعرضون لها منذ نكبة فلسطين. وكذلك تمسكهم بحقهم بالعودة إلى ديارهم المحتلة في فلسطين، وحقهم بالحياة بشرف وكرامة.
هذه العزة والأباة ووقفة العز هي التي حالت وتحول دون هجرتهم من مخيماتهم ومحيطهم العربي المقيت. ويضل المخيم عنوان الصمود واللجوء وعنوان العودة والمقاومة والعطاء. لذا سوف يبقى بمن فيه مستهدفاً من كل المعادين للفلسطينيين.
سواء الذين نفذوا حروبهم ومجازرهم ضد تلك المخيمات مثل مخيم النبطية الذي دمرته الطائرات الصهيونية في سبعينيات القرن الفائت. وكذلك مخيمات تل الزعتر وبرج حمود والضبية وجسر الباشا. ثم فيما بعد صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة وبرج الشمالي والرشيدية وعين الحلوة.هذا الإنسان الفلسطيني الصابر الصامد ورغم الدمار والهوان والحصار والجوع والتضحيات والمعاناة حافظ على الأصالة والانتماء وصان المخيمات الفلسطينية التي تعتبر بناسها خزان وقود للمقاومة الفلسطينية وداعم أساسي للمقاومة اللبنانية.
يبدو ان القلق من تصاعد حدة الحرب الإعلامية على الفلسطينيين في لبنان أثناء وبعد مأساة مخيم نهر البارد، جعل قسماً كبيراً من الشباب الفلسطيني في المخيم يعتبر نفسه هدفاً لضغينة وحقد وتحريض هؤلاء الأشخاص المعروفين بارتباطهم مع الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني. أضف إلى ذلك قول هؤلاء الشباب أن الحواجز التابعة للجيش تتعامل معهم بشكل فظ. كما أن دوائر ومؤسسات الدولة اللبنانية لا تتوانى عن التفرقة بينهم وبين إخوانهم اللبنانيين في المعاملة حتى بكميات الكهرباء والماء.
ويقول هؤلاء الشباب أن أي فلسطيني يتعرض لمشكلة تصل بدورها إلى القضاء اللبناني سوف يتم حكمه بأعلى الأحكام، أي إذا كانت الجريمة بسيطة وتستحق حكماً بالسجن لمدة ستة اشهر فان القاضي يحكم الفلسطيني بست سنوات. كما ان هناك في المخيمات عدداً لا بأس به من المخبرين الذي يعملون لصالح المكتب الثاني اللبناني وأجهزة مخابرات عربية وغير عربية.
وهناك أيضاً الكثير من المطلوبين الفلسطينيين الذين لا يعرفون ما هي تهمهم، فقط يقوم حاجز الجيش على مدخل المخيم بإرسال مذكرات التوقيف بحقهم. منهم من يسأل عن تهمته فيطلبوا منه ان يسلم نفسه للتحقيق ويتم احتجازه لمدة أسبوعين، ويتبين فيما بعد أن الأبرياء من هؤلاء يقرون بالتهم الموجهة إليهم نتيجة التعذيب الذي يتعرضوا له. وهناك أمثلة كثيرة وبالأسماء عن مثل هذه القضايا.
وبحسب أقوال بعض أبناء المخيمات فأ ذلك يتم على خلفية التعبئة الحاقدة ضد الفلسطينيين في لبنان. وقد ازدادت التفرقة العنصرية ضدهم بالذات في زمن حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري. حيث اتخذت تلك الحكومات والبرلمانات قرارات وقوانين عنصرية واضحة ضدهم. كما حرمتهم من كثير من حقوقهم المدنية والإنسانية الأساسية. مثل حق التملك والتوريث والسفر والعمل، وضيقت عليهم في كافة مجاري الحياة.
بعد ربع قرن على مجزرة صبرا وشاتيلا وعدة أسابيع على دمار نهر البارد ماذا عسانا نقول عن سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، المعروف بقيادته مع شارون وحبيقة لمجزرة صبرا وشاتيلا والمتهم والمتورط بعشرات الجرائم والاغتيالات في لبنان. هذا الرجل حر، طليق وقائد لكتلة سياسية لم تستفد ولم تتعلم من تجربة الحرب وتحالفها مع الصهاينة.
إذ عادت ومعها متصهينين لبنانيين جدد تشن الحملات الإعلامية ضد عروبة لبنان وضد المقاومة في لبنان وضد سوريا والفلسطينيين. ولم تكد دماء الضحايا تجف في نهر البارد حتى سمعنا بعض تلك القيادات اللبنانية تطالب بعدم السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة الى مخيمهم. فمنهم من قالها لأنه يكن الحقد والضغينة والبغض للفلسطينيين، ولأنه لا يرى فيهم سوى خراب للبنان الذي هو بالأصل بلد خرب منذ نشأته.
ومنهم من قالها نتيجة عدم فهمه ووعيه أو نتيجة مهنته الببغاوية، حيث مطلوب منه أن يردد كما الببغاء كل ما يسمعه من أسياده. وفي ظل التصريحات التي تنادي بعدم السماح بعودة لاجئي البارد إلى مخيمهم، والأخرى التي تقول بان المخيم سيعود تحت سيطرة السلطة اللبنانية وبجغرافيته القديمة، أي مساحته منذ سنة 1948 ، مما يحرم آلاف من اللاجئين من بيوتهم وأملاكهم ومكان سكنهم، وقد لا يشملهم التعويض عن الأضرار.
ان المتتبع للتصريحات المذكورة يخرج بمحصلة مفادها أن هناك شيء ما غامض في موضوع نهر البارد خاصة وفي الموضوع الفلسطيني بلبنان برمته. فهل سنشهد بعد ربع قرن من مجزرة صبرا وشاتيلا مجازر جديدة في مخيمات لبنان؟ سؤال سوف تجيب عنه الأسابيع القادمة.