المؤتمر الموعود ليس مؤتمراً دولياً د. عدنان السيد حسين في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش عن الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع التطورات الجديدة على الساحة الفلسطينية، دعا إلى عقد مؤتمر دولي في الخريف المقبل، بحضور “إسرائيل" ودول الجوار، وذلك لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط التي تعطلت على مسار مدريد منذ العام 1994. هذه الدعوة غامضة من حيث تاريخها غير المحدد بدقة، ومن حيث الحضور وعما إذا كان سيكون للأمم المتحدة دور طالما أن وزيرة الخارجية الأمريكية رايس هي التي ستترأس المؤتمر. ثم ما دور اللجنة الرباعية الدولية؟ وتحديداً ما الدور الروسي؟ وما الدور الأوروبي؟ صلاحيات المؤتمر مبهمة، وربما سيكون تكراراً لمؤتمر مدريد الذي لم يكتسب صفة المؤتمر الدولي، هذا إذا عقد المؤتمر في الخريف المقبل. قبل مناقشة طبيعة هذا المؤتمر وخياراته الممكنة في ضوء الأحداث الجارية في العراق وفلسطين. وتجدر الإشارة إلى ملف المؤتمر الدولي الخاص بالصراع العربي “الإسرائيلي" منذ بدايات الفكرة، وذلك لتسجيل الملاحظات الآتية: 1- المؤتمر الدولي الوحيد الذي انعقد تحت عنوان “أزمة الشرق الأوسط" هو مؤتمر جنيف بعيد حرب ،1973 وتحديداً في 21/12/،1973 ولمرة واحدة. دعا إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 338 القائم على إجراء مفاوضات فورية بين الأطراف المعنيين. وانعقد تحت رئاسة الأممالمتحدة من دون تشجيع من الولاياتالمتحدة التي كانت تؤثر المفاوضات المباشرة بين “إسرائيل" والدول العربية. وقد تبين لاحقاً أن مؤتمر جنيف مهد لاتفاقات فصل القوات على جبهتي الجولان وسيناء. 2- اتخذ مؤتمر وزراء الخارجية العرب موقفاً موحداً من المؤتمر الدولي، ولأول مرة، في العاصمة التونسية يوم 6/4/،1987 مؤيداً لعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأممالمتحدة، وباشتراك جميع الأطراف.. بيد أن ما حصل لاحقاً هو غير ذلك! 3- انعقد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط بتاريخ 30/10/،1991 بحضور ممثلي “إسرائيل" والأردن وسوريا ولبنان ووفد فلسطيني في إطار الوفد الأردني، وحضرت مصر بصفة شريك كامل. أما حضور الأممالمتحدة فكان بصفة مراقب (!) في مقابل الرعاية الأمريكية والسوفييتية للمؤتمر، على أن الرئاسة الفعلية هي للولايات المتحدة بحكم المتغيرات الدولية في تلك المرحلة. مؤتمر مدريد، ليس مؤتمراً دولياً لأن الأمم المتحد كمنظمة دولية لا تقوده، بل تشارك بصفة مراقب. والأعضاء الثلاثة الدائمو العضوية (بريطانيا وفرنسا والصين) كانوا بصفة مراقب. ومن المعروف أن وزير الخارجية الأمريكية جيمس بيكر قام بمفاوضات طويلة مع الأطراف قادت إلى استبدال تسمية المؤتمر من “مؤتمر دولي" إلى “مؤتمر سلام"، إضافة إلى كل ذلك، جاء دور مدريد مناسبة احتفالية على حد تعبير اسحق شامير ليفضي إلى مفاوضات ثنائية مباشرة، ومتعددة الطرق تقود إلى التطبيع.. ولم يكن للمؤتمر أي صلاحية ملزمة للمؤتمرين. 4- بعد تعثر العملية السلمية، وانتفاضة الأقصى، ثم احتلال أفغانستان والعراق تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، عادت أوساط دولية، وعربية، لتطرح انعقاد مؤتمر دولي لتحريك العملية السلمية. بيد أن دعوة الرئيس الفرنسي جاك شيراك والرئيس المصري حسني مبارك، لم تلق تشجيعاً أمريكياً بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. وخفت طرح المؤتمر الدولي داخل اللجنة الرباعية الدولية التي جاءت لتنفيذ خارطة الطريق. والنتيجة هي تجميد خارطة الطريق، وسقوط فكرة المؤتمر الدولي. اليوم عندما يعلن الرئيس جورج بوش إمكانية عقد مؤتمر دولي، نستدرك فوراً أن هكذا مؤتمر سيعقد تحت إدارة وزارة الخارجية الأمريكية ليس مؤتمراً دولياً، هذا إذا عقد. وإنما هي مجرد دعوة لتحريك العملية السلمية من دون الوصول إلى نتائج حاسمة على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية. ما المطلوب والحال هذه؟ المطلوب هو إيجاد مناخ عربي وإسلامي، تشارك فيه سوريا، وإلى حد ما تؤيده إيران، مساعدة للإدارة الأمريكية حتى تخرج من ورطتها الصعبة في العراق، ووضع حد للتخبط الأمريكي الذي بات يهدد سمعة الولاياتالمتحدة ومكانتها الدولية. والمطلوب هو إعطاء نقطة إضافية للحزب الجمهوري تساعده على خوض الانتخابات الرئاسية في العام المقبل من دون خسارة فادحة، هذا بعدما تراجعت شعبية الرئيس بوش إلى أدنى معدل، ووصل انتقاد الاستراتيجية الأمريكية في العراق إلى أوساط الحزب الجمهوري، ناهيك عن الحزب الديمقراطي المعارض. وحتى يقتنع الأطراف المعنيون بالمشاركة في هكذا مؤتمر، لا بد من تحضيرات سياسية ودبلوماسية، ثمة إشارات أطلقها بوش في هذا الاتجاه، مثل: دعوة “إسرائيل" إلى إنهاء الاحتلال، وتفكيك الحواجز، ووقف توسيع المستوطنات، ودعوة الفلسطينيين إلى نبذ العنف، ومصادرة الأسلحة، وإطلاق الجندي “الإسرائيلي" الأسير جلعاد شاليت، في مقابل تخصيص مبلغ 190 مليون دولار للسلطة الفلسطينية ممثلة بمحمود عباس ورئيس حكومته سلام فياض، وفي مواجهة حركة حماس بكل صراحة ووضوح. أما بشأن المسار السوري، فإن أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون أعلن دعمه للمفاوضات السورية “الإسرائيلية"، وأكد مساعيه في هذا الاتجاه. تبقى كلمة السر الأمريكية بشأن المسار السوري هي مدي مساعدة حكومة دمشق للإدارة الأمريكية في العراق. ما عدا هذه النقطة، فإن ما يطرح مجرد تكرار ممل.. إن قرارات الأممالمتحدة واضحة في هذا الصدد، والاحباط الفلسطيني متعاظم بضغوط أمريكية و"إسرائيلية". لا تزال علامات التقدم في العملية السلمية بعيدة عن فضاء الشرق الأوسط، وما دعوة الرئيس الأمريكي إلا للاستثمار السياسي خلال فترة حرجة تمر فيها إدارته الجمهورية. عن صحيفة الخليج الاماراتية 26/7/2007