باكستان تعتمد «القبضة الحديدية» في مواجهة التطرف هدى الحسيني بالنسبة الى الحلفاء الغربيين لباكستان، كان الهجوم العسكري على «المسجد الأحمر» في إسلام آباد ضربة موجعة لاستثمار «طالباني» في قلب العاصمة الباكستانية، تماماً مثل الضربات الأخرى ضد المنظمات المتطرفة في بقية أنحاء البلاد، أما إدارة الرئيس الباكستاني برويز مشرّف، فإن ما أقدمت عليه تعتبره الضربة الأولى ضد حركات متطرفة مسلحة تريد أن تطبّق بالقوة نظام العمل حسب الشريعة الإسلامية. وإذا كان ما حدث في «المسجد الأحمر» يسجل انتصاراً للدولة، فان باكستان لا تتحمل انتصارات أخرى من هذا النوع. ما حدث في «المسجد الأحمر» كان بمثابة جرس إنذار للحكم، والرأي العام و«القاعدة» أيضا التي ظهرت بصمات الرجل الثاني فيها، أيمن الظواهري، في عملية المسجد واضحة.. عندما ألقي القبض على الزعيم الأول ل«المسجد الأحمر» مولانا عبد العزيز محاولاً الخروج في ظل برقع نسائي، بث الظواهري رسالة صوتية يدعو فيها الباكستانيين الى التحرك ضد مشرّف، لكنه ضمّن الشريط نوعاً من الحذر الذي استشف منه الظواهري خطراً مقبلاً على «القاعدة» قال للمسلمين الباكستانيين بوجوب تقديم الدعم للمجاهدين في أفغانستان (...) «لأن الجهاد في أفغانستان هو باب الخلاص لأفغانستان، وباكستان وبقية المنطقة». كثير من المراقبين الأمنيين يعتقدون بأن قيادة «القاعدة» موجودة في مناطق دير، مالاكاند وسوات على الحدود الشماليةالغربيةلباكستان، وهي المنطقة التي أمر الرئيس مشرّف بتوجيه فرق من الجيش نحوها، يتجاوز عدد جنودها 15 ألفاً بعدما قال «طالبان» إنهم تخلوا عن الاتفاق الموّقع بينهم وبين إسلام آباد، ورد مشرف بأنه لم يوقع اتفاقاً مع «طالبان»، بل مع زعماء القبائل في منطقة وزيرستان. ولأنها مقيمة كقيادة في باكستان، فإن «القاعدة» لا تستطيع ان تغامر بشن هجمات متواصلة ضد باكستان خوفاً من جذب انتباه وتركيز لا تريدهما، لهذا حاولت ألا تصبح أنشطة الجهاديين في باكستان مسؤولية أمنية تؤثر على قيادتها، ولأن الظواهري لا يسيطر على كل الجهاديين في باكستان، وعلى الرغم من الهجمات الإرهابية التي تعرض لها الأجانب والحكومة الباكستانية (محاولات اغتيال مشرّف) منذ انضمام اسلام آباد الى الحرب ضد الإرهاب، فان حكومة مشرّف تجنبت لفترة طويلة مواجهة عسكرية مع الجهاديين، لكن ازمة «المسجد الأحمر» أجبرت الباكستانيين على تغيير موقفهم، ولم تكتف الحكومة باقتحام المسجد بل ان مشرّف أعلن في الثاني عشر من هذا الشهر عن خطط لملاحقة كل المجموعات المتطرفة في المناطق الحدودية ومناطق القبائل. ويقول خبير أمني: «من المؤكد أن الظواهري أدرك أبعاد هذه المواقف إذا ما تحولت الى أعمال مواجهة، لذلك جاءت عبارات الدعوة الى الجهاد في أفغانستان في رسالته. وبعد سقوط المسجد جاءت فبركة فيديو من تسجيلات قديمة لأسامة بن لادن يعود بعضها الى عام 2001 يثّني فيها على الاستشهاد. وجاءت هذه الرسالة المصورة بعد مقتل مولانا عبد الرشيد وحارسه الأوزبكي بعدما منعه مقاتلون آخرون من الهرب».. ويضيف محدثي، إن الظواهري أراد الاستنجاد بتأثير بن لادن. ثم إن «القاعدة» تتوق الى استغلال المشاعر المعادية للحكومة التي تفاعلت في نفوس الكثير من الباكستانيين بعد اقتحام «المسجد الأحمر»، لكن «لا بد أن القاعدة تهيئ نفسها في الوقت ذاته لمتابعة صراع طويل الأمد بين الدولة الباكستانية والمجموعات الجهادية التي ساهمت (الدولة) في إيجادها، وبسبب طول هذا الصراع، فان مؤسسي «القاعدة» ممكن ان يكونوا، بسبب موقع قيادتهم الجغرافي على خط تقاطع النيران المتبادلة ما بين قوات إسلام آباد والمجموعات المتطرفة، في المستقبل القريب». إن عملية «المسجد الأحمر» وضعت باكستان على مفترق طرق، ويطالب الكثير من الباكستانيين الدولة بضرورة التحرك وفي أسرع وقت ممكن، لأنه إذا استطاع رجال دين في مسجد في إسلام آباد أن يكدّسوا الأسلحة ويحولوا «المدرسة الدينية» الى ملجأ لمقاتلين متطرفين يواجهون قوات الأمن والجيش في معركة حتى النهاية، لا بد إذن أن نشاطات آخرين في المناطق النائية ستكون أفظع. منذ حوالى ستة اشهر والمقيمون في «المسجد الأحمر» يتحدون الدولة والقانون والناس، من دون أن يلقوا أي ردة فعل، الأمر الذي جعلهم يشعرون بأنهم فوق القانون. وكان أول تحد قاموا به ضد الدولة في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي عندما أقدم «طلاب» مدرسة حفصة على الاستيلاء على مكتبة للأطفال، ولو ان الدولة مارست نفوذها في ذلك الوقت ولم يجر غض نظر من قبل الاستخبارات الباكستانية، لكان ممكناً تجنب المواجهة الدموية التي وقعت أخيرا. وفي اتصال مع صحافي باكستاني في إسلام آباد قال لي: «كما أن «فتح الإسلام» في لبنان كانوا السبب في تدمير مخيم «نهر البارد» وتشريد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، فان مقاتلي وليس «طلاب» «المسجد الأحمر» هم السبب في هذا المصير، هم الذين أوجدوا ظروف هذه المحنة، وهم المسؤولون عن دماء الضحايا البريئة التي سقطت». ويضيف انه تجري الآن مشاورات في الحكومة وبينها وبين المؤسستين العسكرية والأمنية للتحرك بسرعة لتنظيم كل المدارس الدينية في باكستان ومراقبتها، فالقوانين موضوعة على الورق ولا يجب السماح لأي مدرسة بأن تمارس نشاطها إذا ما رفضت أن تقدم أوراق التسجيل الى السلطات. كما تدرس الحكومة عدم منح أي قطعة أرض وتريد تجنب الاستثناءات، كما أن التسجيل سيكون إلزامياً بغض النظر عما إذا كانت المدرسة تتلقى مساعدات مالية من الدولة أم لا، وستفرض الحكومة على المدارس الكشف عن مصادر تمويلها وتجبر كل مجموعة دينية تدير مدرسة أن تقدم كشف حساب مفصل بحيث يتضمن أسماء المتبرعين وكيفية صرف التبرعات، ولتحقيق ذلك ستعتمد الحكومة على القيام بزيارات استكشافية مفاجئة للمدارس، فهذه تساعد أيضاً على حماية الطلاب من أي استغلال». ويضيف الصحفي الباكستاني «إن الحكومة تنوي توسيع فرص العمل لمتخرجي هذه المدارس، ولتحقيق ذلك سيجري إصلاح المناهج المدرسية بحيث تشمل تدريس مواضيع عامة مثل العلوم والرياضيات واللغة الانكليزية»، ثم يقول: «منذ سنوات وحكومة مشّرف تقول بالإصلاحات في هذه المدارس، الأيام المقبلة تحمل الكثير من السوء وليس معروفاً على ماذا ستنتهي». في خطابه بعد الانتهاء من عملية «المسجد الأحمر»، أشار مشرّف الى العلاقة ما بين مجموعة «المسجد الأحمر» والجهاديين في مناطق الحدود ومناطق القبائل، وأعلن عن تدعيم وتقوية القوات الأمنية في تلك المناطق كي تستطيع التغلب على المقاتلين هناك. هذا قرار بالغ الأهمية ويجب أن يُنفذ، لأن جيوباً كثيرة في مناطق القبائل هي أراض خصبة للمتطرفين، حيث أن عناصر موالية ل«طالبان» أوجدت دولة ضمن الدولة، وأعادت قوانين القرون الوسطى وتفرض العقاب حسب مفاهيمها البدائية وغير الإنسانية، وتفّجر كل المحلات والمدارس والمستشفيات، وتمدد نفوذها الى المناطق المستقرة على الحدود، ولا أحد يعرف أين ستتوقف وعند أي حد. ولمعرفة المزيد عن الرعب الذي ينشره «طالبان» أينما حلوا، لا بد من قراءة رواية «ألف شمس رائعة» للكاتب الأفغاني مختار حسيني، وما تعرضت له أفغانستان والأفغانيون والمرأة الأفغانية بالذات في ظل حكم «طالبان»، عندها يعرف معنى النور والتقدم والازدهار والاعتدال. إنها سنة انتخابات في باكستان إذا لم يعمد مشّرف الى إلغائها وإعلان حالة الطوارئ والكل سوف يستغل أزمة «المسجد الأحمر»، وقد انقسمت المعارضة، والخوف أن تفوز الأحزاب الدينية المتطرفة بمقاعد أكثر. وما يقلق الباكستانيين ان ردة الفعل ستكون ضد الإصلاحات الليبرالية التي سادت المجتمع وبالذات زيادة الحماية القانونية للمرأة، والتحرك لجعلها عنصراً مساوياً للرجل في المجتمع، وستتعرض للخطر الإجراءات القائمة لجعل مناهج المدارس الحكومية اقل كرهاً للأجانب وأكثر اعتدالاً، إذا حصل هذا، عندها يصبح من الصعب تغيير أنظمة المدارس الدينية. إن النتيجة السياسية لهذه المرحلة المتوترة قد تكون مدمرة لباكستان وليس فقط لمشرّف الذي ناور وراوغ كثيراً، والخطر المباشر ان تنتشر حركات مشابهة لحركة الأخوين عبد العزيز وعبد الرشيد، الموالية ل«القاعدة» و«طالبان»، وحركة طلاب حفصة في كل مدارس المدن الكبرى، فهذه إذا جرت ستهدد المجتمع المدني وتتسبب في مواجهات في كل البلاد وتزيد من تطرف شرائح كبيرة في المجتمع الباكستاني. قال أحد الجنرالات البريطانيين أخيرا: «إن الفشل في أفغانستان سيطيح باستقرار باكستان ونظامها»، لذلك على مشّرف أن يبدأ بإطفاء النار في بيته بدل التفكير في إشعالها أكثر في أفغانستان. عن صحيفة الشرق الاوسط 19/7/2007