عام علي حكم براون كاظم الموسوي عام ثان دخله غوردن براون رئيسا للحكومة البريطانية بعد تكليفه خلفا لرئيسه السابق في الحزب والحكومة، توني بلير. كانت توقعات كبيرة تعد بأنه سيدخل التاريخ من بابه العريض من خلال تغيير نهج سلفه أو إصلاحه، منقذا بلاده من ذلك الإرث الذي انتقده وهو وزير المالية فيه، والذي اسهم من جانبه في توفير ما يمكنه من خدمات داخلية في تحسين صورته الاقتصادية والنمو والرفاه الاجتماعي فيه. وكان المنتظر انه سيجدد هذا النهج الذي عوّل حزبه عليه فيه، خارجيا أيضا، وانتخبه مصرا علي رحيل سلفه وتجديد عهد الحزب والحكم، ولكن وقائع الحال لم تكشف ذلك بل زادت الطين بلة، ويبدو أن بلير تمكن من الهرب منه مكرما بمهمات ووظائف أخري، وفرت له رصيدا ماليا كبيرا وعوضته خسارته المعنوية في قيادة الحكم والحزب في بريطانيا، وكلفته بإكمال المهمة المطلوبة. لماذا لم يحقق براون في عام كامل ما كان مأمولا منه؟ وما الأسباب التي اعترضت طريقه وجعلته نسخة أخري؟. كشف سجل عام كامل له انه تعثر في الكثير من المهمات والخطط التي كان عليه القيام بها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وقد تراجعت شعبيته إلي أدني مستوياتها خلال فترة حكمه وبات اغلب المقربين منه يغمزون من قناته القيادية ويشكون في قدراته الاستمرار حتي نهاية مرحلته، بل وطالب بعضهم بتنحيته وإعلان فشله، وترشيح أسماء من حكومته أو حزبه بديلا عنه، حتي وصل الأمر إلي التفكير بقيادة مؤقتة للحزب من قبل وزير مخضرم عاش معه متنقلا في عدد من المناصب الوزارية. كل هذه الأسباب تجمع علي انه لم يتمكن من تغيير الوجهة كما كان يطرح وانه استمرار لنهج بلير باسم براون. استطلاعات الرأي منذ فترة قريبة أخذت تشير بوضوح إلي تراجعات واضحة في مكانته وحزبه وتقدما غير قليل للمعارضة، وخصوصا حزب المحافظين، الذي لم يكن متوقعا أن يحقق ما هو عليه الآن سياسيا. وكانت تركة بلير الكارثية في اغلب المجالات هي السبب الرئيس، وعدم التمكن من التخلص منها هو الجواب علي ما يجري في الساحة السياسية. لاسيما في العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومشاركتها الحروب الإمبراطورية في العراق وأفغانستان وغيرها من المناطق المشتعلة علي المعمورة. إضافة إلي التدهور علي الصعد الاقتصادية والاجتماعية الداخلية وانعكاسات الأزمة الرأسمالية العالمية عليها، وغيرها من العوامل المقررة في الحكم علي طبيعة السلطة والإدارة السياسية في الدولة الرأسمالية المعاصرة، وعلي الأحزاب العمالية التي تعيش علي تاريخها العمالي وبرامجها السابقة دون أن تجدد فيهما بما يطورها عمليا ويعكس اتجاهاتها. وفي الوقت الذي كان عليه أن ينفذ وعوده في تصحيح المسار الذي قاد بلير إلي نهايته السياسية، خصوصا في الموقف من الحرب واحتلال العراق وسحب قواته منه وإعادة النظر في خريطة التحالفات الدولية وتعزيز مكانة بريطانيا أوروبيا ودوليا، كرر نهج بلير التابع للسياسات الإمبراطورية ونكث وعوده وفسح المجال للتنافس مع فرنسا في خط التبعية والتسابق معها وعدم الاستفادة من تجربة عقد من حكم بلير وانزلاقاته السياسية. انعكس ذلك واضحا في الانتخابات البلدية وخسارة الزعيم العمالي كين ليفنغستون عمدة لندن وفوز اليميني المحافظ بوريس جونسون بدلا عنه بأعداد أصوات لافتة للانتباه وفارق عكس حجم الخيبة لدي المصوتين البريطانيين من حكم حزب العمال وقيادته السياسية، وتبدل آرائهم المؤيدة لبراون وتحولها إلي ضده وقد تكون مؤشرا إلي تحولات متوالية ضد حزب العمال ودوره السياسي. رغم كثرة الصفعات وتتاليها علي براون يبدو انه لم يستعد كافيا لإعادة النظر في أسبابها، خصوصا في العلاقات الأمريكية والمساهمة فيها دوليا، وتبني مواقفها العدوانية من الشعوب، الأمر الذي يترك أثره علي السياسات الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية، وقد انعكس ذلك في التشدد في إصدار قوانين حول ما تدعيه الإدارة الأمريكية وتسميه بالإرهاب، والمشتبه بهم، والاستمرار في حجزهم في معسكرات اعتقال غوانتانامو والطائرة والعائمة والمتجولة في أركان المعمورة عبر الأجواء والمياه البريطانية والأوروبية وغيرها. وتصاعد حجم الضغوط الاقتصادية علي الفئات المتوسطة والمحدودة الدخل وأحداث العنصرية والكراهية والتمييز العنصري داخليا أو تداعياتها الخارجية علي المواطن البريطاني والرأي العام عموما، ووقوعه في التناقضات الصارخة بين ما يعلنه وما يمارسه، وبين ما تدعيه حكومته والإدارة الأمريكية من شعارات براقة عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وما تقومان به عمليا وتقترحانه قانونيا وتؤديانه فعليا، ممثلا واضحا لازدواجية المعايير والقيم المعاصرة وظروفها الجديدة. ظلت قضايا الحرب والاحتلال في أفغانستان والعراق وفلسطين كما هي دون تغيير بارز في وعود براون، وقد تكون تبعيته فيها للمخططات الأمريكية مقتلا له ولحزبه عند الرأي العام البريطاني الذي وقف بقوة ضد استمرارها والعدوان علي الشعوب فيها، وأعلن أن ما ارتكب فيها جرائم حرب، مؤيدا من تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان. ولم تكتف حكومة براون في هذه القضايا وحدها وإنما تريد التورط بعد كل تجربتها في إعلان حرب ضد دول أخري تلبية لضغوط وتحريض صهيوني، كانت السبب الأساس في العدوان والحروب السابقة. حصاد السياسة الخارجية، وما تتحمله من تبعات تعقيدات الأزمات والصراعات الدولية، يضاف إلي ما يعيشه البريطانيون داخل جزيرتهم ينعكس علي مواقفهم من حكومة براون وحزب العمال الذي لم يف بوعوده الانتخابية ولم يستفد من دروس التاريخ، وبعد عام من الحكم ينتظر الشعب البريطاني تقييما موضوعيا وبرامج عملية واقعية تعطي لبريطانيا دورا أوسع وأقرب إلي طموحاته وتطلعاته الإنسانية. عن صحيفة الراية القطرية 5/7/2008