أحيا مئاتُ المثقفين الجزائريين، ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، وذلك بمقر المكتبة الجزائرية. في البداية ألقي مديرُ المكتبة أمين الزاوي كلمة تأبينية قال فيها إن العرب لم يشعروا باليتم الشعري منذ رحيل المتنبي إلا بعد أن جاءهم نبأ وفاة درويش، ووصفه بمتنبي هذا العصر وقال إنه كان شاعراً كبيراً في ألقه وفي نزقه وفي خجله وفي حبه للوطن والمرأة. وأضاف أن اللغة كانت تتحول عنده إلى سباق ووردة ومدفع ووحم كاذب أيضاً، وقد قاد فيالق الشعر جميعها ضد ثقافة الكراهية الصهيونية، وكان أعظم من جيوش العرب جميعاً، وكان يحارب بشراسة لكن زاده كان السلام أيضاً، وكان مكبلا بفلسطين لكنه كان حرا موهوبا ومسيَّساً وهو ما أهَّله ليكتب على أرض الجزائر إعلان دولة فلسطين في نوفمبر 1988 ونقلت صحيفة "الإتحاد" الإماراتية عن السفير الفلسطيني محمد حوراني قوله إن درويش كان شاعر الثورة ثم أصبح شاعر الأسئلة الكبرى حول حرية الإنسان والعدالة في العالم، وكان معلِّماً كبيراً علَّم الفلسطينيين أن يصبروا ويتحملوا السير في دروب الألم، وكان وحيداً وعظيماً في نفس الوقت، وقد أحبته الشعوب العربية وقادتها أيضاً. الدكتور عثمان بيدي، أستاذ الأدب العربي بجامعة الجزائر، وافق الزاوي في مقارنته بين درويش والمتنبي، فكلاهما يشبه سيزيف؛ كلاهما كان يحمل دون كللٍ همَّه الثقيل إلى الأعلى ولكن همَّه يتغلب عليه، وتساءل بيدي عن سر شهرة الشاعرين: هل تعود إلى موهبتيهما الفذتين أم إلى تبني السلطة لهما؟ ونبَّه بيدي إلى أن خروج درويش من فلسطين صار أكثر نفعا للقضية الفلسطينية التي حملها إلى كل العالم، حيث اتسعت مداركه وموضوعاته واحتدَّت لهجته، وصار شاعر القضية العربية دون منازع ومات وهو في أوج عطائه الشعري. أما الدكتور نور الدين السدّ فقال إن الشاعر درويش هو شاعر الحداثة وعلمٌ من أعلام الشعر العربي، وكان متميزاً كتابة وإنشاداً وله صوت وطريقة إلقاء متميزة كاد بها يشكل مدرسة في الشعر حتى أن الكثير من الشعراء يقلدونه فيها.