جثمان الطيب صالح بخلاف ما كان متوقعاً شيع جثمان الروائي السوداني الطيب صالح بحضور عدد محدود من المواطنين لم يتجاوز ثلاثة آلاف، وهي نسبة أقل عن تلك التي شاركت في موكب المطرب عثمان حسين والتشكيلي أحمد عبد العال والمطرب مصطفى سيد أحمد وغيرهم من مبدعين فقدهم السودان في الفترة الماضية. وربط البعض بين غربة الطيب صالح الطويلة والمشاركة المحدودة للمواطنين في تشييعه، فعلى رغم أن يوم دفنه صادف أجازة رسمية إلا أن مجموعة محدودة من الرسميين والمبدعين شاركت في دفنه. وتقدم الموكب رئيس الجمهورية ورئيس حزب الأمة الصادق المهدي إلى جانب أسرة الراحل وأعضاء اتحادات الكتّاب والأدباء والصحفيين والموسيقيين. استقبل الجثمان الذي وصل إلى مطار الخرطوم قادما من لندن عند الرابعة صباحاً بتوقيت السودان وزير الدولة بوزارة الثقافة أمين حسن عمر واللجنة التنفيذية لاتحاد الكتّاب السودانيين ورئيس اتحاد الفنون الدرامية وأسرة الراحل. وكان رحيل الطيب صالح خلف حزناً عميقاً في المشهد الثقافي السوداني حيث تدافعت جموع المثقفين والفنانين إلى مركز عبد الكريم ميرغني وإلى منزل شقيق الراحل محمد بشير صالح بأم درمان منذ الصباح، ووصل سفراء مصر وفرنسا والإمارات والسعودية للتعزية وقطعت الإذاعة برامجها وقدمت حوارات سابقة مع الأديب الراحل وحاورت النقاد والكتّاب حول سيرته وطبعت الصحف الصادرة الخميس صفحاتها بالأسود وبصور للراحل ونشرت حوارات سابقة معه كذلك، وألغت مراكز فنية وثقافية عدة برامجها الدورية. وتلقى اتحاد الكتّاب السودانيين برقيات تعازي من الكتّاب العرب والأفارقة، كما قدم العزاء رؤساء الأحزاب السياسية، الاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي الذي قال أمينه العام محمد إبراهيم نقد معلقاً: "كُتب علينا أن نستقبل مبدعينا في توابيت خشبية". وتلقت وزارة الثقافة برقيات التعازي من وزراء الثقافة بالعالم العربي كما تقبّل المجلس القومي للثقافة التعازي بمقره في الخرطوم. وصف الكاتب عبد الله علي إبراهيم الراحل كما نقلت عنه صحيفة "الحياة" اللندنية ب"النوارة" قائلا:"لقد فقدنا نوارة الثقافة السودانية... لكن إن كنا نريد وعياً حقيقياً... أشمل وأوسع بالطيب صالح فنتوقع من دارسيه في الغرب والشرق على السواء ألاّ يواصلوا التعامل معه كممثل للأدب السوداني وكفى، وأن ينتقلوا في دراساتهم له كي يبلغوا مسام السرد السوداني، ولربما أعادنا هذا إلى دراسة متجددة لثلاثيته التي تكاثر عليها غبار الإهمال، فأصبح الطيب صالح ضحية الطيب صالح لأن إبداعه كله لا يؤخذ بشكل جدي أو مثالي إلا في موسم الهجرة إلى الشمال". ومن سكرتارية جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي قال مرتضى الغالي أن عمله في لجنة الجائزة التي تُقدم منذ عام 2003 أتاح له فرصة طيبة لمعرفة الراحل وقال: "ظل الطيب صالح ملحاً على أن اسمه لا يستحق أن تسمى به جائزة، وعلق عندما علم بأمر ترشيحه لنوبل وهو على فراش المرض أن في العالم من هو أحقّ بها منه". وأضاف مرتضى الغالي: "وصلتنا كثير من رسائل التعزية من مختلف أنحاء العالم ويصعب حصرها الآن". وفي ما يتعلق بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي قال الغالي: "رحيل الطيب صالح أدعى لاستمراريتها". قال الناقد أحمد الصادق أن على الكتّاب السودانيين معادلة غياب الطيب صالح، وشغل الفراغ الذي خلفه كصوت أدبي سوداني في المنابر الثقافية العالمية، مشيراً الى أن الطيب صالح قدم صورة نموذجية للكاتب السوداني بتواضعه وجمال خلقه وطيبته، وباقتداره الكبير في الإبداع الفني ولحد كبير استطاع أن يحمل العالم على قياس الشخصية السودانية بشخصيته الفذة، فصرنا نسمع من يقول لك: "أن هذا من بلد الطيب صالح". وكان عبد الباسط عبد الماجد وزير الثقافة الأسبق قال باكياً وهو يقف قرب قبر الراحل "الطيب الصالح الجميل... كان أكثرنا علماً ونبلاً وأصالة"، أما حسن أبشر الطيب أحد رفقاء الطيب صالح ورئيس سكرتارية الجائزة التي تحمل اسم الراحل فقال: "لقد دفنا اليوم أعظم وزارة ثقافة في تاريخ السودان الحديث".
أقرأ أيضا: "عبقري الرواية العربية" الطيب صالح..وداعا