صدر مؤخرا كتاب دبي الثقافية لشهر ديسمبر 2008 للدكتور عبد العزيز المقالح "مدارات في الثقافة والأدب". في باب الشعر يقول المقالح أن الشعر كتابة متقدمة تحاول استحضار العالم وإيقاظ التاريخ ورسم صورة للإنسان من الداخل، وجذوره تكمن في وجدان كل إنسان على وجه الأرض، ومفرداته غافية في كل قلب. ووفق ما كتب جهاد فاضل بصحيفة "القبس" الكويتية يقول المقالح: الشاعر المتمكن هو الذي ينطلق من محيطة الإنساني الخاص ويضع يده على منجم هذه المفردات وإشعال عناصر اللون والضوء فيها، والله، سبحانه وتعالى، هو سيد جميع المخلوقات، وهو سيد الشعراء وملهم الفنون، وقد خلق هذا الكوكب الأرضي البديع من دون حواجز ولا أسوار أو سقوف، وما تزال الطيور قادرة على أن تعبر الحدود وتقاوم الأسلاك الشائكة، وهي تردد أناشيدها الهادئة النظيفة في المكان الذي تختاره دونما حاجة إلى تغيير "النوتة"، فهل يستطيع الشعراء أن يكونوا مثلها؟ وأن تتحرر قصائدهم من الظلال القاتمة للخوف والقنوط في مستقبل الإنسان، هذا الحارس الأبدي لثمار الأرض وأشجار الأبدية وقوانين المحبة؟ ويقول المؤلف عن الشاعر أبو الطيب المتنبي "لم أجد في أثناء قراءتي ديوان هذا الشاعر العظيم ما يعد تكرارا أو إعادة، كل قصيدة في الديوان، حتى القصار منها، ذات طقس خاص ومناخ مختلف، ربما تشابهت بعض الهموم فيها، وتكررت مستوياتها بدرجات مختلفة، صعوداً وهبوطاً، ولكنها كانت تميل عادة إلى تعبير يختلف في كل قصيدة عن سواها". وفي مقال عنوانه "الشعر هذا اللغز الجميل" يقول إن الشاعر ليس مؤرخاً ولا مصورا فوتوغرافيا، ولكنه مع ذلك مصور بارع وحامل للتاريخ أكثر من أي مؤرخ موضوعي، وهو لا يؤرخ للملوك والدويلات، ولكنه يؤرخ للخسارة البشرية، خسارة الإنسان في نفسه وفي حياته، يؤرخ للعبثية وتلاشي الأجساد والأشياء الجميلة في سياق زمن مسافر لا يعرف الوقوف ولا البكاء على شيء، ولا غرابة بعد ذلك وقبل ذلك إذا ما قيل أن المتنبي هو المؤرخ الحقيقي لسقوط الحضارة العربية، وأن قصائده الحزينة استطاعت أن تشتم رائحة الحريق الكبير في جسد الدولة العربية قبل أن تخترق النيران الجلد وتصل إلى العظم، ويذهب بعض ممن كتب عن هذا الشاعر العظيم إلى أنه لم يكن يكتب شعرا، وإنما كان يبكي حضارة في طريقها إلى الأفول، وبذلك يكون ما قدمه المتنبي في شعره عن تلك النكبات أكثر خلودا وبلاغة من أي مسرح أو نحت أو تصوير. وفي الكتاب إعادة تقييم لشخصيات ثقافية عربية وأجنبية مثل المهاتما غاندي "رجل الحرية واللاعنف الذي اختار شكلا إنسانيا حضاريا من أشكال المقاومة" وعبد الرحمن بدوي الذي يرى المقالح أن سيرته الذاتية ستحظى باهتمام كبير لا لأنها سيرة استثنائية أو مثيرة للجدل، وإنما لعلاقتها الوثيقة بفكرة وبتطور هذا الفكر من النازية إلى الوجودية ثم إلى التصالح مع الإسلام بعد أن وجد نفسه وجها لوجه مع خصومه الذين يجهلون كل شيء عنه ويحكمون عليه من موقع الرافض مسبقا.