محيط : توقع المفكر الإستراتيجي الشهير أنطوني كوردسما هزيمة الولاياتالمتحدة وحلفائها في أفغانستان, وأن تلقى نفس مصير الاتحاد السوفيتي. وقال كوردسما في تقرير له يحمل عنوان (خسارة الحرب الأفغانية الباكستانية.. الخطر الصاعد") إن وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ورئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية المشتركة الأدميرال مايكل موللن اعترفا بأنه يوجد الآن نزاع (أفغاني- باكستاني) يفتقر للإمكانيات العسكرية والمدنية, كما أصبح الوضع أكثر فتكاً بالنسبة للمدنيين وعمال الإغاثة وقوات الناتو والقوات الأمريكية. وأضاف:" عناصر طالبان المنطلقين مجدداً حولوا العديد من مناطق أفغانستان إلى مناطق محظورة على عمال الإغاثة والمدنيين". وكانت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش توصلت في أغسطس/آب الماضي إلى خلاصة مفادها أنه يجب حرمان طالبان من الملاذات الآمنة التي تمتعوا بها في المناطق القبلية بباكستان والتي تمتد مئات الأميال على طول الجبال المحاذية لأفغانستان. غير أن الغارة الأولى التي شنتها قوات البحرية الأميركية داخل المناطق القبلية الحدودية الخاضعة للإدارة الفدرالية الباكستانية، خلّفت العديد من القتلى المدنيين ما أثار امتعاضاً شديداً من الحكومة الباكستانية المدنية الجديدة ومن رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال إشفاق كياني. وكانت باكستان التي رفعها الرئيس بوش إلى رتبة "الحليف الأكبر من خارج الناتو" أوضحت أن قواتها فقط ستقوم بتفكيك قواعد طالبان في المناطق القبلية الحدودية. غير أن الجيش الباكستاني غير مرحب به لغاية اليوم في هذه المناطق، وعلى الرغم من تواجده الكثيف في المنطقة (حوالي 130 ألف جندي)، إلا أنه لم يتمكن من إلحاق أي أذى بالبنية التحتية لطالبان في وقت ألحقت فيه الحركة المتمردة العديد من الإصابات (حوالي 1400 قتيل وأكثر من 4 آلاف جريح). وقال الباحث الأمريكي إن مقاتلي طالبان "الذين يستفيدون جداً من ارتفاع في نسبة زراعة الخشخاش والملاذات الآمنة في باكستان، يقومون برفع قدراتهم وتواصلهم الجغرافي بشكل مضطرد", كما وثق بعض التغييرات في طبيعة التهديد الصعود في أفغانستان وضحايا التحالف وتفصّل تقارير الأممالمتحدة وخرائط الاستخبارات الأميركية التوسع المستمر وحجم الخطر بالمناطق التي تعتبر غير آمنة بالنسبة لعمال الإغاثة, وتظهر أرقام وبيانات أخرى كيف أن زراعة المخدرات الأفغانية انتقلت بثبات نحو الجنوب وأصبحت مصدراً رئيسياً لتمويل طالبان". ويشير التقرير إلى أن الرئيس الأميركي المقبل "سيواجه تحدياً حيوياً من خلال حرب على الأرجح يصار إلى خسارتها على المستويين السياسي والإستراتيجي، ولا يتم ربحها على المستوى التكتيكي". ومن الواضح السبب الذي دفع بالقادة العسكريين من الناتو والقوات الأميركية في أفغانستان إلى المطالبة بإرسال عدد أكبر من القوات التي التزم بوش بنشرها في سبتمبر/أيلول الحالي. ويوضح كوردسمان أنه بغض النظر عن التركيز على الحملة السياسية الأمريكية الحالية "فإن هذه التحديات المهملة ستكون محورية في الأشهر القليلة الأولى من ولاية الإدارة المقبلة. لقد دافع ماكين وأوباما عن فكرة إرسال المزيد من القوات من العراق إلى أفغانستان، ما دفع بالمعلقين المتشائمين إلى القول بأن ذلك سيكون بمثابة فيتنام لأي من المرشحين الرئاسيين". وأدى فصل الشتاء القاسي الذي اتبع بموسم جفاف اجتاح معظم مناطق أفغانستان، وسوء موسم الحصاد وارتفاع أسعار الغذاء، إلى إيصال حوالي 9 ملايين أفغاني إلى مرحلة نقص حاد في الغذاء، وعلى الرغم من 30 عاماً من الحروب المتتالية، يقول المزارعون في محافظة "باميان" إنهم لم يشهدوا مثل هذا الحالة الصعبة. ويشير تقرير لمركز "مالدون" حمل عنوان "تعاطف مع طالبان في باكستان" إلى أن الحركة التي تعمل الحركات القتالية المختلفة في إسلام آباد تحت مظلتها، "تسعى لتوسيع دائرة تفسيرها الديوباندي الصارم للإسلام في جميع أنحاء باكستان", وينقل المركز عن عائشة جلال المؤرخة الباكستانية الشهيرة التي وضعت مؤخراً كتاباً عن تاريخ الجهاد في جنوب آسيا, قولها:" لا يريدون السيطرة على المناطق القبلية فحسب، بل يريدون الهيمنة على الدولة بأكملها". وتنظر الحكومة الديموقراطية الجديدة في الدولة النووية مدعومة من الجيش الباكستاني، إلى طالبان على أنها خطر أكبر على باكستان مما هو على المناطق القبلية أو أفغانستان. لكن الجبهتين مترابطتان، وكلما تمكنت الاستخبارات الأميركية والباكستانية من العمل معاً بسرعة على تحديد أهداف طالبان والقاعدة في المناطق القبلية، كلما كانت عملية قلب الطاولة على طالبان أسرع. وطالما تستمر الولاياتالمتحدة بشن الهجمات الأحادية على باكستان التي تؤدي لمقتل مدنيين، كلما كانت الحرب لكسب العقول والقلوب خاسرة. غير أن هناك عائق كبير في وجه توثيق التعاون بين الاستخبارات الأميركية والباكستانية، وهو انعدام ثقة المجتمع الاستخباري الأميركي في جهاز الاستخبارات الباكستانية. وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي، استلهم جهاز الاستخبارات الباكستانية فكرة إنشاء طالبان لوضع حد للحرب الأهلية التي نشبت في أفغانستان عقب الانسحاب السوفياتي في العام 1989. واقتنعت وزارة الدفاع الأميركية ووكالة المخابرات المركزية من خلال أجهزة الرصد والتنصت، بأن عناصر جهاز الاستخبارات الباكستانية يعملون مع طالبان ضد الولاياتالمتحدة. غير أن ملاحظة أكثر لؤماً وردت على لسان السفير الروسي لدى أفغانستان زامير كابولوف في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية الذي قال :إما أن تتوقف دول الناتو عن انتقاد روسيا حيال جورجيا والامتناع عن الدفاع عن إدخالها إلى عضويته، أو أن الناتو سيفقد حقوقه بالتحليق فوق روسيا لإعادة تزويد قواته في أفغانستان. ويبلغ عدد القوات الأميركية وقوات الناتو في أفغانستان حوالي 71 ألف جندي. وتقترح فرنسا على الدول التي تنشر قوات في أفغانستان في إطار القوات المتعددة الجنسيات، إلغاء برلماناتها الوطنية بند "القتال" الذي ورد في المصادقة على قرار المشاركة بقوات سلام في أفغانستان, وبالنسبة للقوات البريطانية والدانمركية والكندية والأميركية التي تخوض المعارك بمفردها، لن تكون هذه اللحظة قريبة، كما لا يؤمل بإقرار البرلمانات ذلك.