في خطوة تعد الأولى في تاريخ ألمانيا الحديثة أعطى مجلس الولايات الألماني "بوندسرات" الضوء الأخضر لقانون، يسمح للدولة بإحكام سيطرتها على بنك "هيبو ريل ستيت" للرهن العقاري المتعثر، كإجراء اضطراري أخير لحمايته من الانهيار، في الوقت الذي يهدد فيه المستثمر الأمريكي ، كريستوفر فلاورز، يهدد باللجوء إلى القضاء، من أجل عدم تأميم أسهمه في المصرف. و وافق ال "بوندسرات" على ذلك القانون المثير للجدل باعتباره الملجأ الأخير لإحداث استقرار في سوق المال الألمانية، وبذلك تكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ ألمانيا الحديثة التي يتعرض فيها مساهمو أحد البنوك إلى إمكانية حرمانهم من حقوق ملكيتهم. وجاءت الموافقة على هذا القانون، الذي كان البرلمان الألماني "بوندستاج" قد اقره قبل 11 يوماً، جاء بعد أن حصلت الحكومة على حصة نسبتها 8.7% في البنك ،الذي تكبد خسائر ضخمة بلغت 5.5 مليارات يورو خلال 2008 في أكبر خسائر تتعرض لها شركة ألمانية، وكان سينهار لولا تدخل الحكومة، كخطوة أولى لإحكام قبضتها بالكامل عليه. وكان وزير الاقتصاد الألماني كارل تيودور تسو جوتنبرج قد أعلن في وقت سابق أن انهيار "هيبو" سيؤدي إلى تداعيات هائلة ،مضيفا "بل إني اذهب للقول انه لو لم يتم إنقاذ هذا البنك لكان لذلك تداعيات أسوأ من انهيار مصرف "ليمان برذرز" نفسه. ونقل موقع التلفزيون الألماني (دويتشه فيليه) عن مسئولين في الحكومة الألمانية قولهم إن إحكام الحكومة قبضتها على البنك سيكون هو الحل الأخير الذي قد تضطر إليه، ويتطلب القانون الجديد انعقاد الجمعية العمومية للبنك، التي سيصوت فيها المساهمون على سلسلة من إجراءات الإنقاذ، وفي حال رُفض مثل تلك الإجراءات ، حينها فقط ستقوم الدولة باستخدام "السلاح الأخير" وتحكم قبضتها على المصرف. ومن المقرر أن ينتهي العمل بهذا القانون بنهاية شهر يونيو القادم، ما يعني أن عملية الاستحواذ يجب أن تتم قبل ذلك الموعد، ومن أجل استعادة الأموال التي تم تضخها في البنك، تريد ألمانيا إحكام سيطرتها بشكل كامل على البنك لضمان عدم اعتراض حملة الأسهم على إجراءات إعادة الهيكلة. ومن جانبها رأت المستشارة أنجيلا ميركل، أن حكومتها "لم تصدر قانوناً يسمح بالتأميم من أجل المصارف، بل لمصلحة الطبقة المتوسطة والمواطنين، ولكي لا ينهار الاقتصاد كله"، موضحة أن من واجب الدولة "التدخل في حال لم تعد القوى الذاتية قادرة على التعافي من ذاتها"، ومؤكدة أن على الحكومة "وضع الأموال العامة المدفوعة نصب أعينها والحفاظ عليها لأنها أموال دافعي الضرائب". وبالطبع لاقت هذه الخطوة اعتراضا من المستثمر الأمريكي كريستوفر فلاورز الذي يمتلك نحو 24% من أسهم البنك، والذي ويرى أن تكتفي الحكومة بالحصول على حصة نسبتها 75% زائد سهم واحد، مهددا باللجوء إلى القضاء إذا أقتضى الأمر من أجل عدم تأميم أسهمه في المصرف. ويرفض بيع حصته بالسعر الحالي للسوق، بعدما كان اشترى السهم الواحد بأكثر من 22.5 يورو، كما يفضل التريث في انتظار تحسن السعر، فيما تضمن عرضه الأخير حصوله على 3 يورو لكل سهم، لكن الحكومة الألمانية لا تزال ترفض وتصر على الشراء تبعاً لسعر السوق، على اعتبار أنها غير مسئولة عن ربح المستثمرين وخسارتهم، كما أن الأموال التي ستتصرف بها هي عامة تتحمل المسؤولية عنها. وأبلغت مصادر حكومية معلومات إلى فلاورز، أن في حال واصل المماطلة في البيع فستطبق برلين "قانون الإنقاذ الاستحواذي" الذي يسمح لها بنزع ملكية المساهمين الكبار، بغض النظر عن حجم مواقعهم في المصرف وقدرتهم على وضع "فيتو" لمنع تجاوز مصالحهم. وعلى الجانب الأخر حذر رئيس اتحاد الصناعة الألمانية هانس بيتر كايتل من اللجوء إلى نزع الملكية، معتبراً أن الحكومة تخاطر بالإطاحة بالمبادئ الأساسية للاقتصاد الحر، ما يمكن أن يدمر ثقة المستثمرين الألمان والأجانب في مكانة ألمانيا كبلد جاذب للاستثمار.