رغم أن حجم الاستثمارات الأجنبية التي اجتذبتها الصين شهدت انخفاضا فى النصف الثاني من عام 2008 بسبب تأثير الأزمة المالية العاليمة، إلا أن الاقتصاديين فى بكين أعربوا عن ان سياسة توسيع الطلب المحلى التى انتهجتها البلاد لمواجهة الأزمة الاقتصادية قد تصبح "الورقة الرابحة" لجذب تلك الاستثمارات. وكانت وزارة التجارة الصينية قد أصدرت مؤخرا بيانات عن مبلغ الاستثمارات الأجنبية المستخدم فى ديسمبر 2008، والذي بلغ مستوى انخفاضه 5.73 % أي بارتفاع 30 نقطة مئوية عما فى نوفمبر الذي بلغ فيه هذا المستوى 36.5 %. وفى الحقيقة فان الصين، وهى دولة غنية بالأيدي العاملة الرخيصة، حافظت فى السنة الماضية على وضع قوي في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية. ففى عام 2008 كله استخدمت فعليا 92 مليارا و395 مليون دولار من الاستثمارات الأجنبية بزيادة 23.58 % عما فى عام 2007 مع ارتفاع مستوى الزيادة عشر نقاط مئوية. ونقلت وكالة الأنباء الصينية قول مسئول من مركز البحوث والتطوير لمجلس الدولة الصيني أن البلاد تعتمد رئيسيا على صناعة التصنيع فى هذا المجال وتعانى من تأثيرات سلبية قليلة إلى حد ما فى مرحلة الضعف الاقتصادي، مؤكدا أن معدل عائد الرساميل فى البلاد ما زال أعلى مما فى أسواق أخرى. وأوضحت الإحصاءات الرسمية أن الفائض التجاري الصيني بلغ 295.46 مليار دولار فى السنة الماضية بزيادة 12.7 % عن عام 2007. أما الاستثمارات الأجنبية فشكلت قوة كبيرة فى عمليات دفع البلاد لتصبح "مصنعا عالميا". ولكن ابتداء من الربع الثالث من السنة الماضية وبسبب التأثيرات المباشرة الناتجة عن تحول أزمة الرهن العقاري الأمريكية إلى أزمة مالية دولية وتراجع الطلب فى الأسواق الدولية شهدت التجارة الصينية الخارجية تباطؤا ملحوظا لتسجل الصادرات فى نوفمبر الماضي انخفاضا 2.2 % وهو ما يعد أول نمو سلبى يظهر منذ يوليو 2001, وبعد ذلك انخفضت 2.8 % في ديسمبر. وفي سياق متصل، أظهرت المعلومات الواردة من وزارة التجارة الصينية أنه حتى أواسط ديسمبر 2008 تجاوز إجمالي مبيعات السلع الاستهلاكية المحلية عشرة تريليونات يوان ( الدولار الامريكى الواحد يساوى حاليا حوالى 6.8 يوان ) بزيادة أكثر من 20 % عما فى الفترة المماثلة من عام 2007 مع تسجيل رقم قياسى فى سرعة زيادة الاستهلاك منذ عام 1997. وعلي الرغم من تأثيرات الأزمة المالية علي الاقتصاد الصيني إلا أن الخبراء يؤكدون أن الصين تمتلك عوامل جذب عديدة للاستثمارات الأجنبية منها كبر حجم سوق الاستهلاك الصيني , والاستقرار الاجتماعي وتحسن البنية التحتية وانخفاض تكاليف الإنتاج والكفاية النسبية للرساميل. كما تمتلك حكومتها حيزا كبيرا إلى حد ما فى مجال السياسة المالية والسياسة النقدية مع التميز بالقدرة القوية نسبيا على مكافحة المخاطر. ولفت الخبراء في مقابلات مع وسائل الإعلام إلى انه بسبب عمق تأثيرات الأزمة المالية الحالية في الكيان الاقتصادي ستواجه الصين صعوبات أكبر فى عام 2009 من حيث الاستخدام الفعلي للاستثمارات الأجنبية . لذلك لن يسمح لنا بالتفاؤل بشأن الوضع فى هذا الصدد، لاسيما فى النصف الأول من العام الحالي . لكنهم أكدوا أن القوة الكامنة فى النمو الاقتصادي الصيني ما زالت تتمتع بجاذبية كبيرة للغاية بالنسبة إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية، اذ ستحافظ قيمة الاستثمارات الأجنبية الصينية المستخدمة فعليا على الاستقرار على المدى البعيد. وما يزال استقطاب البلاد لهذه الاستثمارات أعلى من معدل مستويات الزيادة فى الدول المتطورة والكيانات الاقتصادية الناشئة.