أبو ظبي: في كتابه "الإسلاموية والحداثة... الخطاب المتغير في إيران" الصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، يتتبع المفكر والأستاذ الجامعي الإيراني الأمريكي "فرهنك رجائي"، تطور الخطاب الإسلامي في إيران على مدى قرن كامل، بدءاً من الثورة الدستورية مطلع القرن العشرين، وصولا إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في محاولة لتفسير الأسباب التي جعلت الإيرانيين ذوي التوجهات الإسلامية وحدهم يشكلون النظام الاجتماعي السياسي الجديد بداية من عام 1979، من دون تأثير يذكر لباقي مكونات المجتمع الإيراني الأخرى التي أسهمت في إطاحة نظام الشاه. ويروي الكتاب وفق قراءة محمد ولد المنى بمجلة "وجهات نظر" الثقافية الإماراتية، أن الإيرانيين نجحوا في تدشين مشروع عصرنة إيراني اتخذ شكل نظام دستوري، لكن إيران سرعان ما وقعت رهينة "عصر الإمبريالية" بعد أن أصبح الشرق الأوسط "المنطقة الأكثر اختراقاً" في العالم. وعلى هذه الخلفية، يقول المؤلف، جاءت ثورة الخميني عام 1979 لتعِد الإيرانيين باستعادة الثقة، والتسلح بقيم روحية متجددة، ومع أن طبقات المجتمع كافة قد ساهمت في التغيير، فمن أمسك بدفة السلطة آخر المطاف هم ذوو التوجهات الدينية الإسلامية. ويقسم الباحث الإتجاهات الإيرانية تجاه الحداثة، لنمط يعتبرها خطرا يهدد البلاد فنأى بنفسه عن الحياة السياسية، وانصب اهتمامه الأكبر على "الدفاعات" الثقافية في مواجهة النمط التسلطي من العصرنة، ويسمي المؤلف هذا الجيل من الإسلاميين ب"الإحيائيين"، وذلك لمحاولاتهم إعادة بناء الإسلام في مواجهة افتتان الإيرانيين الشديد بمشروع الحداثة. أما الجيل الثاني فقد نشأ في عهد الحرب الباردة، وهو جيل "الراديكاليين" الذين اتخذوا مواقف أكثر رفضاً للحداثة، بل عقدوا العزم على تنظيم حركة رفض شامل لظاهرة "التسمم بالغرب"، وجاءت حركة التحرر من الاستعمار لتزيد من جرأتهم على التقدم بفرضية مفادها أن الإسلام يمكن أن يمثل بديلاً عن المشروع الغربي والحلول محل الحداثة بكل أبعادها، ومن توليفة النزعة الراديكالية والثورية بدأت بذور التطرف تنمو . لكن مع حلول التسعينيات، لعبت العولمة وردود الفعل التي أفرزتها حركة ما بعد الحداثة، دوراً في ميلاد جيل رابع من الساسة والمفكرين المدافعين عن ذلك المشروع، صار يدعو إلى "استعادة" العصرنة والإسلام على حد سواء.