الخميسي يشاهد مصر من داخل "التاكسي" محيط – مي كمال الدين انطلق الكاتب والأديب المصري خالد الخميسي في كتابه ذائع الصيت " تاكسي .. حواديت المشاوير" من الشارع المصري ، فهو أحد الزبائن المستديمين لدى سائقي سيارات الأجرة "التاكسي" ، واختار أن يرصد واقع المصريين من خلال هذه الفئة لتجاربهم الواسعة التي يكتسبونها من التعامل مع مزيج هائل من البشر ، ويوميا ، واعتبر وجهة نظرهم معبرة عن شريحة الطبقة الفقيرة والمتوسطة في المجتمع . يضم الكتاب 58 قصة ينقلها لنا الكاتب على لسان سائقي التاكسي في الفترة ما بين إبريل 2005 وحتى مارس 2006، وقد نقلها الخميسي كما هي باللغة العامية للشارع المصري قائلاً عنها "أنها لغة خاصة وفجة وحية وصادقة تختلف تماماً عن لغة الصالونات والندوات التي اعتدنا عليها". حقق هذا الكتاب نجاحا كبيرا وصدر منه 15 طبعة وترجم لأكثر من لغة أجنبية، وحقق أعلى مبيعات عام 2007. ونستعرض فصولا من الكتاب الهام .. دارت على ألسنة السائقين مختلف القضايا التي تشغل ذهن المواطن المصري ، قضايا خاصة بالحكومة والسياسية، والتعديلات الدستورية والانتخابات، وأخرى عن ارتفاع أسعار تذاكر مباريات كرة القدم وبيعها في السوق السوداء بأسعار تقترب من مائتين جنيه للتذكرة، ثم الغلاء، والتعليم والدروس الخصوصية التي تستنزف أموال الناس، وغيرها . "لا للنوم" شاء القدر أن يستقل الخميسي تاكسي مع أحد السائقين اكتشف بعد أن جلس بجواره أنه نائم، تردد وقرر النزول ثم تراجع ومد يده ولمس كتفه فانتفض السائق وقبض على عجلة القيادة تلقائياً وتحرك بالسيارة بعد اعتذاره ولم تمر ثواني حتى انحرفت السيارة نتيجة لنومه ثانية فصرخ الخميسي مذعوراً واستيقظ السائق معتذراً واقسم أنه لن ينام مرة أخرى، ثم مالبث أن تكرر نفس الشيء، ليقرر بعد ذلك السائق أن يتحدث حتى لا ينام، فتبين انه ظل في التاكسي لثلاثة أيام متصلة دون نوم لكي يتمكن من سداد القسط الخاص به قبل أن ينتهي الشهر والذي لم يتبق منه سوى ثلاثة أيام فقط . وعندما اقترح عليه الخميسي أن يذهب للمنزل لكي ينام بضع ساعات، قال السائق "اصل حضرتك مش فاهم إحنا بناكل اليوم بيومه والطقة بطقتها يعني لو روحت البيت حا ألقى ميت مصيبة ومصيبة وحألقى العيال مش واكلة، وأمهم حايسة ولايصة لا يا سيدي يفتح الله أنا مش هتحرك حتى أروح أدفع القسط وبعد كده أروح". "لو مسكت البلد همنع الإعلانات" ! ينفجر أحد السائقين قائلاً " وبيسألو الاقتصاد بايظ من إيه؟"، "بايظ من الناس ..تصدق بلد زي مصر شعبها بيدفع أكثر من عشرين مليار جنيه في السنة على التليفونات.. يعني لو متكلمناش سنتين ولا ثلاثة مصر هتختلف؟"، "كل فلوس الناس بتروح في جيب أربع شركات" شركات التليفونات الثلاثة وشركة الدخان. ثم يواصل أبو إسماعيل "السائق" ثورة غضبه فيبدي سخطاً عارماً على الإعلانات المنتشرة في وسائل الإعلام والشوارع والتي ترهق كاهل المواطنين بالمزيد من المصاريف عندما تضغط عليهم لكي يشتروا منتجاتها، قائلاً "لو مسكوني البلد دي يوم واحد لأ دقيقة واحدة القرار الوحيد اللي ح أطلعه هو منع الإعلانات". مصر من داخل التاكسي "العراقيون أجدع ناس" استقل الخميسي سيارة أجرة أخرى في أحد مشاويره إلى شارع عباس العقاد في مدينة نصر وتسلل إلى سمع السائق صوت كاظم الساهر فبدأ السائق بالتحسر على العراق وعلى ما حدث بها قائلاً انه قضى بها أحلى سنوات عمره وقال "العراقيين دول اجدع ناس" لغاية دلوقتي مش قادر اصدق اللي حصل للعراق مش ده اللي كنت متخيله خالص يا عيني يا عراق" ثم يتابع "أنا بأمانة بحب صدام كان له مواقف جدعنة كتير مع المصريين، وأنا في العراق كان في شوية رخامة على المصريين لقيت لك صدام طلع يقول خطبة وراح قايل أي عراقي يتعرض لواحد مصري حيأخد ست شهور حبس بعدها كنا بنمشي في بغداد مرفوعين الرأس، وبعدين اللي حصل في العراق ده احتلال رسمي نظمي فهمي مالوش علاقة ولا بصدام ولا بأي حاجة قالوا عندهم أسلحة خطرة واهوه مالقوش حاجة، عايزين البترول بتاعهم قاموا احتلوهم، شوية لصوص، على شوية بلطجية، دمروا العراق يا عيني" ويتابع "أنا يوم ما أتقبض عليه عيط عياط وحسيت أننا بنتفعص زي الحشرات حسيت بمهانة وفكرت في كل أصحابي هناك ويا ترى أحياء ولا أموات". "لازم نقف مع مصر" بدأ الحديث بين أحد سائقي التاكسي والخميسي عن أحوال نادي الزمالك والذي شبهه بحال مصر في الرجوع للوراء، ثم انتهى بالحديث عن مصر، قال السائق "يجب أن نقف مع مصر ونجهز ولادنا للحرب صحيح أن مبارك قدر يدير الدفة من ساعة ما جه علشان مصر ما تدخلش في أي مواجهة مع أي حد " " لكن الحرب جاية جاية الإسرائيليين مش هيقدروا ما يحاربوش، عمالين يقولوا شكل للبيع عينهم على سوريا وعلى العراق وعمالين يدوا حقن في إيران ومولعين فلسطين نار عايزينها تولع علشان باخدوا فلوس أكثر من الأمريكان". "يعني في الأخر حيلفوا ويرجعوا علينا فكل واحد دوره في البلد إنه يجهز ابنه للحرب لأنها جاية جاية لازم ندي دلوقتي للجيش بتاعنا الروح اللي أنا حاربت بيها من بعد مادخلت الجيش من سنة 68 لسنة 1973." "أنا شخصياً عمال أشرح لولادي الموضوع علشان لما تدق الطبول تبقى ودانهم جاهزة عشان يسمعو دقتها" "نجرب الأخوان ..احتمال ينفعوا" سائق آخر التقى به الخميسي في احد مشاويره عقب الانتخابات وقال السائق "أنا وربنا يغفر لي ما بصليش وحتى الجامع ما بدخلوش ما عنديش وقت باشتغل طول النهار، وحتى الصيام يوم كده ويوم كده، بس نفسي بجد الأخوان يمسكوا الحكم، ليه لا باين كل الناس عايزاهم بعد الانتخابات التشريعية". ويتابع السائق "ما إحنا جربنا كل حاجة جربنا الملك ومانفعش وجربنا الاشتراكية مع عبد الناصر، وفي عز الاشتراكية كان برده عندنا بشوات بتوع الجيش وبتوع المخابرات وبعدين جربنا الوسط وجربنا الرأسمالية، بس فيها تموين وقطاع عام وديكتاتورية وقانون طوارئ وبقينا أمريكان وشوية هنبقى إسرائيليين وبرضه مش نافع طب ما نجرب الأخوان واحتمال ينفعوا ..مين يعرف؟" "التعليم للأغنياء فقط" يعاني أحد السائقين من نار الدروس الخصوصية والتي يكتوي بها في سبيل تعليم أبنائه الثلاثة وقال عن التعليم "أدي يا سيدي التعليم المجاني ..برقع الحياء اتشال خلاص.. دلوقتي ما تدفعش حاجة متخدش حاجة.. والمصيبة إن إحنا كمان بندفع ومن غير ما ندفع مافيش كتب" "التعليم لكل الناس ده يا أستاذ كان حلم جميل زي أحلام كتير راحت ومافضلش منها غير الشكل والمنظر على الورق التعليم كالماء والهواء إجباري لكل الناس ولكن الحقيقة الأغنياء بيتعلموا ويشتغلوا ويكسبوا والفقراء مش لاقيين لا شغلة ولا مشغلة" ويتابع "بس اهو أنا باحاول وبدفع الدروس الخصوصية وأنا زي الكلب حأعمل أيه تاني" سائق أخر أراد أن يقوم المصريين بإخراج أولادهم من المدارس لعدم وجود جدوى من التعليم بعد أن أصبح الحصول على فرصة عمل أمرا مستحيلا، واقترح أن يتم ادخار جميع الأموال التي تصرف على الدراسة ليمنحها الأب لأبنائه في نهاية الأمر لكي يبدءوا مشروعهم الخاص بعد ذلك. "سحبوا مني الرخص" شاب في الثلاثين من عمره يبدو انه خريج جامعي شاء القدر أن يعمل سائق تاكسي ويقل الخميسي في احدي المرات، وكان الشاب في قمة ثورته بسبب سحب الرخص منه في أحد اللجان المرورية لأنه كان يتحدث في هاتفه، وأقسم عشرات المرات انه كان لا يتحدث به ووصف معاناته في مرور "نكلة" حتى يسترد رخصته وما عاناه من تذلل ورشاوي في سبيل ذلك ومما قاله " أنا مش فاهم هما عايزين مننا أيه؟ شغل ومفيش قلنا نشتغل أي حاجة واقفين لنا بالمرصاد في أي شغلانة عمالين ينهبوا ويسرقوا ويرتشوا وأخرتها إيه مش عارف؟ أنا زي ما بصرف كل يوم فلوس على البنزين، لازم أحط فلوس رشاوي للمرور يوماتي على الله" "الانتخابات مسرحية " تحدث احد السائقين عن الانتخابات الرئاسية في مصر قائلاً " والله أنا عمري ما ضحكت قد النهارده أما شفت الجرنال وشفت صور اللي مرشحين نفسهم ضحكت من قلبي حاجة حقيقى تهلك من الضحك جايبين ناس عمر ما حد سمع عنهم حاجة" ويقول السائق أن الحكومة أرادت أن تظهر بمظهر ديمقراطي أمام أمريكا حتى لا تقطع الدعم عنا وينهار الاقتصاد، فقامت بتمثيل مثل هذه المسرحية الهزلية والتي خرج منها المرشحين، ثم يقول أن احد الأشخاص افهمه أن الحكومة سوف تعطي لكل مرشح مليون جنيه يصرف بعضها على الدعاية والباقي يوضع في جيبه، وطالما الناس لا تعرف هؤلاء فبالتالي سوف تنتخب الذي تعرفه حتى لو كانت غير مقتنعة به. شهادة المسيري يختتم الكتاب بكلمة للدكتور عبد الوهاب المسيري تكلم فيها عنه فقال " هذا الكتاب، الدراسة، المونولوج الدرامي يصعب تصنيفه إذ أنه ينتمي إلى نوع أدبي قديم جديد فهو يقدم شخصيات إنسانية مركبة ويكشف كثير من أبعادها شانه في هذا شان أي عمل أدبي عظيم، ولكن المؤلف بدلاً من أن يخبرنا عن هذه الشخصيات بشكل مباشر يهيئ لها المسرح ويتركها تتدفق بلغة كثيفة مشحونة بالمعنى والدلالة، والمسرح هنا هو التاكسي، أي مسرح متحرك، منفتح على القاهرة بأسرها ولكنه في ذات الوقت حيز خاص يوجد بداخله السائق البطل الذي يتحدث عن ألامه وأماله وعن أحلامه واحباطاته ويجلس إلى جواره الراكب المؤلف الذي يراقب ولكنه لا نسمع صوته إلا لماما، هذا العمل أقل ما يوصف به أنه عمل إبداعي أصيل ومتعة فكرية حقيقية".