كتب أستاذ تاريخ أوروبا المقارن بجامعة لندن دونالد ساسون قراءة بصحيفة "الجارديان" البريطانية مؤخرا حول الكتاب الهام " ظهور وسقوط الشيوعية" من تأليف أرتشي براون . والكتاب يتعرض لفكر سياسي هام وكان مهيمنا على العالم لفترة طويلة استمرت ما يقارب من 70 عاما. يبدأ ساسون عرضه للكتاب بسؤال : ما الذي جمع بين الكوبيين والروس، البولنديين والكوريين، العمال الألمان والفلاحين الهونان (مقاطعة في الصين) هل هو وهم أم أمل أم هو حلم؟ هل هو القهر؟ أم هو التطور الطبيعي للخروج السريع من التخلف؟ ويستطرد ساسون في شرحه قائلا، إن مثل تلك الأسئلة تبين لنا كم كان من الصعب كتابة تاريخ الشيوعية لأنه من الصعب كتابة تاريخ دول كثيرة، ثقافات مختلفة وأناس كثيرين. مضيفا بان هذه التجربة العظيمة قد قامت بأسلحة أورورا والاستيلاء على وينتر بالاس في بيتروجارد (الاسم السابق لمدينة سان بيترسبرج الروسية) عام 1917. وأشار إلى أن نهاية هذه الحقبة قد جاءت ما بين 1989-1991 عقب انهيار حائط برلين الذي قسم المدينة إلى نصفين وتفكك امبراطورية القياصرة، التي ورثها الشيوعيون. ويقول ساسون أن أرتشي براون يحكي لنا تاريخ هذه الفترة الفريدة التي امتدت ل70 عاما في 600 صفحة فقط وهي ثمار أربعين عاما من الدراسة المنصفة التي لم تخل من التوازن والفهم الجيد للاختلافات بين الاتجاهات المتباينة للشيوعية. فقد قام الكاتب بتقديم مفهوم صحيح للشيوعية وهي قوة احتكارية تتحكم فيها أحزاب مركزية (نظام اقتصادي لا يتواجد فيه القطاع الرأسمالي) وهي التزام أخلاقي لحركة عالمية تهدف إلى تحقيق الأهداف المثالية (المدينة الفاضلة - يوتوبيا)، إلا أنه لا يلتزم بشكل كبير بهذا المفهوم. ويضيف ساسون بأن كوبا والصين وفيتنام وكوريا الشمالية لا يزالون يطلقون على أنفسهم لقب الدولة الشيوعية، إلا أن العالم أجمع يعلم جيدا بانتهاء الشيوعية. وبحسب آخر الأبحاث التي جرت على الشيوعية، فقد كان الاتحاد السوفيتي هو النظام الوحيد المتبقى الذي تمسك بتعاليم وأفكار الشيوعية. ولكن بعد انهياره، لم يتبق من آثار الشيوعية إلا أطلالها. ويبين لنا ساسون ان براون قد اهتم في كتابه بتجميع الحقائق أكثر من تقديم التفسيرات، إلا أنه كان بارعا في سرد هذه الحقائق، وبخاصة في معالجته للأزمات الكبرى. ومن خلال ذلك يتبين لنا ان سنوات بريزنيف هي الأكثر نجاحا من ناحية القيادة. وقد ظهرت مهارة الكاتب عندما وصل في كتابه إلى تفكك الشيوعية فلم يمنع إعجاب براون الواضح بجورباتشوف من سرد أخطائه الكثيرة بالإضافة إلى التحليل المحايد لأهم العوامل السياسية والمؤسسية التي أدت إلى انهيار الشيوعية بالإضافة إلى انهيار الاتحاد السوفيتي. وهنا يكمن التناقض. إن انهيار النظام كان نتيجة للإصلاحات التي تمت دون فهم واضح لمدى انعكاساتها. إلا أن براون كان مصرا على أن هذه الإصلاحات لم تكن ضرورية. ويقول ساسون إن براون يعترف بأن السبب الأساسي في انهيار الشيوعية هو التفاؤول المفرط والطموح للإصلاحيين بأنهم قادرين على القيام بهذه المهمة، ولكن كما يقولون فإن الثورات دائما ما تذهب لأبعد مما يتوقعه الثوريون. ويختتم ساسون تحليله قائلا، لم يسقط النظام الشيوعي بسبب البابا أو ريجن أو الحرب الباردة أو حتى حرب النجوم، وإنما سقطت بيد الشيوعيين أنفسهم. مؤلف الكتاب أرتشي براون : سياسي ومؤرخ بريطاني، مهتم في أعماله بدراسة السياسة في روسيا والاتحاد السوفيتي والشيوعية والحرب الباردة. ومن أهم أعماله "عامل جورباتشوف" والذي قام فيه بتحليل دور ميخائيل جورباتشوف في نهاية الحرب الباردة وإصلاحات السوفييت الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفييتي