صدر مؤخرا عن دار الشروق المصرية رواية "فهرنهايت 451" للقاص الأمريكي برادبري التي قالت عنها مجلة "نيويورك تايمز" الشهيرة أنها: "تحمل مضامين مرعبة، إنه مبهر حقًّا ذلك العالم المجنون الذي رسمه "برادبري"، والذي يدق أجراس الخطر لكونه يحمل ملامح كثيرة من عالمنا". هذه الرواية لاقت نجاحًا عالميًّا، ووزعت أكثر من خمسة ملايين نسخة. و لا تزال شهرتها اليوم مدوية كما كانت منذ خمسين عامًا مضت. ووفق دار النشر:"كان النظام واضحًا، ويفهمه الجميع. الكتب يجب أن تحترق، وكذلك البيوت التي تخبئ الكتب". "جي مونتاج" رجل مطافئ، كانت مهمته أن يشعل النيران. كان "مونتاج" يستمتع بوظيفته التي ظل يعمل بها لعشر سنوات، كان واثقًا من المتعة التي يستشعرها وهو ينطلق في مهمة في منتصف الليل، أو يرى صفحات الكتب تأكلها النيران. تحكي الرواية قصة نظام شمولي يقوم بغزو العالم في المستقبل ويجعل التليفزيون دعاية سياسية له ويقوم بحرق الكتب على درجة 451 فهرنهايت. بطل الرواية هو رجل الإطفاء "مونتاج" يقوم بمطاردة مثقفة تدعى كلاريس وهي فتاة في السابعة عشرة من عمرها، قامت بجذبه وإقناعة بقراءة رواية جميلة حيث كانت النتيجة سريعة إذ وقع مونتاج في حب التراث الإنساني العريق الذي لم يكن يعلم عنه لولا كلاريس التي تقول له: "الصبية في عمري يتسلون بقتل بعضهم .. لقد أطلقت الشرطة الرصاص على ستة منهم العام الماضي .. ومات عشرة منهم في حوادث سيارات". ونقرأ في الرواية عن عجوز صممت ألا يحرقوا كتبها، بل فضلت أن تحترق معها. "كل هؤلاء المخابيل يفضلون الموت مع كتبهم .. هذا نمط سلوكي معتاد" هكذا يقول زملاء مونتاج ليخففوا عنه صدمة ما رأى.. هذه هي الهزة التي تدفع "مونتاج" دفعًا إلى أن يسرق كتابًا أو كتابين ليعرف سر هذه الأشياء الممنوعة التي يفضل الناس أن يحترقوا معها .. وتدريجيًا يندمج في هذا العالم السحري، ويحاول أن يتفادى شكوك رئيسه". في جلسة حميمة يقول له رئيسه: "في الماضي كانت الحياة هادئة تسمح بالاختلاف .. ثم في القرن العشرين تسارعت الحركة ..صارت الكتب أقصر ثم اقتطعت لتكون مجرد تعليق في كتاب مختارات.. أدر عقل الإنسان في آلة الطرد المركزي لتتخلص من كل الأفكار غير المجدية المضيعة للوقت..انشر المزيد من الرسوم الهزلية في الكتب .. أعط الناس صورًا أكثر .. الرياضات الجماعية ممتعة وتغري بعدم التفكير". ويضيف رئيسه في المطافئ: "كلمة مثقف صارت سبة كما يجب لها أن تكون ..تذكر كيف كنت في طفولتك تكره الصبي الذكي في الصف، وتختصه بالضرب والتعذيب بعد الدراسة .. إنه خوفنا المبرر من أن نكون أقل من الآخرين .. خذ صراعاتك إلى المحرقة يا "مونتاج".. النار تحل كل شيء .. النار نقية طاهرة..ولأسباب كهذه قمنا بتخفيض سن دخول الحضانة عامًا بعد عام .. حتى أننا اليوم ننتزعهم تقريبًا من المهد إلى الحضانة . أعط الناس مسابقات يربحون فيها إذا ما تذكروا أسماء الأغاني الشهيرة أو أسماء عواصمالولايات .. أو كم من القمح أنتجته ولاية "أيوا" العام الماضي !.. أحشهم بالحقائق سريعة الاحتراق حتى يشعروا بأنهم أذكياء ". يقول مدير المطافئ: "التليفزيون يغرقك فيبحر من الأصوات والألوان بحيث لا تجد الوقت لتفكر أو لتنتقد .. إنه يقدم لك الأفكار جاهزة". ويضيف: "دعني أؤكد لك أن الكتب لا تقول شيئًا .. لو كانت قصصًا فهي تتكلم عن أناس لا وجود لهم .. لو لم تكن قصصًا فالأمر أسوأ.. أستاذ يعتبر الآخر أبله، وفيلسوف يحاول خنق فيلسوف آخر ..كلهم يكافحون محاولين محو النجوم وإطفاء الشمس ..فقط النار تستطيع أن تطهر كل هذا". يندمج مونتاج مع الثوار الذين اعتزلوا المدنية .. يعيشون وحدهم بعيدًا عن العالم وقد جعلوا مهمتهم هي الحفاظ على تراث البشرية الأدبي والعلمي .. كل واحد منهم حفظ كتابًا بعينه حتى صار هو الكتاب ذاته .. رجل هو التوراه .. رجل هو هاملت. تنتهي الرواية وقد نشبت الحرب النووية وأبيدت عاصمتهم فلم يبق من أمل لدى البشر الباقين إلا أن يحاولوا استعادة ما اختزنوه في صدورهم من تراث.