القاهرة: صدر مؤخرا عن دار مصر المحروسة كتاب "علمانية الإسلام والتطرف الديني" لمؤلفه إسماعيل محمد حسني. يتضمن الكتاب خمسة أبواب رئيسية يأتي الأول منها بعنوان "الدين والسياسة" ويناقش عدداً من الموضوعات بدأها برصد إشكالية العلمانية في المجتمعات الإسلامية، مشيراً إلي الحملات المستمرة لتحريف فكرة العلمانية وإن كانت ترسانة المبادئ العقلية والقيم الإنسانية، التي تتسلح بها العلمانية، باعتبارها إفرازا طبيعياً لتطور المجتمعات البشرية، قد ساعدت علي تبنيها عالمياً، ولم يبق خارج السرب سوي الدول التي تحكمها أنظمة مستبدة وخاصة في العالم العربي الإسلامي. ووفقا لرشا حسني بصحيفة "البديل" المصرية يري الكاتب أن عداء العلمانية للدين هو فكرة مغلوطة كرست لها بعض التجارب العلمانية المتطرفة التي خاضت صراعاً مع المؤسسات الدينية التابعة للأنظمة الرجعية كما كان الحال في فرنسا وروسيا وتركيا. يرصد الكاتب الظاهرة التي أطلق عليها "الصحوة الدينية المباركة"، مشيراً إلي أن التاريخ الإسلامي لم يخل في أي حقبة من حركات سياسية " تستخدم الدين لتحقيق أهدافها " ، بحسبه ، ضاربا أمثلة " كثورات الخوارج مروراً بالقرامطة والحشاشين وصولاً إلي الحركة الوهابية في الحجاز والحزب الإسلامي الهندي وحركة الإخوان المسلمين في مصر وغيرها " ، ويرى أنها كانت دائماً حركات محلية إلي أن كفل لها المال النفطي والدعم السياسي الأمريكي كما تجلي في مبدأ ترومان ومبدأ أيزنهاور انتشار صورة رجعية للدين واستخدامه كذراع ثقافية لهذه الأحلاف في محاربة الأفكار اليسارية والشيوعية. الباب الثاني جاء بعنوان "الكهنوت الإسلامي" شرح فيه نشأة الكهنوت الإسلامي من رحم السلطة السياسية في منتصف القرن الأول الهجري، ثم تطور من خلال الصراع الذي نشأ بين كهنوت السلطة والكهنوت المضاد الذي أنشأته المعارضة من شيعة أهل البيت ، واعتبر المؤلف أن ذلك تم "عبر رواية أحاديث ضعيفة محرفة والاستشهاد بها" ، وكانت نتيجة ذلك إلغاء العقل، ومحاربة العلم، وإفساد المنهج العلمي -والاعتماد علي التلقين وتقديس علماء الدين وتكفير سواهم من العلماء والفلاسفة. ويستشهد الكاتب بعبارات لبعض من يراهم جزءاً من هذا الكهنوت لبيان ما يفعله الاقتراب من السلطة برجل الدين إذ يقول سيد قطب: "إن رجال الدين المحترفين يعيشون في عهد الإقطاع الذي يقيمهم حراساً لمظالمه وجرائمه.. إن هؤلاء لن يكونوا إسناد حكم الإسلام بل طرداؤه، ما لم يغيروا ما بأنفسهم، ويعملوا عملاً منتجاً غير مجرد الصلوات والأذكار والتراتيل". خصص الكاتب الأبواب الثلاثة التالية في مناقشة العلمانية، ففي باب "علمانية الإسلام" محص بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية كاشفاً بعض المبادئ العلمانية بها مثل الفصل بين المطلق والنسبي وإلغاء الكهنوت والإيمان بفردية الإنسان والثقة بالعقل واقتصار القداسة علي المطلق دون النسبي. واستعرض بعد ذلك مشروعات التوفيق بين العلمانية والإسلام السياسي وناقش في هذا الإطار مشروعات كل من حسن حنفي أستاذ الفلسفة والمؤرخ الراحل د.عبدالوهاب المسيري والكاتب فهمي هويدي ورأي في تلك المشروعات بشكل ما محاولة لإنقاذ الأمة من حالة التمزق والانقسام عبر التقارب بين التيارات الإصلاحية المختلفة. في طرحه رؤيته للطريق إلي العلمنة في الباب الأخير من الكتاب رصد الكاتب "الواقع العلماني للمجتمعات العربية" وتراجع مسيرة الحداثة والتنوير وصولاً إلي الانهيار الفكري في الواقع العربي المعاصر الذي تجلي في النظرة الانتقائية للتراث وازدواجية الفكر والهوس الديني ثم انتقل إلي رصد الرؤي التي تتهم العلمانية بالتطرف وفند الأفكار الأساسية بها مستدلاً بأمثلة تشير إلي أن النزعة الإلحادية الإباحية ليست حكراً علي حضارة بعينها وليست نتيجة العلمانية، مشيراً لبعض أشعار أبي نواس والمتنبي وأبي العلاء المعري. وفي نهاية الكتاب خصص الكاتب فصلاً يناقش "العلمانية والصراع العربي - الإسرائيلي"، ليؤكد أن تناول هذه الصراع من منطلق ديني وتجريده من طبيعته كقضية تحرر وطني يرجح كفة الطرف الآخر دوليا ويفقد القضية أبعاداً مهمة عند طرحها عالمياً.